الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم في السنة للذكرى فلا تحاربوه !

سلمان ع الحبيب

2010 / 3 / 3
حقوق الانسان


اعتدنا على أن يكون هنالك يوم أو أسبوع في السنة لإحياء مناسبة تحتلّ قيمة كبرى في حياة الناس .

وتتعدّد تلك المناسبات حسب موضوعاتها المراد إحياؤها في نفوس أفراد المجتمع ، فهنالك يوم للأم ويوم آخر للحب ويوم للمعلم ويوم وطني ….إلخ .

والذي أدّى إلى إيجاد تلك الأيام وإحيائها بشكل دوريّ هي الأسباب التالية :

1- الشعور الإنساني بضرورة الوفاء وبذل الحب تجاه تلك الموضوعات والقضايا الإنسانية .

2- الرغبة الملحة في غرس قيمة معينة وترسيخها بإحياء مناسبة مخصصة لها .

3- التنفيس الانفعالي عبر ممارسات تقتضيها هذه المناسبة أو تلك مما يؤدّي إلى إفراغ طاقة تصب في مصلحة المجتمع بدلاً من تدميره .
4- توحيد المجتمع من خلال الاشتراك في مناسبة محدّدة بتاريخ معين .
إنّ تلك المناسبات – بلا شك – تساهم في التنشئة الاجتماعية السويّة بمساهمتها في غرس القيم الإنسانية النبيلة والتي لا يختلف أحد على أهميتها وقيمتها ، كما أن هذه المناسبات تساهم في تنمية الحب والوفاء في المجتمع وتؤدي إلى إفراغ طاقاته المكبوتة في زمن امتلأ بالضغوطات المادية والاجتماعية والسياسية ، إلا أنّ البعض اتخذ الدين وسيلة لخنق مثل تلك المناسبات وأشهر سلاحه بالتحريم ورفع سياط الوعيد وندّد بالويل والثبور لكل من تسوّل له نفسه بأداء تلك الممارسات التي يراها – أولئك المحرّمون -مبتذلة رخيصة ، وما هم في تحريمها – في الغالب – إلا يحاربون المسمّى فلو كان ( يوم الحب ) بدلاً من ( عيد الحب ) أو ( يوم الأم )بدلاً من ( عيد الأم ) لأصبح الأمر مقبولاً تماماً كما كان ولا يزال مقبولاً في مناسبات مثل :( أسبوع الشجرة ) و ( أسبوع المرور ) و ( أسبوع الصحة ) وغير ذلك من المناسبات التي لا تحمل مسمّى العيد ، وقد حلّ بعضهم الإشكال في العيد الوطني بتغيير مسمّاه إلى ( اليوم الوطني ) ليكون العيد مقبولاً ، إلا أنّ البعض لا زال متحفظاً في ذلك بقوله : إن الأعياد محددة في الشريعة فما زاد عنها فهو محرّم وبالتالي فتلك المناسبات بدعة في الدين لا تُغتفر ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وهذا هو منطق الانغلاق الفكريّ الذي يجعل الدين محنطاً لا حياة له ،ويجعله متقوقعاً في التاريخ ولا يستجيب لمتطلبات العصر وهم يقولون بأن الدين صالح لكل زمان ومكان في حين أنهم وقفوا عند حدود اللفظ ولم يتجاوزوا المسمّى ، إلا أن هنالك سبباً آخر لرفضهم لهذه المناسبات فهم يرفضونها بالإضافة إلى ذلك باعتبارها شيئاً دخيلاً على المجتمعات العربية والإسلامية وهي تقليد للغرب ومن تشبّه بقوم – في نظرهم – فهو منهم وكأن الغرب سبة وعار وهم العدو الذي نحذره ونرفضه في كل شيء مع أننا رضينا بان نستورد منهم حتى ما يستر عورتنا إلا أننا حينما نستمع لفكرة منهم نقول : كل شيء في الشريعة الإسلامية ولسنا بحاجة لفكر وافد ضال يسمّم أفكار مجتمعنا ويؤدي به إلى الانحراف والضلال مع أن الحديث النبوي ينص على أنّ الحكمة ضالة المؤمن ، فلماذا نحرّم كل فكرة وافدة من الغرب ؟ أليسوا هم أصحاب العلم والتقدّم ؟! ألسنا ندرس في مناهجنا التعليمية ما وصلوا إليه في الطب والصناعة والعلوم المختلفة ؟! لماذا نعادي الغرب لأنهم لا ينتمون إلينا ونحن ننادي بتقبّل الآخر ؟! ومن الجدير بالذكر في هذا المجال صدور فتوى اطّلعت عليها مؤخراً تُحرّم جلب الورد للمريض لأنها عادة دخيلة وفيها تشبه بالغرب الذين هم أعداء الأمة الإسلامية فماذا يمكن أن نصف هذا الموقف ؟

إننا بفهمنا الذي لا يتجاوز حدود اللفظ جعلنا الدين نفقاً مظلماً نغوص في أعماقه دون أن نخرج لآفاق الواقع ، فهل يكفر من أهدى أمه وردة في يوم ٍ خُصّص للأم ؟! وهل يخرج من دائرة الإيمان من احتفل بوطنه ليعلن ولاءه وحبه لهذا الوطن ؟!

وهل يُكتب عند الله زنديقاً من أحيا مناسبة تنمّي قيمة إنسانية في نفسه ؟! وهل تحرم علينا الفرحة في واقع مليء بالإحباط والكبت والألم ؟!

إننا في حربنا لتلك الظواهر فإننا نكون قد حاربنا ما تحمله من قيم إنسانية نبيلة تحاول تلك المناسبات إحياءها في نفوس أفراد المجتمع جيلاً بعد جيل بحيث يشارك الجميع في ذلك .

إننا بحاجة إلى غرس الوطنية في نفوس المواطنين بتعزيز الانتماء والمشاركة الفاعلة في بناء وطنهم وصناعة القرار ، وبحاجة إلى غرس الحب في مجتمعاتنا العربية التي ارتفعت فيها نسب الطلاق بأرقام خرافية وتعقّدت فيها المشكلات الأسرية وأصبحت فيها الأسرة مهددة بالانهيار لأتفه الأسباب ، وبحاجة إلى غرس الوفاء للأمومة بدلاً من العقوق والجحود لمن بذلت الجهد بحب كبير دون أن تنتظر المقابل أو تقبض الثمن ؟!

إننا بحاجة إلى كل ذلك تماماً كحاجتنا إلى غرس القيم التي اعتدنا عليها وقبلناها في (أسبوع الشجرة ) و ( أسبوع المرور ) ونحو ذلك ؛ لذا نقول لكل من يتشدّق بالتحريم :إنك قد حجّرت واسعاً ونقول له أيضاً بما حملناه من القيم الإنسانية في تلك المناسبات : إنه يوم في السنة فدعوه يمر بسلام دون أن تحاربوه وتكفّروا الداعين له أو المحتفلين به .

* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود


.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك




.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين:




.. تغطية خاصة | إعلام إسرائيلي: الحكومة وافقت على مقترح لوقف إط