الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأساً على عقب

صبحي حديدي

2004 / 7 / 13
الادب والفن


يغطّي ديب علي حسن أمسية شعرية شهدها أحد المراكز الثقافية الفرعية في العاصمة السورية دمشق، فيبدأ هكذا (وأقتبسه حرفياً دون أيّ تدخّل في النصّ، كتابةً ولغةً وعلامات وقف): "قد لا يكون هذا زمن الشعر حضورا ومتابعة للاماسي التي تقام في المراكز الثقافية ولكنه بالتأكيد زمن الشعراء كما ونوعا مئات المجموعات الشعرية تصدر شهريا وشعراء ينبتون ويرفدون الحركة الشعرية بعضهم يغادر الساحة قبل ان يجف حبر قصائده او مجموعاته بعضهم الاخر يلبث قليلا لعله يصارع ظله او يمتح من معينه شيئا جديدا لكنه لا يلبث ان يلحق بالاول تاركا الشعر لمجال اخر واستكشاف اخر".
ونحن لا ندرك تماماً مغزى هذا "المستهلّ الفلسفي"، الذي يأخذ صيغة حكم رهيب على مصير الشعر والشعراء، ولا نجد في عرض مجريات الأمسية ما يدفع الكاتب إلى هذه النبرة الساخرة والتشاؤمية في آن. لكنّ الأمر لا ينتهي هنا، بل إنه يبدأ فقط! صاحبنا يخبرنا أنّ الأمسية "أحياها ثلاثة شعراء متميزين"، لكي نكتشف على الفور أنه يعني شاعراً و... شاعرتين! ثمّ يتساءل دون إبطاء: "وماذا عساه ان يفعل شاعر بين شاعرتين"... صدّقوا أو لا تصدّقوا! ويضيف: "او لنقلب السؤال ولنقل ماذا عساه ان يسمع الجمهور من هؤلاء الشعراء في هكذا احوال واوضاع آلام وآمال"!
ولكي أنصف الرجل، وأرجوكم الصبر عليّ وعليه، يقول في وصف المشارك الأوّل الشاعر صالح هواري: "ومن مرارة العمر يعتصر الشاعر صورا شعرية جديدة تحمل حزنا جديدا غير مجرب على حد تعبير بدوي الجبل حزن صالح هواري حزن انساني وجودي ليس انيا ينتهي بعد لحظات لتنطلق حالة ثانية مغايرة بل ومتى كان حزن المبدع الحقيقي شبيها بأحزان الاخرين"!
وعن الشاعرة الأولى المشاركة يكتب صاحبنا: "اما الشاعرة هيام منور فقد اختارت طاقة من الوان ابداعها المتميز قصائد عدة لها طعم ولون الياسمين وبوح الغاردينيا التي تناثرت على طول الطريق لتغرق الديوان بالعبق كما كتبت الاديبة كوليت خوري رسالتها الى هيام منور"! وإذا كان في وسعنا أن "نبلع" استعارة ركيكة من نوع "بوح الغاردينيا"، فما طعم الياسمين بالله عليكم؟
الشاعرة الثالثة تتميّز بـ "عاطفتها المغزولة بنور الكلمات"، وعنها يتابع صاحبنا فتوحاته فيقول: "بدورها الشاعرة وداد عبد النور حملت عبقا دمشقيا جميلا فاح قصائد للوطن وللقائد وللانسان وللحب، وداد عبد النور شاعرة شفافة يحمل شعرها بوحا خفيا لا يكاد يستقر على حال حتي ينقلك الي حال اخر !
هذا الهياج القاموسي الصرف، الأقرب إلى "صفّ الحكي" كما يقول التعبير الشعبي البليغ، نُشر يوم أمس في صحيفة "الثورة" السورية، المنبر ذاته الذي كان ذات يوم يصدر ملحقاً ثقافياً رفيع المستوى ومتميزاً بكلّ المعايير. لا أعرف اسم المحرّر الثقافي الذي أجاز نشر تغطية ديب علي حسن، ولكنّ موقع "الثورة" على الإنترنت يفيدنا أنّ السيد خالد الأشهب هو أمين التحرير للشؤون الثقافية و... الاقتصادية! كيف جمع المجدَين، الاقتصاد والثقافة، هذه في ذمّة رئيس الحرير ـ المدير العام د. فايز الصايغ، الذي تولى المنصب مؤخراً، ويبشّرنا البعض بأنّه في قلب "الدائرة الحداثية" التي تحيط بالرئيس الشاب!
ولكي لا نظلم "الثورة"، فتبدو وحدها حمّالة انحطاط الكتابة الصحافية والنقدية في سورية الراهنة؛ ثمّ لأننا سوف ندع صحيفة "البعث" جانباً لأنّ الوضع هناك أقرب إلى فالج لا يُعالج؛ نشير إلى مثال من صحيفة "تشرين"، التي قيل ذات يوم إنها في علاقتها مع قصر الروضة وحافظ الأسد ستكون نظير "الأهرام" المصرية في علاقتها مع قصر القبّة وجمال عبد الناصر!
وفي هذه الصحيفة يعلّق د. عاطف البطرس على رواية "جهات الجنوب"، للروائي السوري المتميّز ممدوح عزام، فيقول (وأقتبسه حرفياً، هنا أيضاً): "عدم تحديد المكان يترك /النص/ يتربص عائما غائما يلفه الضباب، المكان هو الارضية التي يقف عليها /النص/ وينهض البناء الروائي. والزمان بالتالي هو تاريخية النص ومحدد لملموسيته ومساعد على كشف مغزاه /السياق التاريخي/. الكتابة هي انعكاس للواقع وخلق له، بتكوين عالم مماثل عن طريق التخييل شريطة ان يبقى الكاتب امينا لجوهر الاحداث ودلالة الوقائع وهو حر في اجراء عملية فرز واختيار بين ما يقدمه الواقع من مادة اولية وعناصر مختلفة بل ومتناقضة احيانا، يعمد الكاتب الى ترتيبها وتصنيفها وفق منظوره، فدون عملية الفرز والتصنيف، لن يكون بمقدار الفنان استيعاب المادة التي عليه ان يكونها /هيغل/"...!
في مادة ديب علي حسن حُشر بدوي الجبل عشوائياً وكيفما اتفق، وفي مادة عاطف البطرس يُحشر هيغل على نحو مماثل، مع فارق أننا هنا لا نعرف أين يبدأ كلام الفيلسوف الألماني وأين ينتهي كلام الدكتور السوري. وهذا الأخير لا يظلم رواية بديعة فحسب (رغم امتداحه لها)، بل يقلب أبسط مفاهيم حضور التاريخ في الرواية، ويجعلها تسير رأساً على عقب.
الأكثر مأساوية أنّ العديد من المفاهيم تسير هكذا، في سورية هذه الأيام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال


.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف




.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل