الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة القطيع وراعي الغنم

عمرو اسماعيل

2004 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تسيطر علي عالمنا العربي للأسف ثقافة القطيع وراعي الغنم وهي الثقافة التي ترعي الاستبداد و القهر و نظم الحكم الديكتاتورية التي تلفظ انفاسها في العالم أجمع ولكنها في عالمنا تجد في الثقافة المسيطرة علي قلوب الشعوب وليس عقولها التي توقفت عن العمل مصادر الغذاء التي تعينها في البقاء علي قيد الحياة.
و هذه الثقافة هي المسئولة عما يحدث في العراق من فوضي وقتل للعراقيين والمدنيين ثم ادعاء انها مقاومة للأحتلال رغم ان أي مراقب منصف يري أنها محاولة مكشوفة لزعزعة الاستقرار ومنع التحول الديمقراطي في العراق والذي يحدث تحت مظلة الشرعية الدولية الممثلة في قرارات الامم المتحدة فمقاومة المحتل كما حدث في العالم أجمع تهاجم المحتل نفسه وليس أبناء الوطن الواحد ولو كانوا من طائفة دينية مختلفة و لا تهاجم البنية التحتية للأقتصاد والذي تعود ملكيته لأهل البلد كلهم وليس لنظام حكم معين.. وعندما ننظر الي التعاطف مع صدام حسين بعد ظهوره الاخير علي شاشة التليفزيون أثناء توجيه الاتهام له نجد أن الدفاع المستميت عنه هو من أقلام تنتمي في أغلبيتها الي نفس المنظومة الثقافية التي تكرس مفهوم راعي الغنم وتعتبر الشعوب هم مجرد قطيع لايملك من أمره شيئا ويجب ان يسير نحو الاتجاه الذي يحدده الراعي ومصير أي شاه ضالة هو العصا.
هذه الثقافة وروادها ممن يعتبرون أنفسهم الرعاة ويعتبروننا نحن الشعوب مجرد قطيع من الغنم .. تستخدم عصا الدين أو عصا الوطنية والقومية لترويد القطيع وتاديب من يحاول التمرد .
والدين بالذات كما يمكن ان يكون سبيل الهداية و الثورة علي الظلم وعدم المساواة كما كان في عهد النبوة , يمكن أن يكون عصا غليظة بستعملها الراعي الظالم لقهر شعبه والتسلط عليه ومعاقبة من يتمرد من القطيع بقسوة بالغة تصل الي حد قطع الرقاب استنادا الي تفسيرات خاطئة لنصوص القرآن والسنة تبرع بها فقهاء السلطة بعد عهد النبوة نفاقا للحكام وطمعا في ذهبهم أو خوفا من سطوتهم .. لقد بدأ فقهاء السلطة عملهم باستحياء بعد أن انتصرت قريش وتسلطت علي حقوق الآخرين في اجتماع السقيفة ثم خلعوا برقع الحياء تماما بعد سيطرة قريش وانتصار بنو أمية أعداء الرسول السابقين والطلقاء يوم فتح مكة بزعامة معاوية بن أبي سفيان وزينوا له حقه في تحويل الحكم من شوري و بيعة الي ملك عضوض يورثه الأباء للأبناء دون أن يكون للشعوب المقهورة أي رأي سوي الرضوخ لحكم السيف .. ألم يزين هؤلاء للحكام وأقنعوا العامة أن طاعة ولي الامر من طاعة الله .. الم يسكت هؤلاء و أغمضوا عيونهم عن القتل والسلب والنهب التي مارسها حكامنا طوال اربعة عشر قرنا ضد الشعوب المغلوبة علي أمرها .. ليستمتعوا هم بالحياة في القصور بينما الشعوب تعاني شظف العيش .. الم يكن بيت المال الذي يملأ بالضرائب (الخراج) المقتطعة من عرق وكد الغلابة يتحكم فيه من ادعي انه خليفة رسول الله في كل عصور الخلافة بدئا من الدولة الأموية ومرورا بالدولة العباسية وحتي عصرنا هذا ويوزعه علي من يشاء بدون اي حساب و بدون أي قواعد من الشرع او القانون اوحتي العدالة.. ألا القلة من حكامنا تعد علي أصابع اليد الواحدة وعلي مدي تاريخنا الطويل الممتد لأربعة عشر قرنا وليس من بينهم من ألفنا في حقهم الكتب الكاذبة عن عدلهم وورعهم لـتأكيد حق قريش في الحكم و التسلط ثم تأكيد حق أي حاكم تغلب بالسيف بعد ذلك و بعد أفول نجم قريش الذي استمر قرونا .. سواء كان الحاكم من المماليك العبيد أو من الاتراك أو في العصر الحديث مغامرا وصل الي الحكم عبر غزو القبائل المجاورة أو من خلال انقلاب عسكري أو تآمر قتل فيه وسحل كل معارضيه.
المشكلة الكبري ان القطيع نفسه قد تعود علي واستمرأ الترويض و أكتفي بقليل من الماء والكلأ مما يسمح به له راعي الغنم يسد به رمقه وتخلي عن جميع حقوقه طالما كفاه الراعي مشقة التفكير في و ضعه المزري او أبعد عنه الألم المصاحب للعصا .. حتي أنه اصبح لا يثور ألا علي رفاقه المتمردين من القطيع لأنهم يجلبون له العقاب أو المشقة المصاحبة للتفكير التي تتعارض مع استقر في العقول من التراث حتي لو كان كاذبا والمألوف من العادات والتقاليد حتي لو كانت ضارة.
هل هناك تفسير آخر لتأييد البعض لصدام رغم انه اسئثر بالسلطة وقتل الألاف من معارضية مستعملا كل أدوات القتل من المشنقة الي الرصاص الي الكيماوي واعتبر ثروات العراق ملكا خاصا له يأخذ منها ما يشاء ويوزع منها مايشاء علي كل عميل يسبح بحمده في وسائل الاعلام بينما شعبه الغني اصلا بموارده كان يأخذ حصته من الطعام بالبطاقات التموينية.
هل هناك من تفسير لخنوع الشعوب حاليا او في الماضي لحكامها والنفاق المقيت الذي تمارسه هذه الشعوب لحكام ظلمة و الهتاف لهم بالدم والروح نحن فداكم.
لماذا لابد ان يصدر اي قرار و لايحدث اي تغيير الا بناء علي اوامر راعي الغنم القابع علي قمة السلطة سواء كان رئيسا او ملكا بينما كل من دونه وكأنما هم ليسوا بشرا لهم ارادتهم المستقلة و قدرتهم علي التفكير.
لماذا كل من نعتبرهم أبطالا في تاريخنا هم مثالا صارخا علي التسلط و القهر و استخدام القوة في ترويض القطيع.. لماذا تبكي شعوبنا من يحكمها بطريقة ديكتاتورية عنيفة وتنسي أو حتي تقتل من يحاول ان يكون عادلا .. هل العظمة فقط هي في محاربة الآخرين والغزو والمغامرات العسكرية سواء كانت ناجحة أو فاشلة .. بينما الحرية و الازدهار الاقتصادي و الحضاري والعدل ليست قيما عظيمة لا يستحق من يحاولون تطبيقها او نشرها بين شعوبنا الا الأهمال أو حتي الأزدراء.
لماذا تنتشر الديمقراطية في العالم كله بينما تتعثر في مجتمعاتنا وتعتبر الشعوب المنادين بها هم مجموعة من العملاء علي ابسط تقدير او مجموعة من الكفرة المارقين من الدين والذين يستحقون القتل والسحل علي أيدي رعاة ثقافة القطيع.
حتي من يثوروا في عالمنا يثورون لاستبدال راعي غنم بآخر أكثر استبدادا وعنفا يريد ان يسوقنا كالغنم باسم الدين وتفسيره له المشتق من العصور الوسطي و من تفسير بدو الصحراء وللأسف تجد القطيع أكثر اعجابا بهم وبما يمارسونه من قسوة وعنف ممن يدعون الي او يحاولون استرجاع الحرية للقطيع.
الحقيقة يا سادة أننا لسنا مواطنين و لا حتي رعايا أنما مجرد قطيع من الغنم وسنبقي كذلك أن لم نتمرد علي ثقافة القطيع و الراعي .
وكم كان نزار قباني صادقا عندما قال في لحظة ثورة علي وضعنا:

"أحاول أن أتبرأ من مفرداتي
ومن لعنة المبتدأ والخبر
وأنفض عني غباري
وأغسل وجهي بماء المطر
أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل
وداعاً قريش
وداعاً كليب
وداعاً مُضر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت