الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الخطابين..

معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

2004 / 7 / 12
القضية الفلسطينية


رئيس تحرير مجلة " الحرية " الفلسطينية

نطمح أن يتوفر للحالة الفلسطينية خطاب سياسي يعيد تقديمها بمظهرها الكفاحي لأجل الحرية والاستقلال في وقت نجح فيه شارون في إعادة رسم الموقف ليبدو وكأن المسألة تتعلق بدولة اسمها إسرائيل، معرضة للخطر، تقوم بما يتوجب على الدولة أن تقوم به لتحمي شعبها وكيانيتها مما يسمى بالإرهاب القادم إليها من الضفة والقطاع.
قلما أبدت الحالة الفلسطينية ذات الاتجاهات الشعاراتية اهتماماً بتفاعلات الأوضاع الداخلية للحالة السياسية الإسرائيلية. لذلك يطغى أحياناً في التصريحات السياسية الفلسطينية صوت يبدو وكأنه قادم من كهوف الماضي المظلمة، بنزعته التبسيطية، ودعواته المعلبة، التي تبدو عصية على التأثر بالحدث اليومي، والتفاعل معه، والإجابة على ما يطرحه من حقائق واستحقاقات.
بدورها، وباتجاه معاكس، يلاحظ ثمة حالة فلسطينية أخرى، ومحاولاتها لتقديم نفسها خارج القيود والمواقف والسياسات المعلبة، تنزع على الدوام للذهاب بعيداً في التحلل من الالتزامات، مدفوعة بـرغبة جامحة للبحث عن المصالح الآنية بدائرتها الفئوية الضيقة على حساب المصالح العليا بآفاقها الوطنية العريضة.
وبين هاتين الحالتين، تنسل السياسات الإسرائيلية لتقدم نفسها إلى الرأي العام الدولي، باعتبارها السياسة الوحيدة الواقعية، والقابلة لتكون موضوعاً للبحث والاهتمام.
نسوق هذا الكلام، ونحن نقف أمام حسابات ما يسمى في إسرائيل بـ «مقياس السلام» عن شهر حزيران (يونيو) الماضي، والذي نشرته «هآرتس» في 5/7/2004، بما فيه من خلاصات، ودلالات سياسية، لا يحق للسياسي الفلسطيني أن يتجاهلها، لكونها مؤثرة ليس فقط في اتخاذ القرار السياسي الإسرائيلي، بل لانعكاسها المباشر على الحالة السياسية الفلسطينية أيضاً.
* تؤكد الصحيفة العبـرية أنه رغم الجدل الدائر في إسرائيل، حول جدار الفصل العنصري في الضفة الفلسطينية إلا أن 78% من الإسرائيليين يؤيدون إقامة هذا الجدار. وأن أعلى نسبة تأييد ظهرت في صفوف مؤيدي حزب شينوي المشارك في الحكومة (90.5%) وهو حزب علماني يترأسه وزير العدل الإسرائيلي تومي لبيد. ومن ثم الليكود بزعامة شارون (85%) أما أقل الأصوات تأييداً فقد ظهرت في صفوف مؤيدي المفدال (54.5%) وفي صفوف مؤيدي ميرتس (50.5%). وبذلك نلاحظ أن ثمة غالبية عالية في المجتمع الإسرائيلي تؤيد إقامة الجدار، وأنه حتى في الأحزاب المعارضة للجدار، كميرتس، فإن أكثر من نصف مؤيديها هم مع الجدار. أي أننا لسنا أمام مشروع خاص بشارون وحده، بل نحن أمام مشروع إسرائيلي يحمل الصفة «الوطنية» لأنه يلقى تأييداً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ولهذا أسبابه العديدة الواجب التعرف عليها.
* توضح الصحيفة في استطلاعها أن 62% من الجمهور اليهودي في إسرائيل بات يعتقد أن الجدار المذكور عزز من شعوره بالأمن من العمليات داخل مناطق 48. وهو الأمر الذي يذكر بما كان قاله النائب العربي في الكنيست عزمي بشارة (الذي خاض إضراباً عن الطعام احتجاجاً على الجدار) من أنه لا جدوى من التحرك ضد «الجدار» ما لم تتوقف العمليات التفجيرية في مناطق 48، لأن شارون نجح، عبـر ماكينته الإعلامية، واستغلالها لهذه العمليات، من إقناع الرأي العام الإسرائيلي من أن الهدف من الجدار هو منع وقوع هذه العمليات وليس ابتلاع أراضي فلسطينية جديدة. لذلك ـ مرة أخرى ـ نلاحظ أن أكثر من نصف جمهور ميرتس الداعي إلى وقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة يقف إلى جانب شارون ومشروعه في بناء جدار الفصل والضم.
* إلى جانب ذلك ثمة أغلبية إسرائيلية مؤيدة لمشروع شارون «فك الارتباط» في قطاع غزة تصل إلى 68%. ويلاحظ أن أغلبية ناخبي الأحزاب الكبـرى تقف إلى جانب هذا المشروع. فعلى سبيل المثال 84% من ناخبي العمل يؤيدونه، و69% من مؤيدي الليكود (مع العلم أن مشروع شارون سقط في الاستفتاء الداخلي في الليكود) و85% من ناخبي ميرتس و81% من مؤيدي شينوي.
وإذا ما حاولنا أن نقرأ هذه الأرقام بلغة التحالفات السياسية للاحظنا أنها تشكل أساساً مقبولاً لإقامة تحالف حكومي جديد بـرئاسة شارون يضم الليكود إلى جانب العمل وشينوي، وهو تحالف فيه من الانسجام السياسي ما يؤهله للحياة في الفترة القادمة في ظل الاستحقاقات السياسية المرتقبة.
* مما يعزز إمكانية قيام مثل هذا التحالف أن 78% من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أن شارون جاد في مشروعه في غزة، وأنه ينوي حقاً إعادة نشر قواته فيها، وإخراج المستوطنين منها. وإذا ما وقعت انتخابات تشريعية في إسرائيل، في الوقت الحالي (رغم أن لا مؤشرات تنبئ بمثل هذا الاحتمال) فإن خطة شارون سوف تكون هي محور المعركة الانتخابية، الأمر الذي يشير ليس فقط إلى أن شارون سيظل زعيم الليكود بلا منافس فعلي، بل وسيظل زعيم الائتلاف الحكومي القادم الذي قد يجمع الأحزاب «الكبـرى»، والتي سبق وأن ذكرناها، والتي بإمكانها أن تشكل غالبية طاغية في الكنيست.
* أما بشأن الدور المصري فاللافت أن 66% من العينة المستطلعة يرون أن بإمكان القاهرة أن تلعب دوراً مهماً في توفير الاستقرار في قطاع غزة مما يساعد على التعجيل بتطبيق خطة شارون وإزالة العراقيل من أمامها. وهكذا يلاحظ أن الدور المصري يلقى تأييداً مزدوجاً إسرائيلياً ـ فلسطينياً، الأمر الذي سوف يشجع القاهرة على المضي في تحركاتها. وإذا ما لاحظنا أن وفداً من اليسار الإسرائيلي قد زار القاهرة، والتقى الوزير عمر سليمان، الممسك بالملف الفلسطيني، وتفهم منه حقيقة الدور المصري، واستمع منه إلى العراقيل الواجب إزالتها من الطريق، لأدركنا أن ثمة اهتماماً إسرائيلياً، من اليمين واليسار بدور القاهرة، وهو أمر يساعد العاصمة المصرية على التمسك بمواقفها.
* وعلى خلفية التأييد لخطة شارون، ثمة تأييد لفكرة إخلاء المستوطنات في قطاع غزة من سكانها اليهود. ويبدو أن مثل هذه القضية لم تعد تشكل عند غالبية اليهود أمراً مقلقاً من الزاوية الإيديولوجية، وثمة اعتقاد راسخ لدى أوسع الأوساط السياسية في إسرائيل أن المستوطنين لن يعرقلوا خطة شارون، وأنهم سيبدون تعاوناً مع الحكومة إذا ما دعتهم لإخلاء مستوطناتهم، خاصة إذا ما توفرت لهم تعويضات سخية، يبدو أن الحكومة لن تبخل بها. اللافت في الأمر أن غالبية يهودية (52.5%) تدعو إلى تدمير كل البيوت والبنى التحتية في مستوطنات القطاع التي سيتم إخلاؤها على غرار ما جرى في ياميت في سيناء بينما دعا فقط 34% إلى الإبقاء على المباني وعلى البنية التحتية ليستفيد منها الفلسطينيون.
يلاحظ في السياق أن 70% من ناخبي الليكود وشاس المتدين الشرقي هم من أصحاب الدعوات إلى تدمير المباني، بينما دعا 85% من ناخبي ميرتس (اليسار الصهيوني) إلى الإبقاء عليها. أما ناخبو العمل وشينوي والمفدال والاتحاد الوطني (أحزاب متنافرة سياسياً إيديولوجياً) فقد انقسموا إلى نصفين بين مؤيد ومعارض، ولكل أسبابه وخلفياته.
* وحول أولوية الحكومة الإسرائيلية انقسمت الآراء على الشكل التالي: 48% وضعوا الأمن والعلاقات مع الفلسطينيين والوصول إلى تسوية للصراع معهم في المرتبة الأولى لاهتمامات الحكومة.
بينما رأى 21% أن الاستقرار الاقتصادي هو الأولوية. بالمقابل دعا 12% إلى اعتبار ردم الفجوات الاجتماعية والسياسية هو الأولوية واعتبـر 4% معالجة العنف وقضية الدين والدولة أولوية، بينما توزعت الآراء الأخرى بين معالجة الفساد والحفاظ على البيئة.. ورغم ان الداعين إلى الاستقرار الأمني، ربطاً بحل الصراع مع الجانب الفلسطيني لم يتجاوزوا نسبة 50% إلا أنهم شكلوا الأغلبية مقارنة بأصحاب الاهتمامات الأخرى، الأمر الذي يشير إلى أن القضية الفلسطينية هي الطاغية في اهتمامات الجمهور اليهودي في إسرائيل، من الآن وحتى إشعار آخر.
على ضوء مثل هذا الاستطلاع نفترض أن على الخطاب السياسي الفلسطيني أن يتوفر على مواقف ودعوات تخاطب الرأي العام الإسرائيلي، وتعيد تقديم الحالة الفلسطينية بالشكل الذي يفترض أن تكون عليه. ولا نتوقع، في السياق، أن ينجح الخطاب السياسي الفلسطيني، بضربة قاضية، في إقناع الرأي العام الإسرائيلي بصوابية الموقف الفلسطيني ومشروعيته القانونية والتاريخية. ولكننا نطمح من خلال دعوتنا هذه إلى أن يتوفر للحالة الفلسطينية خطابها الخاص، الذي يشكل الند المقابل للخطاب الإسرائيلي، وبحيث تستعيد الحالة الفلسطينية مظهرها الكفاحي لشعب يناضل لأجل حريته واستقلاله، وفي وقت نجح فيه شارون في إعادة رسم الموقف ليبدو وكأن المسألة تتعلق بدولة اسمها إسرائيل، معرضة للخطر، تقوم بما يتوجب على الدولة أن تقوم به، لتحمي شعبها وكيانيتها مما يسمى بالإرهاب القادم إليها من الضفة والقطاع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تعيش باميلا كيك حالة حب؟ ??????


.. نتنياهو يعلق على تصريحات بايدن بشأن وقف إرسال أسلحة لإسرائيل




.. مغنيات عربيات.. لماذا اخترن الراب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يوافق على سحب قوات روسية من مناطق مختلفة في أرمينيا




.. باريس: سباق البحث عن شقة للإيجار • فرانس 24 / FRANCE 24