الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوكرانيون يهزمون -ثورتهم البرتقالية- .. ديمقراطيا

ماجد الشيخ

2010 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


وفي عامها الخامس، اندحرت "الثورة البرتقالية" أمام صناديق انتخابات شهد الغرب بنزاهتها، رغم اعتراضات المرشحة الخاسرة (تيموشينكو) وحزبها، وأظهرت نتائج الجولة الثانية التي جرت في السابع من شباط (فبراير) الجاري فوز مرشح حزب الأقاليم فيكتور يانوكوفيتش، المقرب من موسكو وفق بعض المصادر، والمدعوم من قبل مجموعات قوية من الرأسمالية القومية الأوكرانية وفق مصادر أخرى. وبهذا تكون صناديق الاقتراع قد تكفّلت بهزيمة "مشروع الثورة البرتقالية" الذي اندفعت دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة؛ للتأسيس له ضمن سلسلة "ثورات ملونة" في الفضاء السوفييتي السابق، بهدف جلب سلطات حكم جديدة موالية أو تابعة للغرب، وذلك على حساب علاقاتها الطبيعية بجيرانها في إطارها الجيو بوليتيكي، وبروسيا تحديدا.

وإذا كانت رهانات الغرب، قد انعقدت على جورجيا وأوكرانيا وبعض دول سوفييتية سابقا، للحد من الطموح الروسي لاستعادة علاقات موسكو الطبيعية بدول الفضاء السوفييتي السابق، خاصة بعد أن استعاد الاقتصاد الروسي شيئا من جاذبيته القديمة، في التحكم بمسارات نمط من اقتصاد رأسمالي أكثر خضوعا للتخطيط؛ فها هي الانتخابات الأوكرانية تمنح الطموح الروسي المزيد من عناصر الصحوة من غيبوبة السياسة والاقتصاد السياسي، تلك التي فرضها انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار أساساته الاقتصادية. وبهذا يكون الغرب قد خسر رهاناته، ليس على "الثورات الملونة"؛ بل وعلى الانتخابات الديمقراطية، وهو النمط الذي حاول استغلاله في "شرقنا الأوسط الكبير" لمنح سلطته الهيمنية كل مقومات النجاح، ولفرض نفوذه القوي على أنظمة وسلطات بلادنا. ولئن لم يستطع الاحتفاظ ببريق هيمنته التي بدأت بالتلاشي والاندحار تدريجيا، ففي ضوء خبرة شعوبنا وشعوب دول الاتحاد السوفييتي السابق، يتبين أن مدى خيبة الأمل بالوعود الغربية كبير وكبير جدا، وأن ما كان يلتمع لم يكن ذهبا.

وهكذا أسفرت جولة الحرب الأولى بين روسيا وجورجيا، عن قدرة ضعيفة لدى نظام ساكاشفيلي، وهو يراهن على أوهام تدخل الغرب ومعه إسرائيل لنجدة جيشه في مواجهة الجيش الروسي، وخاب فألهم. وهكذا أيضا أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، كما كان متوقعا، عن هزيمة ساحقة لرجل الغرب فيكتور يوتشينكو، عبر تجديد الرهان على فوزه لمواصلة "مشروع الثورة البرتقالية"، فلم يحصل على أكثر من خمسة بالمائة من أصوات الأوكرانيين، ما يعكس خيبة أمل كبيرة جدا وشديدة، إزاء "برتقاليي الثورة المغدورة" الذين سقطوا سقوطا ذريعا في امتحان المواءمة بين المصالح القومية، والتبعية لمصالح الغرب التي جسدها الاندفاع المتهوّر للانضمام إلى حلف الناتو، ومناصبة روسيا العداء، ورفع وتيرة الخطاب القومي، في ظل أزمة اقتصادية كانت تتفاقم، وتفاقم معها ليس خسارة جانب من الثروة القومية من جانب النظام الحاكم، بل وإفقاد الأوكرانيين نصف قيمة عملتهم، بدءا من أواخر العام 2008، في وقت كان ينخفض الناتج الوطني الإجمالي بنسبة 15 بالمائة، وملامسة مستوى البطالة العشرين بالمائة، وتضاعف أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وزيادة أسعار المواد الغذائية مرات عديدة، بينما أبرزت سنوات "الحكم البرتقالي" الخمس أوكرانيا كدولة فاسدة، واضعة إياها في مقدمة دول العالم بعد الصومال.

لهذا.. وبعيد إعلان فوزه رئيسا، أكد فيكتور يانوكوفيتش على ثقته بفعالية برنامجه وقدرته على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد وفي الحياة السياسية، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، لكنه وفي الوقت ذاته أشار إلى أنه يستلم من الحكومة السابقة بلدا في وضع اقتصادي حرج، وأن عملية تحقيق التنمية ومكافحة الفساد والدفاع عن حقوق المواطنين وإقامة نظام إدارة فعال يتطلب فترة من الوقت. كذلك أعلن أن مسألة إنضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو غير مطروحة، وأن بلاده مستعدة لدعم المبادرة الروسية الخاصة بإنشاء نظام مشترك للأمن الأوروبي، وعلى هذا الأساس أعلن عن دعمه مبادرة الرئيس ديمتري ميدفيديف التي حظيت بدعم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.
لقد اتضح وعقب الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، أن تنافسا بين المعسكر الغربي وروسيا، عبّرت عنه التهاني ليانوكوفيتش، في محاولة لجذب انتباهه نحو مسائل التعاون المشترك، خاصة الاقتصادية منها، إذ أن حوالي 170 مسألة اقتصادية كانت قد تراكمت طوال السنوات الخمس الماضية، كان لا بد لتدخل حكومي عاجل لمعالجتها، ولكن انعدام الحوار بين روسيا وأوكرانيا – رئاسة وحكومة – حال دون ذلك، ما يفتح الآن آفاقا واسعة لبحثها، رغم أن أوكرانيا عضو في منظمة التجارة العالمية، والتزاماتها في المنظمة، تتضارب مع مبادئ الفضاء الاقتصادي الموحد والاتحاد الجمركي، وهذا يتطلب إعادة تصحيح العلاقات الأوكرانية – الروسية، وإلاّ فلن يكون في مقدور أوكرانيا دخول الفضاء الاقتصادي الموحد، ولا تعميق علاقاتها الاقتصادية مع روسيا وكازاخستان وبيلوروسيا خاصة، ورابطة الدول المستقلة بشكل عام.

لكن هناك من لا يستبعد انطلاق الفضاء الاقتصادي الموحد، باعتبار ذلك انطلاقة مشروع رئيس، فالدكتور فيتالي كوليك مدير مركز دراسات قضايا المجتمع المدني في أوكرانيا، وإذ يميل إلى اعتبار شخصية يانوكوفيتش بعلاقته بروسيا كنوع من الأسطورة، فلأسباب يتعلق بعضها بتمركز مجموعات قوية لرأس المال الأوكراني القومي حوله، وهو رأس مال ضخم تتواجد أسواقه ليس في روسيا، بل في الغرب. ومن الناحية الاقتصادية فهم الذين يشكلون المجموعات القومية الاقتصادية التي ليس من مصلحتها خلق ظروف تساعد على دخول رأس المال الروسي إلى أوكرانيا، وسيبذلون جهودهم لردع التدخل الاقتصادي الروسي، كما أنه ليس من مصلحتهم توسع عمليات التكامل بين دول الاتحاد السوفييتي السابق. فهل يكون للرئيس الجديد رأي مغاير، انطلاقا من مصالح مغايرة تتجدد اليوم على وقع الأزمة المالية الدولية، وتداعياتها التي ما تني تؤثر في اقتصادات أقوى من الاقتصاد الأوكراني؟

إن ما نسب ليانوكوفيتش مرشحا، يتناقض مع هذا التقييم/ التحليل الذي ذهب إليه فيتالي كوليك، فهو حينذاك أشار إلى جاهزيته لتوقيع ما أسماه "اتفاق تنازلات تاريخية" يضمن إعادة الحيوية للاقتصاد الأوكراني، كما انه يسعى لأن تكون رئاسة الوزراء "وطنية" وليست حزبية أو فئوية خاصة بحزبه (الأقاليم). واستنادا إلى الفترة التي شهدت رئاسته للحكومة، فقد أظهرت أوكرانيا يومها أفضل وتائر نمو الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بفضل تمكنه من تصريف البضائع الأوكرانية في الأسواق الروسية، ولهذا من المتوقع أن يسعى يانوكوفيتش إلى ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي الذي يضم كل من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، والعمل بمشروع فضاء اقتصادي موحد، وهذا ما سيتيح لأوكرانيا بدء عملية إعادة علاقات التعاون في القطاعات العلمية والمجمع الصناعي العسكري، نظرا لأن المصالح المشتركة مع روسيا – حسب يانوكوفيتش – يجب أن تُبنى على العلاقات التجارية – الاقتصادية، وقبل كل شئ في مجال صناعة الطائرات، وبناء السفن، والصناعات الفضائية، والطاقة الذرية والكهربائية ومجمع الصناعات الكهربائية، أما النسبة للغاز والنفط فهي من التفاصيل المفروغ أن تعاونا وثيقا يحكم علاقات البلدين، يمكن له إخراجها من دائرة التوتير والتنازع والخلافات البينية بين الحين والآخر.

رغم كل ذلك، لم يحسم التغيير الأوكراني الراهن الهوية الحقيقية لأوكرانيا كدولة /أمة، بحيث يمكن للاتجاه التعددي ثقافيا أن يسود، ليسيّد معه احتراما للتعدد اللغوي، وبما يعكس المصالح الحقيقية لأوكرانيا، فإذا كانت قضايا الداخل الإستراتيجية، بحاجة إلى بُعد نظر مؤجل؛ إلى حين حسم المسائل السياسية والاقتصادية المتشابكة، فلا شك أن القضايا الإستراتيجية لسياسة أوكرانيا الخارجية المتمثلة في ترسيم الحدوة وقضية أسطول البحر الأسود، وغيرها من قضايا يمكن حسمها ولكن بعد وقت طويل، كونها تحتاج إلى تغييرات في الدستور، وهذا دونه توافق وطني عام لا تتوافر شروطه وأركانه كاملة بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ