الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا تُجرَحَ الديموقراطية !

جان كورد

2010 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أثناء الجلسة -اليوم- بصدد المناقشة حول المساهمة الألمانية في الحرب الأفغانية في البرلمان الاتحادي الألماني، حدث شيء مثير، فتح الباب لنقاش عنيف في البرلمان وخارجه، حيث رفع أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب اليساري لافتات عليها أسماء ضحايا الغارة الألمانية الجوية على شاحنة ناقلة للوقود السائل في منطقة كوندوس بشمال أفغانستان في فترة سابقة، حيث كان الضحايا من المدنيين، من النساء والأطفال والرجال الذين لاعلاقة لهم لا بحركة طالبان ولا بالحرب الدائرة بينها وبين قوات التحالف الدولي التي تقاسمت البلاد، في محاولة منها لتثبيت نظام ديموقراطي بديلاً عن نظام طالباني منذ سنوات عديدة، وتعاني من مشاكل جمة ومقاومة عنيفة بشكل متزايد، مما دفع الأمريكان الذين أزالوا نظام طالبان بحرب خاطفة فيما مضى إلى الاستنجاد بالأوربيين والترك والأوستراليين وغيرهم، ومع الأيام أضطر هؤلاء إلى رفع مستوى مساهماتهم في الحرب الأفغانية، مادياً وعسكرياً، نظراً لاستعادة حركة طالبان الكثير من قواها وقدرتها على توسيع اطار مقاومتها لوجود هذه القوات الأجنبية في أفغانستان...
إلاّ أن المشكلة التي أخذت أبعاداً واسعة في السياسة الوطنية في ألمانيا المعروفة بانكماشها السياسي على ذاتها لأسباب تاريخية تكمن في أن المساهمة الألمانية في تثبيت الأمن والاستقرار في جزء من الأرض الأفغانية مساهمة في الحرب من وجهة نظر الكتل البرلمانية اليسارية (الاشتراكيون الديموقراطيون، حركة الخضر / تحالف 90 والحزب اليساري)، ويكمن التناقض في أن دستورها لا يسمح وكذلك شعبها لايرضى بأن تنطلق الحرب مرُة أخرى من الأرض الألمانية وأن يعتبر الجيش الألماني جيشاً محارباً في أي بقعة من بقاع العالم... ولذا يزداد النقاش عنفواناً وتباعداً في كل جلسات البرلمان الفيدرالي في برلين، وبخاصة عندما يتحدث زعماء معارضون للحرب كلياً، مثل الدكتور غريغور غيزي (62) من الحزب اليساري وهانز – كريستيان شتروبله (71) من حزب الخضر / تحالف 90... وبالمناسبة فإن الزعيم اليساري غيزي كان غائباً اليوم، حيث أنه في سفر متسلسل الحلقات إلى عدة بلدان في أمريكا اللاتينية، ولو كان حاضراً لازدادت المسألة سخونة بالتأكيد...إلا أن هانز – كريستين شتروبله قد وقف ليدافع عن تصرّف الكتلة اليسارية المزاحمة لحزبه في الشق الأيسر من المجتمع الألماني والسياسة في برلين...
اعتبر رئيس البرلمان الألماني الفيدرالي الدكتور نوربرت لاميرت (62) رفع اليساريين لأسماء ضحايا القصف الألماني المذكور آنفاً في جلسة برلمانية، خرقاً فاضحاً للأصول المقررة بموجب النظام الداخلي والمتفق عليها في برلمانه، ولذا فإنه أصدر أمراً بمعاقبة كل الذين حملوا تلك الأسماء، رغم أنهم لم يتحرّكوا من مقاعدهم ولم يصرخوا، بل اكتفوا بعرضها في صمت، وأكّد على أنه لن يسكت عن أي استعراضات كهذه من أي كتلة صدرت، وذلك صوناً للحياة البرلمانية الصحية، ولكن من أن أجل أن لا تجرح الديموقراطية فإنه أوجد حلاًّ ومخرجاً بأن سمح للمعاقبين بالتصويت على اقتراح كتلة النظام الحاكم (الاتحاد الديموقراطي المسيحي، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب الديموقراطي الليبرالي) لارسال قوات ألمانية أخرى إلى أفغانستان وتمويلها من الخزينة العامة...وزاد رئيس البرلمان على ذلك بأن قرار قصف المدنيين في أفغانستان لم يؤخذ بعلم أي كتلة برلمانية في البرلمان الفيدرالي الألماني، ولم يتم بعلمه الشخصي، ولذلك فلا يحق تحميل البرلمان مسؤولية تلك الكارثة الإنسانية، بل يجب أن يبقى البرلمان بعيداً عن أي هجوم، سواءً من طرف المعارضة أو من قبل القوى الحاكمة، وليؤدي واجبه الديموقراطي بشكل جيد...
تعليقاً على ما حدث، قال نائب المستشارة الألمانية ووزير الخارجية، الدكتور غويدو فيسته فيللر (49) من الحزب الليبرالي، بأن اليساريين يحاولون في كل جلسة برلمانية القيام بخروقات لاتتفق مع الأصول البرلمانية، وأنه يشدد على معاقبة من يخالف تلك الأصول، حتى لايتحول جرح الديموقراطية البرلمانية إلى جرح الحياة الديموقراطية في المجتمع، وأعلن رئيس كتلة الاشتراكيين – الديموقراطيين المعارض، فرانك فالتر شتاين ماير (56)، تأييده لقرار رئيس البرلمان وأبدى اعجابه بمرونته في السماح للمعاقبين بالتصويت، وذلك حرصاً على تمتع الجميع بحقهم في التصويت ديموقراطياً، في حين أن كتلة الحزب اليساري دافعت عن نفسها بقوّة واعتبرت التذكير بأسماء وأعمار ومهن أولئك الأبرياء الذين سقطوا جراء القصف العسكري الألماني لهم جزءاً من مهمتهم في الدفاع عن الحرية والديموقراطية ولا يتعارض البتة مع أصول الحياة الديموقراطية، وليس هدفهم عرقلة العمل البرلماني وانما اظهار رفضهم التام للحرب، ورفضهم لأن يصاب المدنيون بسببها...
نعم، من أجل أن لاتُجرَحَ الديموقراطية، وأن يصان حق الكل في أن يصوّتوا ديموقراطياً، لم يتوان رئيس البرلمان الألماني عن ايجاد مخرج سياسي ذكي ومتفق مع أهداف الديموقراطية، رغم صرامته وجديته وحقه في اتخاذ قراره بمعاقبة أولئك البرلمانيين الذين حاولوا من قبل أيضاً إظهار امتعاضهم لقوانين أو اجراءات حكومية أو حزبية عن طريق استعراضات اعلامية في البرلمان الذي يجب أن يبقى أهم وأعلى وأمثل مكان في المجتمع، لاتتم فيه الدعاية لرئيس أو حكومة أو كتلة إلاّ وفق الأصول البرلمانية...
وبعد هذا يحق للسوريين أن يقارنوا بجدية بين ما يجري حقيقة في برلمانات أوروبا التي نصب عليها ليل نهار حمم غضبنا كشرقيين ونستهزىء بها، وبين ما يجري في "مجالس الشعب!!!" أو "مجالس التصفيق" في بلادنا من مهازل اعلامية ودعائية للقائد البطل الحكيم، محرر الأقصى الشريف مستقبلاً... ومنهم من لم يفهم بعد لماذا تطالبه السيدة هيلاري كلينتون بالابتعاد عن ايران، والأجواء كلها تنذر بالحرب على طهران ونظامه الذي لم يبق له من حلفاء، لا في الداخل ولا في الخارج، سوى نظام دمشق، وبعض التنظيمات الممولة من قبلها في المنطقة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس