الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نساء يتجولن بحبال أبنائهن السرية

هادية حسب الله

2010 / 2 / 27
ملف مفتوح -8 مارس 2010 - المساواة الدستورية و القانونية الكاملة للمرأة مع الرجل


تململت الحيوانات باكراً .. وصاح ديك متأرق بكل ماأوتى من فرح بإنسراب أولى خطوات الشمس إلى ليله الطويل ، خلعت نعاسها وارتدت " سفنجتها ممسوحة الكعب" وبدأت ركضها اليومي، وضعت الشاي على النار وأمسكت بفرشاتها - منفوشة الشعر، مثلها،- جالت بها على أسنانها بعجلة ، وركضت وهى تسمع غليان الشاي صبته في الترمس الوحيد ، حاولت جاهدة أن تكسر قسوة حبات الفول وتضع عليه بعض الليمون لتتجنب تذمرات أبنائها وترك أحدهم لفطوره ساخطاً ، انطلقت توقظ الأطفال وتساعدهم على اللحاق بجرس الطابور تعثرت وهى تضع دبوساً مكان " السوسته" التالفة التي لم تجد وقتاً لإصلاحها، وسط الصياح والتذمرات شربوا الشاي فقير اللون الأبيض ، واندفعت هي قبلهم للشارع تلحق بالترحيل الذي لايكرر سائقه النفير مرتين إلا للآتي يتبسمن له ويلاطفنه أو اللاتى ينتهرنه بقسوة، ولم تكن هي من إحدى الفئتين ، لذا فغالباً ما يفوتها الترحيل . ألقت بالتحية على زميلاتها الغارقات في همومهن ولم تنتظر سماع ردهن لتغوص مثلهن في همها ، قضت نهارها بالمصنع تعمل يديها بشكل آلي وتفكر كيف ستدبر " قروش الدرس" لإبنها الكبير ، والكهرباء التي لن تنتظر حتى الغد، ومجاملة زميلتهم التي ستعاود العمل بعد أن أكملت إجازة الوضوع ولم تذهب لها مباركة ، و..و...وابتلعتها موجات أساها حتى سمعت جرس الإنطلاق فركضت تسابق زميلاتها لتذهب لشراء "سلطة" من السوق القريب للمصنع وتلحق بهن قبل مغادرة الترحيل. وضعت الصحن اليتيم أمام أبنائها الجائعين ، وزعت الأرغفة ، واكتفت بنصف رغيف صغير، إبتلعته متعجلة حتى لاتواجه نظرات إبنها المترقبة لنقود الدرس... نظفت المكان وفرشت أسرة الحوش وجلست تذاكر معهم وتركض بين كل واجب وقصيدة حفظ لتغسل أواني الطعام وتنقع ملابسهم فى الصابون وترقع حذاء نفذ صبره فأنفتح فمه صارخاً . تضعهم في أسرتهم لتركض للحمام تغسل رهق يومها، وتستعد لرجلها الذي يطفئ غضبه من أبواب العمل المغلقة بوجهه على جسدها ، إنقلب بظهره عنها بعد إن حاول أن يستعيد رجولته التي أهدرت طوال نهار مذل ، إنسلت لتغسل الملابس المنقوعة ومن وسط فقاعات الصابون الملونة رأت وجوه صغارها يتضاحكون فضحكت معهم وذهبت لفراشها ترافقها الضحكات المدغدغة للروح تدعم صباحات ركضها.
هكذا يوم الكثير من العاملات في أسر إنقطع الرزق عن رجالها فقامت النساء بإعالة أسرهن بكل حب وتفانى ولكنهن يعانين معاناة بالغة في جوانب كثيرة كشفها بحث: " صورة الأسر التي عائلها امرأة في المجتمع السوداني" قامت به الطالبة "رانيا عمر حامد" من مدرسة علم النفس ورياض الأطفال تحت إشراف الأستاذة أماني عوض ، إذ كشف البحث أن دافع 80% منهن للعمل هو تربية الأبناء ، و93% يقمن بمتابعة دراسة أبنائهن وحدهن ، كما إن 93% يتحملن مسئولية خطأ الأبناء في أي جانب ، إلا أنه ورغم ذلك ف 50% من الأبناء لايرغبون فى ذهاب الأم للمدرسة في حال استدعاء ولى الأمر! و20% لايقبلون توجيهات الأم! كما ان 40% من هؤلاء النساء يواجهن العنف بكل أنواعه" البدنى واللفظى والجنسى " فى حياتهن! و50% منهن يواجهن هذا العنف في العمل" التحرشات الجنسية والمضايقات"! كما أن 12% يضربهن أزواجهن! و33% يمارس العنف تجاههن في محيط السكن! كل هذا العنف وهن صابرات بل ومضحيات بمجمل حياتهن لصالح أسرهن ومجمل هذى ليست مبالغة لغوية فقد أجابت 90% منهن بانهن لايمتلكن إطلاقاً وقت فراغ لصالح الراحة أو اى نشاط خاص! ويتضح أثر ذلك على صحتهن اذ أجابت 3% فقط منهن بأن صحتهن بخير ! و83% منهن يصنفن وضعهن الصحي بأنه وسط! بل إنهن يتفاعلن مع هذه المسئولية بحب إذ تراها 97% منهن كأمر طبيعي و3% فقط من يرينها كأمر غير طبيعى.
إن هذه الأرقام تواجهنا كمجتمع بالظلم الواقع على هؤلاء النسوة وتدعونا للتفكير والتساؤل حول قبولنا به ، وتعاملنا مع كل هذه التضحيات وكأنما تدخل ضمن ماهو بديهي وطبيعي !! فهل من الطبيعي أن يكون هناك طرف من الأسرة يقوم بكل الأعباء المادية والجسدية وحتى العاطفية ولا يتلقى بعد ذلك أي تقدير كافي ، بل قد يتلقى الضرب و التجاهل بأخر النهار؟! إن الذهن الذي لايرى شائبة بهذا الأمر لهو ذهن مريض بلا شك ،ولكن السؤال ، كيف خلقنا مناخاً عاماً مشوهاً للضمائر، لهذا الحد؟!
إن التغيرات التي جرت على الواقع الإقتصادى وسنوات الإفقار التي عانتها بلادنا، بالإضافة إلى الحرب التي تركت الكثير من الأسر دون آبائها ومعيليها ، ودفعت بالكثيرين إلى أحضان الغربة والتشرد، كل هذه الأسباب وضعت النساء برأس الأسر دون استعداد كافي وبدون تغيير مماثل في قيم واتجاهات وأنماط تفكير المجتمع . و اذ لابد لنا من مواكبة التغييرات الكبيرة التي حدثت ، فليس بإبتكار صيغ جديدة للظلم وعدم العدالة، وانما بقبول ما كنا نراه مستحيلاً- بأن تقوم نساؤنا بإعالة أسرهن. وإن مانطمح له كنساء توفير الكرامة الإنسانية لنا جميعاً رجالاً ونساء وتجنيبنا ذل الحاجة . ولكن فى ظل الأوضاع القائمة والتى أنتجت أدواراً ظل التفكير الذكورى ينكرها على نسائنا ، فإن على الرجال بدلاً من أن يثأروا لخسارة بعض متعلقات وضعهم الذكورى التقليدى ، فأجدر بهم وبنا جميعاً كمجتمع أن نثمن الجهد الذي تقوم به مثل هؤلاء النسوة ، خصوصاً وان الطريقة التي تعامل بها النساء العائلات لاينحصر أثرها السيئ علىهن وحدهن، بل كذلك ينسحب على الأبناء الذين سيتعبأ وجدانهم بصور شائهة عن الإيثار والتضحية، فإما سيجرفهم التعاطف مع أمهاتهم فيصبح التفاني والإخلاص مرتبطين بالضعف لديهم، أو سيكرهون هذا الضعف فيختارون القوة المرتبطة بالأنانية والاعتداء طوال حياتهم ، فهل هذى خيارات مبشرة لمستقبل مجتمعنا؟
إن النساء المتفانيات في خدمة أسرهن ، المتجلدات تجاه كل الرهق والعنف ، لهن نساء ظلت حبالهن السرية ممدودة الى أبنائهن ، لم يقطعنها بل زدن لها حبالاً أخرى مع أزواجهن وأسرهن الكبيرة ، مضفيات على مجتمعنا رحمة ووداً هو جوهر ديننا العظيم ، فهل نجعل مجتمعنا مترعاً بحبهن وتكريمهن أم نضيق الخناق عليهن فندفعهن إلى مشنقة الاكتئاب والعذابات؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح