الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المال. . التركة المسمومة

أحميدة عياشي

2010 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



بدأت الخريطة الداخلية للنظام تتشكل ملامحها الجديدة مع انتقال السلطة إلى الشاذلي بن جديد، باعتباره رجلا غير سياسي يمكن توظيفه من قبل مهندسي القوة الخفية وأهل النظام••
لكن هذا الضعف المفترض في الوافد الجديد إلى رأس الحكم سرعان ما فتح ثغرة جديدة، دفع بقوى جديدة صاعدة تحولت في نفس الوقت إلى قوة عتيدة مشكلة لميلاد نظام جديد منبثق من النظام القديم السابق الذي شكله الهواري بومدين بمعية رفاقه من مجلس الثورة عبر لعبة التوازنات القائم على إشراك الجهويات والعصب الملتفة حول الممثل لسلطة البيروقراطية المطعمة بمسحة الإيديولوجيا الشعبوية المجندة والمعبئة للقوى الاجتماعية ذات المصالح المتقاربة في تقسيم الريع على شرائح عريضة في المجتمع والضامنة لاستمرار الدولة والنظام كعلامتها الرمزية الموحدة•• مع الشاذلي بن جديد بدأت عملية التخلص من التركة البومدينية على الصعيد المادي، السياسي والاقتصادي، لكن أيضا على الصعيد الرمزي والمجازي واتخذ ذلك شعار إعادة هيكلة النظام، وتطبيق الإصلاحات وترتب عن التناقضات التي أثارتها مثل هذه العملية صراعات بين العصب الرئيسة قادت إلى إخراج هذه المواجهات إلى الشارع، وكانت أحداث أكتوبر 1988 تمثيلا لذلك من خلال التعبير العنفي•• ووجد النظام الصاعد نفسه على شفا الانهيار أمام التغيرات الجديدة داخل المجتمع من خلال بروز الإسلام الشعبوي الراديكالي، واندلاع الحركات الاحتجاجية وحالات التمرد الاجتماعي من خلال الإضرابات المتتالية، فحاول تطويق ذلك بخلق مشهد سياسي تعددي، إلا أن هذا المشهد لم يكن ليتوفر على عوامل حياة طبيعية، ومن هنا سعى النظام إلى توظيف المفاجأة الإسلاموية كسلاح مزدوج•• استعمال الإسلاموية ضد نفسها من خلال دفعها إلى المزيد من التطرف ليس فقط ضد النظام بل ضد كل اللاعبين السياسيين والاجتماعيين الجدد، واستعمالها كبعبع من أجل استجماع قوته من جديد وذلك من خلال إعادة صياغة نواته كقوة ذات تأثير من جديد••• وهذا ما حدث مع تشكل قوة تمكنت بفعل الصدف والمناورة أن تكون على رأس السلطة الفعلية•• ولقد خاضت هذه القوة الحرب ضد الراديكالية الإسلامية وتمكنت من إلحاق الهزيمة بجماعات الإسلام المسلح، واستطاعت أن تستعير من خارج نواتها الرجال الذين شكلوا شرعية نظامها•• سواء في ,1995 أو في ,.1999 لقد تعاملت هذه النواة مع السياسة كمعركة وجود وبقاء، لكن في الجوهر كمعركة ضارية للحصول على الغنيمة بوجهيها الحفاظ على السلطة كمصدر لممارسة وبسط النفوذ وجني الثروة التي تعتبر الضامن الحقيقي للاستمرار لدى مغادرة السلطة ذات يوم•••
ومن هنا كان ممثلو هذه النواة وحلفاؤها مهووسين بتوفير المستقبل لعائلاتهم وأولادهم، لقد أدرك ممثلو هذه النواة، وهم من كبار المسؤولين الذين قذفت بهم الأقدار إلى الواجهة أن الحفاظ على مكاسبهم يكمن في العمل على تركيم الثروة من خلال ورثتهم من الأبناء والبنات•• وتحول هذا الإدراك أو الهوس إلى خلق مؤسسات التصدير والإستيراد كدرع واق لمصالحهم المتشابكة مع مصالح فئات جديدة نامية متحالفة أو متعاونة معها بشكل مركب ومعقد،••• وهذا ما يمكن ملاحظته إذا ما قمنا بجرد إجرائي للعديد من المؤسسات الخاصة التي تعتمد على التجارة وليس على الصناعة أو الإنتاج، وباختصار على جانب الخدمات•• إن معظم المسؤولين الذين كانوا نافذين على الصعيد السياسي لعشرية بكاملها، وهم اليوم في معظمهم متقاعدون أو على أبواب التقاعد والانسحاب من الواجهة دفعوا بأبنائهم وأقاربهم ليكونوا على رأس مثل هذه المؤسسات الخاصة، لكن هؤلاء الورثة في معظمهم يفتقرون إلى الخبرة والكفاءة، ولا قوة لهم في واقع الأمر إلا نفوذ آبائهم الذي يوظفونه كورقة ضغط أمام التسهيلات التي تجعل منهم ورثة يستمدون شرعية وجودهم وقوتهم من نفوذ بدأ يتناقص ويتآكل وقد يؤدي مثل هذا التآكل والتناقص للنفوذ إلى صراعات جانبية تتحول مع الوقت إلى علامات مرهقة ومقلقة لتطور النظام ذاته، وقد تتمثل هذه العلامات المرهقة والمقلقة بإسقاط كل الأقنعة والحصانات عن ظاهرة خطيرة اسمها الفساد•• وهذا ما بدأ الرأي العام يكتشفه بصورة عنيفة من خلال الفضائح التي راحت تفقد الإدارة صدقيتها وتعمل على توسيع رقعة عدم الثقة التي حاولت هذه النواة استرجاعها من خلال الاستعانة بالمتعاونين السياسيين الذين لم يكونوا طرفا في الأزمة التي اندلعت في بداية التسعينيات••• نحن أمام تركة مسمومة تسبب فيها الآباء عندما اختزلوا لعبة الخروج من الأزمة بتغيير قناع بآخر•••
أحميدة عياشي
مدير عام صحيفة الجزائرنيوز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط