الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطالعة نموذجية.......قصة قصيرة

عبد الإله بسكمار

2010 / 2 / 28
الادب والفن


نسمات الربيع الندية تداعب جبهته ، تراه يتلفع بعالمه وهو يمضي وحيدا متجنبا إشارات المارة ونظراتهم التي لا ترحم في هذه المدينة المتوسطة ، يضع نظارة سوداء على عينيه ، تنعقد حوله هالة من الضباب والغموض .
المدينة هادئة ياعبد الودود، لم يتأسس فيها بعد ذلك الإيقاع الفظ المترتب عن انفلات مؤشرات الولادة ووتائر البدونة...تداعبه نسمات الربيع ، ولم تشك ياعبد الودود لحظة واحدة أن العطر الممزوج بندى الصباح قد تناغم لديه بقايا ليلة خمرية هائجة ، التجاعيد الحمقاء تبصم ببطء على خديه جغرافية بذيئة لا قرار لها، يتجنب السابلة فيسلك هذا السبيل المنعزل، وأضواء الصباح لا تتظاهر إلا عبر العتمة المنبعثة من أشعة النظارتين ، هالة من غموض معلق بين السماء والأرض... حكوا قبل ذلك لنا عن المصير المروع الذي ينتظرنا ، لكن ما بالك ياعبد الودود لا تستطيع السماح بالنسيان؟
- أنت وأنا صنوان لعينان لا يفترقان
- أتتجاهل الأنفاس المستفزة ، المتصاعدة من هجير الذاكرة وتضاريسها المنفية؟
يسمع للمطر وجيب منتظم على الزنك والقصدير ، تنعزل المؤسسة بين الطين والأوحال ، لا تؤنسها في وحشتها سوى مقبرة فسيحة ، ارتفعت شواهدها البيضاء تعلن انتصار الحطام ، الخلايا تنعم بما لذ وطاب من وجبات البرد ، صوته ينحت في الآذان اليافعة أغنية رتيبة كأنها الزمن نفسه ، مكررة مثل لازمة الميلاد والموت ، متطاولة كالأبد ذاته ، وأنتم كأن كلى رؤوسكم الطير...
رجع أغنيتك العصماء ياعبد الودود لنرمم معا بقايا الحطام في طبقاتنا الداخلية :
•بضحك أهوج - يثير الضحك ولا يضحك
•بهذيان عارم - يشتم الأمة
•بقفز خاج الخارطة - لا يصحو أبدا
•بذهول غير مسيج - يهجو حياة رمادية
ولطلما أشدت بطريقتك في إدارة حطامنا ، ولولا هذا التكريس الإجرائي لنهشتك قنافذ الليالي البائسة يتجشأ ويستغفر العلي القدير ، أنفاسه تعبق بأريج الكحول " أين الهامش ياثور ...ياطحش ...ياحمار؟" يكتشف الزلة ، يخبط على الطاولة تتعالى النبرات الفظة ، حظ بائس صب لعنته المفاجئة على صديقك مرزوق ولد سليمان ، نال من لكماته نصيبا وافرا : ضربات مستقيمة غاية في الإحكام ، المقدمة واضحة والنتيجة لا غبار عليها: الضرب والرفس ...تركه ينتحب ثم عاد إلى سمفونيته العارية ببلاهتها البدائية : منذ القرن السابع الميلادي خرج العرب من جزيرتهم إلى بلاد فارس والروم ، فسار سعد بن أبي وقاص الى ...ينشر لواء الحرية والعدالة ، واتجه خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح إلى بلاد ...مخلصين أهلا من ذل العبودية..." تسمر فجأة ، وقد لمح زميلك جمال في وضع ما والأرجح أنها ابتسامة بلهاء غير مبررة وفقا لمنظور السي علال ، اتجه نحوه في موجة مفاجئة : إيقاع اللكمات المستقيمة يعود من جديد ، رأيت يا عبد الودود أسنان فكيه مشدودة إلى بعضها ، مغارات صغيرة من أثر الروج والمعجون والشقوفا تعانق النتوءات الموازية في شراسة ومتعة معا ، الوجبة دسمة ، تلقى جمال القذائف المتوالية في وجهه ، عنقه ، بطنه ، استلذ السي علال العملية واستمر في تسديد الإصابات ، لم يحتمل الفتى الشقي أكثر من ذلك ، تمرد سائل أصفر من تحت سرواله ، ولما كان هذا الأخير غير رحيم بما فيه الكفاية اندفعت السيول الطبيعية إلى الخارج.... مشهد أصيل دون شك ضحك الجميع تحول الموقف إلى ضرب من الشفقة ، أشفقت من المشهد أشفق الزملاء ، لقد تخضبت زاوية مقعده بالسائل الزلال والدموع الغزار ، ثم دفعه إلى أحد الحيطان ليبقى مسمرا هناك إلى نهاية الحصة وعاد الى سمفونيته الرتيبة ...في الاستراحة عير أحدهم جمال التعس بأنه يفعلها في فراشه وسرواله معا، رحمه بضربة أساسية زادت من تعقيد الموقف، أتسمح لي أن أركب لك اسما آخر ، كيف تصرف ود يود ودادا وما النتوء التركيبي والصرفي الذي يفصل اسم فاعله عن صفته المشبهة ؟ فعلى من سيقع ودك وأنت تتلقى الضربات الموجعة من كل صوب؟ خاطبت مرآة الداخل بكل يقين " عديني ألا تسمحي بالنسيان "مع كل هذا بل ربما بسببه فأنت تشفق عليه ، كتبت في مذكراتك بصيغة الغائب في جرد بئيس للحصيلة : " اغتال فيه السؤال- وأد بداخله قلق العرفان دمر يفاعته الجميلة
المحفل الذبائحي يعود من جديد :ذهل السي علال برجل أنيق يقتحم الفصل برفقة مدير المؤسسة ...يضطرب...صباح آخر من الأخذ والرد...ظل الرجل يراوح النظر في قرف كئيب ممض...من المدرس إلى التلاميذ إلى كراسته، احتل مقعدا في نهاية الحجرة ، تنامى التوتر على محياه...تصاعد زفيره ونفيره...ارتفعت وتيرة قلمه وأخيرا أوقف كل شيء، رأيتم بأم عيونكم كيف تم تعويض اللاعب الأصلي في وسط الحصة بلاعب احتياطي...سرت في الصفوف همهمات نشيطة ...ترامت في الأفق تساؤلات مبهمة...وضع السي علال رأسه بين يديه ثم غاب في تفكير عيمق ، بدا عليه نفير الزمن أكثر من ذي قبل ، أكمل الرجل الأنيق الحصة...أحسستم بحياة جديدة غامضة تعود إلى جثة محنطة...
حلت وجبة جديدة : يراجع درس المطالعة..الهالة السوداء حاصرت عينيه تماما..هو التعب دون شك ، وقد تضيف إليه ياعبد الودود ما ترسب عن الإفلاس المبين الذي أعلن عن نفسه في الحصة السابقة ، لقد ضبط متلبسا بضعفه الموضوعي، شحب وجهه على مر الدقائق، شد على وسطه بألم ثم رمى الكتاب على الطاولة..تلوى على بطنه وبدأ ينتحب سمع هرج ومرج في قاعة المدير ثم الحجرة المعلومة" تلفون...بسرعة ...سيارة اسعاف..." استخفك طرب لا يقاوم ياعبد الودود ، كيف يمكن أن نجني من الشوك العنب؟ جمال تحولت قسماته إلى استشعار أثير ببذاءة غامضة ومتعة ملتبسة تحس برفيقك على وشك أن يرقص فرحا وحبورا ، مع هذا أشفقت من وعلى السي علال لأنك لا تملك له إلا رحابة يقينك...
صرخ المدير في الشاوش محمدين بضرورة إخلاء الطريق لسيارة الإسعاف من شياه شردت عن صاحبها وانتشرت في الطريق دون ضابط ، أطلت على مدخل المؤسسة واندفع قسم الىداخلها بحثا عن الربيع والكلأ ، بينما اندفعتم نحو المسالك الطلقة خارج البناية المسيجة...أفئدتكم على الحصة الماضية "وسار عقبة بن نافع في شمالي افريقية...واستمر في سيره حتى وقف على شاطئ المحيط الأطلسي أين يقع شاطؤنا الأطلسي؟ - شمال البلاد(........)
- -لا تخلطوا بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي
- غرب المغرب الأقصى
- أحسنتم سنتم سنتم...."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي