الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبحة وتربة وعطر شانيل

جاسم الحلفي

2010 / 2 / 25
سيرة ذاتية


لم يكن والدي شخصية عامة، وهو ليس رجلا استثنائيا، انما هو شخص اعتيادي من بسطاء الناس، لم يكن يملك طموحات تتعدى أمنيات أهل زمانه. كان يحب الدولة ويلتزم بكل ما يصدر عنها بالسرعة القصوى، ولا يتأخر عن اي واجب تفرضه. وكان يسدد فواتير الماء والكهرباء فور استلامها بدون ادنى تأخير، فالدولة برأيه عليها التزامات كثيرة لذا ينبغي مساعدتها في تنفيذ تلك الالتزامات، والدولة هي رب العائلة واجب على أبنائها الطاعة والاحترام، كما يحلو له ان يردد. والدي لا يعرف الفرق بين الدولة والحكومة، فالشرطي في زيه الرسمي يعده ممثلا للدولة!

احترام والدي للدولة وثقته بها جعلته يرفض ولوج طريق الأعمال الحرة التي أغرت أعمامي، فقناعته بوظيفة الدولة جعلته يرفض عروضهم وترغيبهم له في ترك الوظيفة والاتجاه صوب الأعمال الحرة. وكانت حجته في ذلك تنطلق من قوة الدولة وقدرتها على حماية الضعيف وواجبها بتامين العيش الكريم لمواطنيها. فالأمل بالتقاعد كان عنده اكبر من اي مبلغ يستطيع أعمامي جمعه ضمانا لشيخوختهم، فالدولة التي منحته 144 مترا في مدينة الثورة، بنى عليها داره بقرض الدولة وتسهيلاتها باعتباره ابنها، هذا إضافة الى الماء الذي اوصلته الى بيته صافيا، والكهرباء التي لم تشهد انقطاعا انذاك. كان على قناعة بأن الدولة التي وفرت له كل ذلك وهو شاب ستجازيه بكل تأكيد بعد ان يفني في خدمتها سنين عمره.

تحققت الكثير من توقعات والدي، وهي في مجملها كانت بسيطة مثل حياته، لكن لم يكن من بينها التقاعد المجزي الذي تأمله من الدولة التي لا تغش، كما كان يحسب، مواطنا أطاعها وخدمها بكل إخلاص. لم يكن ما توقعه والدي بان الدولة ستفي بوعدها للمتقاعدين بتقاعد مجزي، وبطاقات مخفضة للنقل العام لم يكن هذا التوقع في مكانه. والسؤال: اين هي بطاقات النقل العام؟ لا قل اين هو النقل العام برمته؟ وتأمل كذلك الطبابة المجانية. والسؤال: اين هي الأجهزة الطبية الحديثة؟ ولا بد من طرح السؤال بطريقة أخرى: من فكر بحماية الأطباء؟ لا قل هو اين اصبحت الخدمات الطبية برمتها؟ وتأمل من الدولة أيضا ان تقوم بدورها في رعاية المتقاعدين. اية رعاية تلك التي تأملها؟ وهل وضعت الدولة قانونا للرعاية؟ السؤال هو: متى يستريح المتقاعد؟. توقف ابي عن الذهاب لاستلام التقاعد لفترة طويلة، حينما اصبحت اجور الوصول الى مركز استلام التقاعد أكثر من مبلغ التقاعد بحد ذاته.

وتغيرت قناعة ابي بمصداقية الدولة ونزاهتها حينما أدارت ظهرها للمتقاعدين، ولم تفكر بصحتهم ومعيشتهم وراحتهم. ورفضها منذ ان اندمجت بالفرد واصبح الفرد يصيح انا الدولة والدولة انا. لم يغرِه تعديل رواتب المتقاعدين، حينما لم يعد التعديل يكفي أجور مراجعة دكتور مختص مع تكاليف فحوصات مختبره ووصفته الطبية. كثيرة كانت قناعات والدي التي تغيرت، فهو غير متزمت، ورجل بسيط. وضعت شقيقاتي في قبره مع جثمانه الطاهر سبحة من مكة وتربة من ارض كربلاء، اما انا فقد وضعت قنينة عطر شانيل، فعشقه لطيب العطر لم يتغير.

كل العطر وطيبه للمتقاعدين الذين افنوا حياتهم في خدمة الدولة ولم يديروا لها الظهور، لكنها ادبرت عنهم، ونستهم وركنتهم مهشمين على جانب من الحياة منسيين يتحسرون على زمن مضى كانوا صناعه.

قنينة العطر هي ورقة التصويت من اجل انصاف المتقاعدين، اشر بعلامة الصح على الخيار الصحيح في ورقة الاقتراع، وتذكر معنا جميع المتقاعدين، واشترك في إعادة رونق الحياة لهم.

لو قدر لوالدي ان يدرك الانتخابات، لوضع صوته في المكان الصحيح، وصوّت للذين وقفوا كل حياتهم دفاعاً عن مصالح الكادحين، بكل فئاتهم، ولقد كان منهم، لكنه رحل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرار أميري بحل مجلس الأمة الكويتي وتعليق العمل بعدد من مواد


.. تسلسل زمني لأبرز الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله.. فما هي أ




.. دولة الإمارات ترفض تصريحات نتنياهو بشأن المشاركة في إدارة قط


.. عبر الخريطة التفاعلية.. لماذا قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي ال




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في رفح جنوب قطاع غزة