الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغلب الشاعرات العربيات وقعن في فخ التفجع والرثاء

فرات إسبر

2010 / 2 / 28
مقابلات و حوارات


بيروت – حسين بن حمزة: تكتب الشاعرة السورية قصيدة ذات بنية أكثر تشعباً وتعقيداً من أغلب ما نقرأه من شعر يستثمر نثريات الحياة اليومية. اللغة هنا هي جزء من الممارسة الشعرية، وجزءٌ من النبرة أو المزاج الشعري. ثمة فلسفة ورؤيا تصاحب هذا النوع من الكتابة التي تحاول التحليق بجناحي الحياة واللغة معاً.
نشرت فرات إسبر ثلاث مجموعات شعرية: "مثل الماء لا يمكن كسرها"، و"خدعة الغامض"، و"زهرة الجبال العارية" التي صدرت موخراً.
"الرأي" سألت الشاعرة المقيمة في نيوزيلندا عن تجربتها الشعرية، ورؤيتها للحياة الشعرية الراهنة:

* كيف بدأت علاقتك بالكتابة؟ وما هي القراءات المبكرة وتأثيراتها على بداياتك الشعرية، خصوصاً وأنك من عائلة أدبية معروفة؟
- بصدق لا أدري كيف بدأت هذه العلاقة. يبدو أن هناك ينابيع خفية في أعماق إلانسان، تُظهر أعذب ما في دواخله ويعبر عنه باللغة. يمكن القول أن الكتابة جزء مني بدأت بتجربة الحياة التي اخترتها، وأيضا بالشعر الذي أسعى الى أن يكون في درجة عالية من العذوبة. اقول لك، لا أعتقد أن القراءات تجعل من إلانسان شاعرا. ليست قراءتي من جعلتني شاعرة. حياتي أعطتني هذا. الحياة أعمق من أي كتاب. التجربة تجوهر الانسان وتصقله، بمعنى أن تكون واعيا لهذه التجربة ومنسجما بها ومعها، أو تحاول لتصل إلى هذا الانسجام .

* نشرتِ ثلاث مجموعات شعرية حتى الآن. لماذا لا يزال اسمكِ خارج جيل محدد أو حساسية معينة في الشعر السوري الراهن؟ إلى أي حد تلعب إقامتك في نيوزيلندا دوراً في ذلك؟
- هذا السؤال لا استطيع الاجابة عليه. يجب أن يُوجه لمن يهتمون بقضايا الشعر السوري، ربما باعتقادهم أن هذه المجموعات لا تشكل شيئاً في الشعر السوري.
إقامتي في نيوزلندة لاعلاقة لها بهذا البعد. أعتقد الآن إنني أقرب الى سورية قياسا للفترة التي كنت فيها موجودة. البعد ليس مقياسا للحضور أوعدمه. عندما كنت في سورية حاولت أن أكون حاضرة، ولكن ليس هناك من يسمع، لأن المنابر محجوزة لروادها.

* يُقال إن تورّط الكائن في استخدام اللغة بطريقة مغايرة للجمهور هو بداية رحلة اغترابه. هل الكتابة هي منفى بغض النظر عن الجغرافيا؟
- الكتابة ليست منفى بل حالة حضور. اللغة جسد حاضر، لكن هذا الحضور يترتب عليه مسؤولية تتجلى في مقامه الرفيع، في لغة تعبر عنا وتشكل حضورنا المعرفي. انا أُعرف من لغتي، وكل منا يُعرف بلغته. اعتقد أن اللغة التي نستخدمها في حياتنا هي وجه حضورنا، فبأي لغة تخاطبني أعرف من أنت، وبأي بلغة تكتب أدرك كم انت شاعر. هكذا ارى اللغة، هي على طبقات، تندرج ما بين الروح والجسد.
الجغرافيا لم تعد تحدد معاني النفي، قد تكون حاضرا جسدا ومنفيا روحاً او العكس. هذا بالمفهوم المعنوي، وإذا أخذنا النفي كبعد جغرافي، نرى أن التكنوجيا قربت تلك الجغرافيا وحددتها بكبسة زر ليظهر لنا العالم ويبدو قريباً وصغيراً.

* هل توافقين على فكرة أنك وصلت إلى القارئ عن طريق النشر في الانترنت أكثر من الكتاب؟ وماذا يعني لك هذا؟
- صحيح.الإنترت عالم جميل وغريب، فيه قوة العلم ودهشة المعرفة. إلى الآن أقف حائرة في فهم هذه التكنولوجيا التى جعلت العالم قلبا صغيراً يخفق في كل الجهات، مع ذلك لا بديل عن الكتاب حتى لو زادني بعداًعن الناس، من خلاله أشعر بالحياة التي خَلقتها والتي خُلقت مني. ولكن في كلتا الحالتين هناك مسائل تترتب على هذا الوصول. النصوص الجميلة والاسماء المبدعة تضيع في زحمة الانترنت من خلال هذا الكم الهائل من النصوص التي تنشر كل يوم، هكذا يضيع النص الجميل وراء أزرار تمسحه وترميه في ذاكرة لا يعّول عليها.
حاولت كثيراً التقرب من الصحافة الورقية، ولكنني كنت أجد كل الأبواب مغلقة. يبدو أن الاسماء اللامعة لها قوتها وحضورها، والهامش غير معترف به وهذا اكيد وواقع. ايضا عندنا مشكلة الكتاب الذي أصبح كسلعة لا بد من الترويج لها، وهنا نقع في مشكلة تسويق الكتاب وتوزيعه.
الكتاب يقع في فخ التسويق، مثله مثل اي سلعة، عليك ان تعرض نتاجك على الاخرين، هذا إذا تفضلوا بالرد أو بالقراءة، أو ربما قاموا برميه بعيدا وهذا يحدث كثيراً.
حدث أن كتبت لشاعر عربي ـ له اسم في الساحة الثقافية - رسالة أسأله فيها بلطف عن عنوانه البريدي، فاجأني بإرسال عنوانه البريدي بدون أي تحية أو سلام أو حتى كلمة. فقط العنوان. الحقيقة شعرت بالإهانة. رددت عليه اقول له شكرا وصل عنوانك ولكنني غيرت رأيي. قلت له لا أريد أن أرسل لك كتابي، فردّ بجملة مختصرة: لقد ارسلت لك العنوان، لماذا أنت لئيمة؟
في مثل هذه الحالة كيف سيتم التواصل والتلاقي الأدبي بين الاجيال؟
هناك هوة كبيرة تفصل بين المثقف وثقافته، الثقافة هي نوع من التعايش والتواصل مع الاخرين وهذا لا يكون الا باللغة والكلمة الجميلة. وهكذا ترى لكلًّ فضاؤه ولكلٍّ ضريبته.

* كيف تصفين علاقتك بالشعر بعد ثلاث مجموعات؟ ما الذي اكتسبته وما الذي تخليت عنه في هذه الرحلة؟
- بصراحة اكتشفت اشياء جديدة وجميلة، بدليل أن المتتبع لمجموعاتي الثلاث يلاحظ الفرق بين هذه المجموعات من حيث المضامين واللغة. أخاف كثيراً أن أسقط في فخ التكرار والسطحية.
اكتشفتُ اهمية الاختزال والتكثيف في اللغة، ولا أدري إذ كان يحق لي أن استخدم عبارة النفري كلما "اتسعت الرؤية ضاقت العبارة". لا أخفيك خوفي الشديد عندما صدرت مجموعتي الاولى "مثل الماء لا يمكن كسرها". لقد كانت تجربتي الأولى في النشر الورقي ولكنني تعلمت منها الكثير. أعطتني المزيد من الخوف والمزيد من التردد والتوقف عند كل كلمة ومعنى، وهذا ما ظهر في "خدعة الغامض"، المجموعة الثانية،
لتأتي "زهرة الجبال العارية" وهي الثالثة. وباعتقادي هي الاكثر كثافة والأعمق شعراً. أنا مترددة في النشر. عندي مجموعتان قيد الطبع ولكنني في حالة تأجيل وقلق كي لا يأخذني الاندفاع الشعري العاطفي في نشر ما قد أندم عليه.

* هناك أسئلة وجودية وفلسفية وتأملية متضمَّنة في قصائدك، إضافة إلى بنية لغوية أكثر تشعباً مما يسود اليوم فيما نسميه "الشعر اليومي" أو "شعرية التفاصيل"؟
- التأمل هو جوهر الشعر بالنسبة إلي، هو غذاء هذا الشعر الذي هو جزء منا، من هذه الأعماق الدفينة العائمة فينا. المياه العذبة لا تكون على السطح. عمق الحياة وألمها يضعك أمام عمق السؤال والاجابة بأنك كائن يفكر ويتأمل ويسأل. الكتابة هي فن، ولكن هذا الفن يحتاج إلى تأمل يشبه تأمل الفيلسوف من حيث العمق أو يجب أن يلتقيا في النظر إلى قضايا الحياة الجوهرية. نستطيع ان نقول أن كل انسان يفكر، أي انه يملك عقلا يدفعه للتفكير، ولكن على الشاعر أن يملك العقل ليفكر إضافة الى موهبة الشعر. لذلك حتى تكون شاعرا عليك أن تكون مـتأملاً .. ومن هنا يجب أن اخرج عن هذا اليومي والمعتاد. هل من المعقول أن اكتب عن الطبخ والقهوة والتسوق وفرشاة الاسنان وما شابه هذه التفاصيل أو رغوة الحلاقة والقمصان الملقاة على السرير. أعتقد هذا النوع من الكتابة هو فخ تسقط فيه بعض الشاعرات العربيات اللواتي يخاطبن الرجل بلغة التوسل والرضا. وبالرغم من ذلك، يُنظر إليهن كشاعرات مبدعات يكتبن عن التفاصيل اليومية.

* لماذا تبتعدين في شعرك عن التفجّع العاطفي الذي يحكم أعمال الكثير من الشاعرات العربيات؟
- لا أحب هذا النوع من الشعر. أشعر بالملل عند قراءة هذا النمط من الكتابات التي لا اراها تعبر إلا عن حالة عاطفية خاصة جدا.
انا لا أتفجع عاطفيا، ولكنني أدور حول الرجل. لا أبكي عليه. أصفه ولا أمدحه او أرثيه. هو مهم، ولكنني استغني عنه في الكتابة، وأجعله نداً لي فأنا صوتي ولست صداه.
أغلب الشاعرات العربيات وقعن في فخ التفجع والرثاء والشعور بالفراغ والتقرب من الرجل بأي لغة كانت. هذا ما أسعى جاهدة أن أبتعد عنه وآمل أن لا أسقط في هذا الفخ.

* هناك حديث متكرر عن أزمة الشعر وازدهار الرواية. ما رأيك؟
- النقاد صنعوا الأزمة. هناك أنفلونزا الشعر وأنفلونزا الرواية. لو كانت هناك أزمة شعر لما عاشت أشعار بودلير وإليوت وشكسبير وأبي تمام والمتنبي. الشعر هو رحيق النفس والروح. بقدر ما تكون النفس عميقة يأتي الشعر عميقاً. نحن في أزمة نفاق. نفاق روائي ونفاق شعري. الازمة الحقيقية هي في المجاملات والمصالح المترتبة عليها. ما نريده من نقاد الشعر ونقاد الرواية أن يجهروا بالحقيقة ولو كانت بقطع "الدعوات وحضور المهرجانات وأقامة الندوات وإجراء الحوارات".هذا جزء من "أزمة" الشعر كما هي "أزمة" الرواية.

* أخيراً، ما هو الشعر؟ تعويض عن الحياة أم طريقة ملائمة للعيش فيها؟
- الشعر حالة إنسانية خالصة. سفرٌ في الاعماق قبل السفر في الاماكن. هناك شعراء تأخذهم الاماكن وهم في سفر دائم، وغيرهم قاعدون، فتأخذهم رحلة الحياة إلى الاعماق.
الحياة رحلة شاقة. الشعر لا يعوض عن الفقر ولا عن الخيانة ولا يعوض عن الحاجة إلى هوية أو بيت. كثير من الشعراء يعيشون تحت خط الفقر ولا أحد يشعر بهم، يشتغلون ويعملون ومن ثم يكتبون. هناك علاقة خفية بين الشاعر وشعره من الصعب التعبير عنها لأن لكل شاعر مناخه الخاص وحياته الخاصة. هناك شعراء يعيشون برفاهية عالية. الشعر يحتاج إلى سفر دائم. شاعر مرفَّه يسافر بجسده وشاعر فقير يسافر بروحه. وفي النتيجة كلاهما يكتب الشعر، وكلاهما يعيش بطريقة مختلفة عن الآخر.
الروح تحتاج إلى ملجأ والجسد ايضا، وكلاهما يكمل الآخر. كثير من البشر يعيشون ولا يعرفون الشعر، وكثيرون يكتبون الشعر ولكنهم لا يعرفون الحياة المرفهة، أو لا يجدون طريقة ملائمة للعيش. إنهم دائمأ يصارعون من أجل لقمة العيش وأنا واحدة منهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر