الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لاتنتكس التجربة الديموقراطية في كوردستان

جان كورد

2010 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


* بدون أن يفكّر المجتمع ديموقراطياً لا يمكن بناء نظام سياسي ديموقراطي...
‏السبت‏، 27‏ شباط‏، 2010
لاريب فيه أن جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والثقافية، من مختلف الاتجاهات الفكرية، استفادت بأشكال متفاوتة من تحوّل العراق من نظام بعثي مستفرد بالسلطة إلى نظام تعددي متوجه صوب الديموقراطية التي تتفتح فيها كل الورود، كما تقوى فيها الأشواك والأعشاب المضّرة أيضاً لوجود أجواء الحرية التي لا ديموقراطية فيها دون أن يتنعّم الجميع بها....
وهذا ينطبق على اقليم كوردستان العراق أيضاً باعتبار أن هذا الاقليم الذي مُنِحَ شكلاً من أشكال الفيدرالية أو "حكم الذات سياسياً على بقعة محددة من الأرض"، ولقد رأى الكورد في هذا التحوّل فرصة تاريخية مؤاتية لتحقيق ما في جعبتهم من أهداف، لأن مطلبهم الأساس كان نيل الحرية، وشعارهم الذي قاتلوا وكافحوا في ظله عقوداً من الزمن وقدموا الكثير من التضحيات له كان: الديموقراطية للعراق وحكم الذات سياسياً وادارياً في اقليمهم الفيدرالي ضمن حدود الدولة العراقية الموّحدة...وقد خطى الكورد - فعلاً- خطوات هامة على طريق تحقيق الديموقراطية، رغم ما يشوبها من شوائب ويعترضها من عقبات ويحيط بها من أعداء ويواجهها من تحديات جسام...بل إن الديموقراطية في كوردستان صارت تستقطب اهتمام منظمات حقوق الإنسان والمستثمرين الاقتصاديين والديبلوماسيين، بل كل دول وحكومات العالم الحر الديموقراطي، وبعض الجيران كذلك...مع وجود نقد على الأداء، لايخلو منه أي نظام ديموقراطي، حتى في الدول العريقة في أنظمتها الديموقراطية أيضا...وهذا طبيعي وضروري لتطوير النشاط الديموقراطي وتعميق ثقافته في المجتمع.... ويرى الزائر إلى كوردستان انفتاحاً اعلامياً هائلاً على مختلف التيارات، وكتلاً عديدة تمارس السياسة، من إسلاميين وشيوعيين واشتراكيين ديموقراطيين وليبراليين ومحافظين وقوميين مطالبين بوحدة كوردستان واستقلالها أيضاً...وتم تثمين وتقييم آخر الانتخابات في كوردستان على أنها كانت ديموقراطياً (مقبولة جداً) من قبل العديد من الهيئات والمنظمات والشخصيات المهتمة بالديموقراطية والحريات السياسية في العالم... وما الصراخ العالي عن اللاديموقراطية واللاحرية في الشارع الكوردي إلا مظهر من مظاهر الديموقراطية والحرية، لم نكن نراه في العهد الصدامي الغابر مثلاً...
ولكن الديموقراطيات تتعرّض لانتكاسات....!!!
ففي القرن الماضي شهدت التجارب الديموقراطية حتى في أوروبا العريقة في نظمها الديموقراطية انتكاسات كبيرة، منها انتزاع النازيين الحكم في ألمانيا، والفاشيون في ايطاليا، والفرانكويون في اسبانيا، والعسكر في اليونان، وكذلك في بلدان العالم الأخرى، حيث قاد العسكر الطورانيون ثلاثة انقلابات في تركيا، وأطاحوا بالبرلمان والحكومة المنتخبة كل مرّة، وفي معظم بلدان جنوب شرقي آسيا، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والجنوبية، ومنها عدة بلدان عربية كسوريا والعراق والسودان وغيرها...والخوف من ظهور دكتاتوريين معادين للديموقراطية وحرية الشعوب مثل باتيستا وبينوشيت وعيدي أمين وموبوتو وبول بوت وكنعان ايفرين وسوموزا وماركوس وضياء الدين وحسني الزعيم وغيرهم لا يزال يعكر صفوالديموقراطيين أينما كانوا... ولايمكن الاستهانة أبداً بما ألحقته الدكتاتوريات العسكرية والجنرالات المصابون بعقد نفسية وأمراض عقلية والأحزاب المستفردة بالنظم السياسية بالوعي الديموقراطي لدى الشعوب...والمؤلم في الموضوع هو أن بعض الدول التي ترى نفسها "أم الديموقراطية والحرية" هي التي كانت تدعم غالبية هذه الدكتاتوريات القمعية وتساعدها في القضاء على الحياة الديموقراطية...
وعليه يمكن القول بأن لاضمان البتة في عدم انتكاس الديموقراطية في العراق أو في كوردستان، وبخاصة فإن الذين يجدون في الديموقراطية ضربة لمصالحهم المادية أو الشخصية يتحولون بسرعة إلى أعداء للتعددية والحريات السياسية ويسلكون مسالك ضارة بالديموقراطية...وهاهي الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في تركيا تكتشف كل يوم أعضاءً آخرين في شبكة عنكبوتية من جنرالات الجيش العاملين والمتقاعدين الذين يتهمون بالتخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري عن طريق اثارة مشاغب واضطرابات مفتعلة تفسح لهم المجال للاعتداء على الحياة الديموقراطية وتمكّنهم من القيام بانقلاب يقومون بعده بتعطيل أحزاب معينة وفرض ارادات غير مقبولة على البلاد... طبعاً يتصرّف هؤلاء وفق مصالحهم ويطمحون إلى استعادة مراكز القوى التي فقدوها منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم قبل سنوات قلائل وشرع في اجراء اصلاحات تمس نفوذ ومصالح الجنرالات وأفكارهم العنصرية الطورانية إلى حد ما...
لذا، من أجل أن لاتنتكس التجربة الديموقراطية الفتية في كوردستان الفتية، يجب قبل كل شيء أن تتصرّف القوى الحاكمة في كوردستان تصرفات ديموقراطية، فلا تستولي على كل الحيّز السياسي – الاعلامي والاداري لصالح أحزابها وشخوصها، وانما تجعل من نفسها حاملة مهمة وقتية وليست أبدية، وهي مهمة تقع بين انتخابين للبرلمان، وإلا فإنها لا تؤمن بالديموقراطية... ولكي تعيش وتحيا هذه التجربة الديموقراطية يجب أن لا تخرج المعارضة التي لا ديموقراطية بدون وجودها من الحيّز الخاص بها، فهي أحزب معارضة وليست حكم، أي أن ترضى بالدور الموكول لها من قبل المواطنين، حتى تصبح هي حاملة ثقة أكثرية الشعب، فتصعد بتلك الثقة إلى مركزالحكم وينزل الحاكمون إلى موقع المعارضة، وهكذا فالنظام والمركز والادارة والقرار في الديموقراطية يتّم عن طريق التناوب، وليس بالغصب والاكراه والغدر والتزوير...
قد يفكّر بعض المعارضين -مع الأسف- بأن التعاون حتى مع عدو الكورد وكوردستان أفضل من البقاء تحت سطوة الحاكم الكوردي، ولكن هذا النوع من التفكير يعود إلى عهد خلو العراق من التعددية وعدم وجود أي سمة من سمات الديموقراطية في نظام الحكم، سواء في بغداد أو في هولير (أربيل)... وقد يفكر بعض الحاكمين الآن في كوردستان بأن استخدامهم لقوة الحزب وسلاح الحزب وبيشمركة الحزب أفضل بكثير من استخدام قوة "صندوق الانتخاب" أو الانصياع لما يقوله الشارع الكوردي، ومع الأسف فإن هناك اعلاميين ومثقفين يصبون الماء في طاحونتي هذين اللونين من التفكير اللاديموقراطي... ولو تسنّى لهذين الفهمين الخاطئين المجال لانتكست الديموقراطية الكوردية وفي ذلك ضرر للجميع دون استثناء...
للسير في الاتجاه الصحيح، يجب أولاً وأخيراً تعميق الوعي الديموقراطي بين الشعب: في المسجد الذي عليه الاختيار بين الدكتاتورية والديموقراطية، حيث الوقوف في وجه الديموقراطية يعني قبول الدكتاتورية المرفوضة شرعاً، وهذا يضر بالإسلام الذي يدعو إلى الشورى وإلى العمل للمصلحة العامة بالتأكيد، وكذلك في الحزب السياسي والجمعية الثقافية والفنية، وفي المدرسة التي عليها جعل الديموقراطية مادة أساسية في تعليم وتهذيب وتنشئة الطفل الكوردي، وفي البيت والثكنة العسكرية، وفي الاعلام والجامعة والبرلمان... بدون أن يفكّر المجتمع ديموقراطياً لايمكن بناء نظام سياسي ديموقراطي...
العنصر الآخر الذي يسند عملية التوجه الديموقراطي هو جعل القوة العسكرية محايدة سياسياً، مع احترام حرية الرأي السياسي لكل عنصر واحترام حريته في التصويت، فهو مواطن قبل أن يكون عسكرياً، أي أن لاتكون هناك أحزاب سياسية عاملة في الثكنة العسكرية، ويمنع انتساب العسكري إلى أي حزب، مع منحه حق الانتخاب كأي مواطن عندما يأتي يوم الانتخاب...
على البرلمان أن يرسّخ العملية الديموقراطية في عمله أولاً، بافساحه المجال التام أمام الاختلاف والتنوّع بين أعضائه، ورفضه التنازل لأي سلطة غير سلطة رئيسه ونوابه المنتخبين، واقامة العلاقة بينه وبين رئيس الاقليم على أساس الاحترام المتبادل واتباع منهج الدقة في الصلاحية الدستورية والعلاقة بين البرلمان والرئيس المنتخب من قبل الشعب... بغض النظر عن طيبة القلب والمحبة الأخوية والرفاقية في النضال... (للمزيد حول مهمة البرلمان يرجى العودةإلى مقالنا: حتى لا تجرح الديموقراطية)...
الدور الأهم في كل هذا هو سلوك السيد الرئيس بالذات، فالرئيس الذي يسمح لسلطات تنفيذية أو أجهزة أمنية أن تفرض رغبات ومطالب معيّنة على نواب البرلمان يضّر بالديموقراطية، ولذا فإنّ الدكتاتوريين يجعلون من برلماناتهم مجرّد عصي يرتكزون إليها لديمومة سلطانهم، والرؤساء المؤمنون بالديموقراطية يؤدّون واجبهم الوطني دون تدخّل لادستوري في عمل البرلمان...نقول هذا ونحن واثقون من أن الأخ الرئيس مسعود البارزاني يؤمن بالتوجه صوب الديموقراطية الحقيقية في كوردستان...
وهكذا نرى بأن ادامة وتعميق وتقوية الديموقراطية الكوردية بحاجة ماسة إلى عناصر هامة، ذكرناها باختصار هنا...وإلاّ فإن تجربتنا الفتية في هذا المجال ستتعرّض أيضاً إلى انتكاسة، مثلما انتكست تجارب أعرق في الديموقراطية في شتى أرجاء العالم، وبخاصة في القرن الماضي كما قلنا آنفاً....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل