الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي أبواب الحرب بالصدفة !

عصام عبدالله

2010 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


هل دخلنا بالفعل مرحلة " مابعد التاريخ " التي لا تلوح في أفقها أية حوافز أوغرائب أو مخاوف جديدة تبث الرعب في النفوس أو ترتعد لها القلوب ؟ ... أرجوك عزيزي القارئ لا تتعجل الإجابة ، إذ يبدو أنه مهما عرض علينا من خراب ودمار عبر مصافي وسائل الإعلام المعولم، لن نجد أنفسنا - من الآن فصاعدا - أمام أشياء ذات بال أو وقائع جديرة بالدهشة والاستغراب ، ناهيك عن تنامي حالة نادرة من التبلد الإنساني العام.
أول من تنبه الي هذا التحول الخطير كان الفيلسوف الألماني " يعقوب طاوبس " (1923-1987) الذي رأي " ان عصرنا أحدث تغييرا في مفهوم الزمن ، بحيث انه لم يعد أبديا كما كان عليه الأمر في مرحلة " التاريخ " أو بالأحري ، المرحلة الممتدة من ظهور الأديان التوحيدية وحتي الآن ، حيث ان مسار الزمن " خطي" ، له بداية ونهاية ، من بدء الخليقة وحتي يوم الدين ، وإنما صار يدل علي الانتظار ويحيل الي فكرة الأجل والانقضاء ، نتيجة لشعور الانسانية بتهديد الفناء والموت في كل لحظة.
ان الاعتقاد في يوم القيامة مثلا – كما يقول طاوبس- صار مشذبا من غرائبيته المعروفة في الأديان التوحيدية ، ولو استعرنا لغة ماركس لقلنا أنه أفرغ من دلالته الدينية افراغا ... ان القنبلة الذرية أو كارثة تسونامي أو زلازل شرق آسيا أو هايتي ، أصبحت رمزا لهذه الرؤية القيامية .
لقد كان لدي شعوب آسيا واليونان القديم مفهوما دائريا عن الزمن . فكل موجود فى رأيهم يتحرك تجاه موجود عظيم واحد، تجاه المستقبل . أما التراث اليهودي المسيحي الإسلامي فقد أحل الزمن المستقيم محل الزمن الدائري حيث يتحرك مساره من الماضي الي المستقبل . بيد أن هذا الخط المستقيم لم يكن لا نهائيا لأن خلق الكون هو بداية الزمان ولم يكن ثمة زمان فيما قبل ، واليوم الآخر هو نهاية الزمان ولن يوجد زمان بعده .
ويكفي للتأكد من حلول هذه الرؤية القيامية اليوم ، ان تقلب بالريموت كونترول القنوات الفضائية لتري بعينك ماكيت " يوم الحشر " ، أو تزور يوما المتحف المخصص لذكري القنبلة الذرية في هيروشيما لتشاهد " جهنم " ماثلة أمامك علي الطبيعة : علي الحيطان صور مدينة دمرت في لحظات ... رجال سال اللحم علي عظامهم من وهج الشعاع الذري ، نهرا مسدودا بالجثث ، ولد علي ظهره حقيبة أذابته الحرارة فالتصقت اعضاءة بالدراجة ، امرأة اصابعها تقطر شحما يسيل ، ظلا مطبوعا علي درج حجرة ... واذا قدر لك وخرجت سالما من هول ما رأيت ستشعر بفزع دائم كلما رأيت وجه الشمس ، ذلك القرص الأحمر المتوهج ... وهي تغيب .

ومع انتشار " جميع " أسلحة الدمار الشامل ، في النصف الثاني من القرن العشرين ، ازدادت أحتمالات أخطار أندلاع ما يعرف ب " الحرب بالصدفة – Accidental War " . ويمكن استخدام هذا المصطلح بمعنيين . أولا في حال اندلاع الحرب النووية " مصادفة " بالمعني الحرفي ، من خلال عطل فني .
ثانيا ، اندلاع الحرب لأن طرفا أو عددا من الأطراف في الصراع الدولي يسيئون تقدير الموقف ويبادرون الي العنف الأقصي . ف " المصادفة " بهذا المعني الثاني يمكن اعتبارها ناجمة عن سوء الادراك وليس عن عطل فني : وسوء الادراك هذا محتمل الحدوث بشكل خاص في أوقات الأزمات ومراحل التحول التاريخية ، حيث يكون ضغط الوقت عاملا ظرفيا كثيرا ما يفسر التوتر النفسي الكبير الذي ينتاب الزعماء السياسيين وكبار مستشاريهم .
وقد أقر المؤرخون وعلماء السياسة أن أزمة صيف عام 1914 تمثل نموذجا أوليا بسيطا، لخصائص الحرب التي تندلع بالصدفة بالمعنيين المستخدمين هنا ، وهو نموذج قابل للتنفيذ في أية لحظة اليوم ، أكثر من أي وقت مضي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا