الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصار هوليود ووعي الآخر

احمد ثامر جهاد

2004 / 7 / 11
الادب والفن


دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على توظيف المعطى السياسي في السينما بشكل لم يسبق له مثيل ، لا في معدلات البذخ على هذا النمط من الأفلام و لا في درجة الإساءة والتشويه الذي لحق بالحقائق التاريخية للشعوب غير الغربية ، والتي تعد غائبة ككيان فعلي مؤثر ( غير صوري ) بمقدار استمرارية ذلك المشروع من غير قنوات مؤثرة تفضحه .
وفي إطار سياستها الرامية لتهميش أي دور ريادي للآخرين في تشكيل العالم ، حضارة ومعرفة ، تحاول أمريكا اختيار الموضوع الذي ينبغي الانشغال به ، بوصفها المنتج الأوحد لشتى أشكال الحياة ( السياسية والاقتصادية والثقافية ) . وما ذاك الانشغال المشروط ، إلاّ نوع محترف من تقنين العلاقة بين صانع " الصورة " ومتلقيها . فما أن يكتمل تفسير إحداها وإدراك ماهيتها ، حتى نجدنا قد انتقلنا إلى البحث عن التفسير الملائم لصورة أخرى ، تسيء للواقع بطريقة مغايرة .
إن ذلك السعي العالمي يتضاعف يوماً تلو آخر ، واضعاً قدراتنا خارج دائرة التأثير والمواصلة ، اعتماداً على هوس الجهات الممولة له ، وتعويلها الجنوني على حالات الربح والنجاح واسع النطاق ، كذلك لسطوع الهيمنة شبه التامة على مراكز ( صناعة القرار ) ، ناهيك عن السينما ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيري ، كنوع جديد من ( فلسفة الاحتكار ) .
لكن من يطلق الفايروس ، قد لا يأمن شرهُ دائماً !!
على الرغم من إمعان هوليود ( كعبة السينما ومختبر السياسة الأمريكية ) في تشويه حقيقة المواطنين غير الأمريكيين -العرب والمسلمين خاصة - فان الأصوات المعارضة لاتجاهها تتكاثر من حين إلى آخر ، لكن غالباً دون عناية واضحة أو تنسيق دقيق يُقدمها كوجهة نظر فاعلة تملك حيوية مجالها الحضاري ، ناهيك عن شرعية وجودها إنْ في الحياة أو في الطموح لتحسينها . يضاف إلى ذلك إن الإطار السياسي الفعلي الذي تصدره وتروج له أمريكا هـو بالضبط ما يدعم تلك الصورة النمطية المغالية في إظهار العرب أو آخرين غيرهم كإرهابيين أو مرتزقة .. كيف يا ترى ستكون صورة الغد ، مع هوس التطرف الديني للمسلمين الموجه ضد الآخر في مختلف بقاع العالم ؟
أليس من الجدير بنا والحال هذه ، أن نتقدم خطوة إلى الأمام في طريق انتشال واقعنا الفعلي من افخاخ التطرف والأصولية ومظاهر التخلف والعنف التي تمسك بمفاصل حياتنا الراهنة ، إذا ما كنا جادين في تحسين صورتنا أمام العالم ؟
إن العالم العربي يمنح العالم الغربي دلائل أخرى لتمكين الأخير من إحكام الحصار عليه ، ولإيغال الصورة – أيا كان نوعها – بتمتين صياغتها النمطية . ولن يكون هذا الشروع النمطي بمعزل عما يتصل بالأمر من سيل البطولات الأمريكية الخارقة والموجهة للقضاء على واقع السلوكيات اللاحضارية لغير الأمريكيين ، والتي تحدد خطورتها – برأيهم – جسامة الدور الذي على الغرب أن يلعبه حفاظاً على الأهداف الشاملة لأبنائه في السلام والحرية والديمقراطية ، وصولاً إلى جوهر النظام الديمقراطي الجديد أو فضاء العولمة الآمن في اقلّه .
ضمن هذا الاتجاه تندرج معظم الأنشطة الإعلامية والسياسية والثقافية الغربية سواء في التلفزيون أو السينما أو وسائل الاتصال كافة . وبما أننا محاطون بهيمنة شاملة لصورة نمطية يتناسل حضورها بغياب الوعي المضاد لها ، الوعي النقدي الذي راهن ( إدوارد سعيد ) على فاعليته الثقافية ، فنحن أوجب ما نكون لتفعيل وعي المواجهة الذي عليه أن يسارع لإنقاذ سرقة التاريخ على يدي صناع هوليود . ونشاط من ذاك النوع لن يكون مكرساً لمعاداة ( الرأي الآخر ) كما يتصور البعض ، قدر محاولته كشف مظاهر العنف والتمويه المتضمنة في نموذج الخطاب السينمائي الأمريكي .
والخطاب السينمائي كما هو معلوم للجميع ، الأداة الأكثر تأثيراً في حقل التلقي الجماهيري قياساً إلى باقي الفنون .
إذا كان الأمر على هذا النحو ، فهل علينا تحمل مئات الأفلام السينمائية التي تتقصد خلط الحقائق وتزويرها بشكل يخدم توجهاتها المرحلية ويغذي تفوقها ؟
غالبية تلك الأفلام قريبة من ذاكرة المُشاهد وتفضي عناوينها بمكنوناتها ، منها فيلم (تحت الحصار-1986 ) ( أكاذيب حقيقية-1994 ) ( الرعد الاسود-1996 ) ( الخطأ هو الصواب ) ، وأخطرها فيلم ( الحصار- 1998) للمخرج "إدوارد زويك" الذي احب الجمهور فيلمه الشهير ( أساطير السقوط) . في سياق الحديث عن هكذا نمط من الأفلام ومحاولة تأملها بشكل يتجاوز الوقوف عند فتنـتها الظاهرة ، من حقنا أن نتساءل : عن سبب عدم إعطائها القدر المناسب من الاهتمام والدراسة ، حتى بات من المستغرب أن تذهب كثير من المؤسسات الرسمية في بلداننا العربية لحذر وصول هذه الأفلام إلى الناس ، مع أن مشاهدتها والاطلاع عليها أوجب بكثير من الجهل بها .
أليس التأكيد على توعية المتلقي بنوايا صناعة تلك الأشرطة ، يقتضي منا كشف الصورة أمامه ، وإعطائه الفرصة كاملة في ممارسة وعيه الخاص بها دون تلقينه وصفات جاهزة أو أحكام موجهة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال