الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فولكلور سياسي

رائد الدبس

2010 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لم تصدر الفتوى في هذه المرة عن الشيخ القرضاوي أو غيره من مشايخ العالم الإسلامي ومرجعياته الدينية التقليدية على اختلافها وتعددها، بل عن الزعيم الليبي العقيد القذافي !! الزعيم الليبي أفتى بإعلان الجهاد على سويسرا التي وصفها ب الدولة الكافرة التي تُدمّر بيوت الله لأنها تعارض بناء مآذن للمساجد في مدنها.. وأكمل القذافي فتواهُ قائلاً: أيّ مسلم يشتري بضائع سويسرية، فهو كافر.. بلّغوا المسلمين في كل مكان من العالم الإسلامي..أيّ مسلم في أيّ مكان من العالم يتعامل مع سويسرا هو كافر ضد الإسلام .. ضد محمد .. ضد الله .. ضد القرآن..وكل مسلم يجب أن يقاطع هؤلاء. يجب أن تتحرك جموع المسلمين إلى كل مطار في العالم الإسلامي وتمنع هبوط أي طائرة سويسرية، وتتحرك إلى الموانئ وتمنع أي سفينة سويسرية، وتفتّش المتاجر والأسواق وتمنع أي بضاعة سويسرية .!!!

حتى نضع هذه الفتوى في سياقها، علينا أن نتذكر أولاً، أن العلاقات الليبية-السويسرية بدأت تتدهور قبل إثارة موضوع مآذن المساجد في سويسرا. وعلى وجه التحديد، منذ أن أوقفت السلطات السويسرية نجل القذافي حنبعل في جنيف، في شهر تموز عام 2008 ، إثر شكوى قضائية بإساءة المعاملة، قدمها ضده اثنان من أفراد حاشيته. ثم تتابعت فصول المواجهة بين البلدين وكان آخر فصولها إعلان سويسرا عن تبني إجراءات جديدة متشددة في نظام منح تأشيرة شينغن للمواطنين الليبيين، بأن أعلنت أسماء 188 مواطناً ليبياً كأشخاص غير مرغوب بهم على أراضيها، وعلى رأسهم العقيد القذافي.. مما يعني منع هؤلاء الأشخاص من دخول أراضي الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي الموقعة على اتفاقية شينغن ، الأمر الذي دفع ليبيا إلى الرد بتبني إجراء مماثل تجاه كل المواطنين الأوروبيين الذين يرغبون بدخول ليبيا. ولقد جاءت هذه الفتوى في الوقت الذي كانت بعض الدول الأوروبية تبذلُ جهوداً للتوسط بين البلدين لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية. وقد أثار هذا الإجراء السويسري المتسرع، وما ترتّبَ عليه من رد ليبيّ أكثر تسرعاً، خلافات في وجهات النظر الأوروبية حول مدى صوابيّة الأسلوب الذي استخدمته سويسرا في إقحام اتفاقية أوروبية مثل شينغن في خلاف سياسي طارئ مع دولة مثل ليبيا، لا سيّما وأنّ كثيراً من الشركات الأوروبية الكبرى ترتبط بعلاقات تجارية مربحة جداً مع ليبيا وخصوصاً في مجال النفط.
ردود الأفعال الأوروبية والعالمية على التصريحات الأخيرة للعقيد القذافي تراوحت ما بين الاستنكار والنقد وعدم القبول، إلا أنها لم تُحمّلها أكثر مما تحتمل، كما لم تأخذها على مَحْمَل الجد. ذلك لأن العالم قد اعتادَ على ما يمكن تَسميتُهُ ب الفولكلور السياسي الذي يصدر منذ سنوات طويلة على لسان الزعيم الليبي. غير أن الجديد على هذا الفولكلور، هو التوظيف السياسي للدين وفتوى الجهاد ضد دولة أوروبية مثل سويسرا، وأن يأتي ذلك التوظيف وتلك الفتوى على إثر الأزمة التي طرأت في العلاقة الثنائية بين البلدين منذ عام 2008. خصوصاً أن هنالك جهود وساطة أوروبية مكثفة بدأت تُبذل منذ أن صدر الرد الليبي على سويسرا في 14 من شهر شباط الجاري، باتخاذ إجراء مماثل تجاه كل المواطنين الأوروبيين وليس السويسريين فحسب.
الإجراء السويسري الذي استخدمَ اتفاقية شينغن الملزمة ل25 دولة من الدول الأوروبية الموقعة عليها، جاء متسرعاً وغيرَ متوازن وغيرَ مدروس من الناحية السياسية بما يكفي، لأنه وظّف اتفاقية أوروبية كبيرة وهامة في خلاف سياسي ضيق ومحدود مع دولة مثل ليبيا. وهو بذلك يكون قد عرّض للخطر مصالح بعض الدول الأوروبية، بدون تنسيق مُسبَق معها، وأثار جدلاً ما بين الدول الأوروبية الأعضاء في الاتفاقية، حول الطريقة المُثلى في استخدام مسألة القوائم السوداء في نظام اتفاقية شينغن ضد دولة ثالثة .
لكن المرءَ يتساءل، ما علاقة الدين والجهاد في كل هذا ؟ وهل يريد الزعيم الليبي أن يفتح أبواب الفتوى أمام الزعماء المسلمين والعرب؟ ألا تكفيه وتكفينا فتاوى المشايخ والمراجع الدينية على اختلافها وتعددها؟ وهل جاءت هذه الفتوى بسبب منع بناء مآذن للمساجد في سويسرا حقاً؟؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يعلن الزعيم القذافي الجهاد على الدانمرك وهولندا بسبب الرسوم المسيئة؟ وعلى فرنسا بسبب منع الحجاب والتوجه نحو منع البرقع أيضاً؟ ولماذا لا يعلن الجهاد على الاتحاد الأوروبي جملةً وتفصيلاً؟؟ فهو ليسَ أقلَّ علمانية من سويسرا، بل ربما أكثر..!!
الأمر اللافت للانتباه، أن هذه التصريحات جاءت قبيل انعقاد القمة العربية المقرر عقدها في ليبيا بعد أيام قليلة، والتي يحاول الزعيم الليبي أن يفرض ويحدد من جانبه تركيبة الوفد الفلسطيني المدعو لحضورها، وهو تدخل مباشر في الشأن الداخلي الفلسطيني..
من مفارقات القدر، أن القدس التي يجري تهويدها في كل يوم، بيتاً فبيتاً، وشارعاً فشارعاً، وتستمرُّ سرقة آثارها وتهديد بقاء سُكّانها ومقدساتها المسيحية والإسلامية، فلا حديث نسمعهُ عنها من العرب والمسلمين، سوى أنّ للبيت ربٌّ يحميه ..!! ولا شيءَ من الحراك السياسي الفعليّ الملموس تجاهها، سوى كفاحُ سُكّانها الفلسطينيين اليومي وصمودهم فوق أرضها، ودعم قلة قليلة من العرب لهذا الصمود، بالإضافة إلى المبادرة الأوروبية الأخيرة بشأن القدس، وكذلك المبادرة الفرنسية-الإسبانية الأخيرة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وما بين فتاوى التحريض وفتاوى التهريج والفولكلور السياسي، لا يرى الفلسطينيون شيئاً في كل هذا الهرج والمرج، سوى ضياع القضايا الكبرى ونسيانها..
كلمة أخيرة عن الثروات وتربية الأبناء.. استوقفني خبر عن الملياردير الأمريكي اليهودي وارن بافت الذي أعلن أنه سيتبرع بنحو 85% من ثروته، وهو ما يُقدر بنحو 37,5 مليار دولار أمريكي لصالح الجمعيات الخيرية، التي تُعنى بالتعليم والصحة على وجه الخصوص. وقد خصص الجزء الأكبر من هذا التبرع لمؤسسة بيل وميلندا غيتس الخيرية، والتي أسسها الملياردير الشهير بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت. وعندما سُئل بافت عما إذا كان الأوْلى لهُ أن يترك ثروته لأفراد أسرته، أجاب قائلاً: أعتقد أنه عندما يكون لك أبناء لديهم كل الامتيازات، من تربية جيدة، وتعليم ممتاز، وفرص أخرى كثيرة، فإن إغراقهم فوق ذلك بالأموال ليس بالأمر الحكيم أو المفيد بالنسبة لهم ...أتساءل : أين العرب والمسلمين من ثقافة كهذه؟؟ وهل يمكن أن يكون لها مكان وسط هذا الفولكلور السياسي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة