الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستيطان.. بغطاء عربي؟!

محمد السهلي

2010 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


من البديهي أن يكون بنيامين نتنياهو أول المرحبين بحصيلة النقاشات التي دارت في الجامعة العربية وأفضت إلى قرار يدعم انطلاقة مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
بهذا القرار، تحقق السياسة التوسعية الإسرائيلية انتصارا كاسحا وبرافعة عربية في حال مضى الفلسطينيون في سكة هذه المفاوضات مع استمرار الاستيطان وحملات التهويد المتسارعة.
وبهذا القرار ايضا، تسجل الإدارة الأميركية فوزها في امتحان قوة الضغط.. ولكن هذه المرة على حساب الحالة الرسمية العربية بعد أن عجزت عن اختراق التعنت الإسرائيلي.
ومع ذلك، إذا نظر الفريق الفلسطيني المفاوض إلى هذا القرار كغطاء عربي يستند إليه في حلبة التفاوض و«يتقاسم» مع أصحابه هموم هذه المفاوضات وكوارثها المتوقعة، فإننا نعتقد بأن الوضع سيكون مختلفا على الصعيد الفلسطيني لأن هذا القرار يتناقض تماما مع المحددات الوطنية التي أقرت في مؤسسات منظمة التحرير بمستوياتها المختلفة.
القرار ناقشته لجنة المتابعة العربية في اجتماعها بالقاهرة (2/3) ولم تصل إلى اجماع بشأنه، فحولته إلى لجنة صياغة ثلاثية تشكلت من الجامعة العربية وقطر وفلسطين أحالت مشروع بيانها إلى اجتماع آخر عقد صباح اليوم التالي قبيل اجتماع وزراء الخارجية الذي خلص إلى قرار يدعم انطلاقة المفاوضات غير المباشرة.
ويعطي القرار لهذه المفاوضات مدة أربعة أشهر على أن يتم خلالها التمهيد لنضوج ظروف انطلاقة المفاوضات المباشرة بحسب ما قال د. صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الذي أوضح أن الجهود المبذولة تستهدف إنجاح الجهود الأميركية «لإعادة تحريك عملية السلام بين الجانبين» مشيرا إلى أن «القيادة الفلسطينية ستتخذ قرارا بهذا الشأن خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير». فيما قالت تصريحات مختلفة لمسؤولين عرب تحمسوا لولادة هذا القرار بأنه إذا لم تتكلل المفاوضات غير المباشرة بالنجاح سيتم اللجوء إلى مجلس الأمن وربما محكمة العدل الدولية، وإن وزراء جامعة الدول العربية سيجتمعون مرة أخرى في مطلع شهر تموز (يوليو) المقبل لتقييم التطورات.
بهذه الصورة تكون الضغوط الأميركية قد نجحت في توجيه الثقل العربي في مواجهة التمسك الفلسطيني بمطلب الوقف التام والشامل للاستيطان وتحديد مرجعية المفاوضات قبل بدئها، مما وضع حكومة نتنياهو أمام وضع مريح يجعلها تنظر إلى فترة الأربعة أشهر المحددة كـ «فترة سماح» تكثف خلالها حملات التهويد ونشاطات الاستيطان، على الرغم من المناورة التي قام بها نتنياهو (2/3) عندما «أقنع» رئيس بلدية القدس الاحتلالية بتأجيل تنفيذ إجراءات هدم شملت 23 منزلا فلسطينيا في حي البستان بالقدس الشرقية. وهي رسالة خادعة موجهة إلى المجتمعين في مقر الجامعة العربية للتشجيع على اتخاذ مثل هذا القرار. ويستطيع نتنياهو بذلك أن يحسن موقعه على جبهات إسرائيلية داخلية متعددة:
* جبهة التجاذب مع حزب كاديما ورئيسته تسيبي ليفني، التي هاجمها في اجتماع لجنة الخارجية والأمن بالكنيست (2/3) عندما حملته مسؤولية التدهور في ثقة المجتمع الدولي بإسرائيل وبأنه ليس متشددا بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين كما يحاول أن يبدو في تصريحاته الإعلامية. وسيتسلح بهذا القرار لإثبات نجاح تصلبه في إرغام الجانب الفلسطيني على الدخول في المفاوضات بالشروط الإسرائيلية. ومن الممكن أنه يسعى كذلك إلى زيادة متاعبها داخل حزبها في ظل بوادر التمرد التي يقودها شاؤول موفاز.
* جبهة الصراع الداخلي في حزب الليكود الذي يطالب عدد من قادته بانتخابات داخلية مبكرة على رئاسة الحزب على خلفية انتقادات حادة بشأن تجاوبه الجزئي مع مطالب وقف أو تجميد الاستيطان وإن كان بشكل مؤقت.
* وهو (القرار) سلاح سيسعى نتنياهو لاستثماره في أوساط المستوطنين الذين قامت أوساط عدة من بينهم بالاحتجاج المباشر على مجرد طرح مستقبل الاستيطان بالضفة الغربية والقدس على مائدة النقاش وإن كانوا يعرفون حقيقة موقف نتنياهو من هذه الموضوعة، لكن دخول الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات بدون تحقيق مطالبه حول الاستيطان، سيطمأنهم.
ومن جهة أخرى، فإن الدخول في مفاوضات وإن كانت غير مباشرة مع الجانب الفلسطيني في حال تخليه عن مطالبه المعروفة سيبقي الجانب الإسرائيلي في موقع القوة وسيجعل من أسس هذا الدخول معيارا لمحاكمة أية مطالبات فلسطينية تتعلق بمختلف القضايا وخاصة أن جدول أعمال المفاوضات غير المباشرة سيزخر بأمور جزئية لا تتصل مباشرة بالقضايا الكبرى في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وبذلك يستطيع نتنياهو وحكومته وضع الجانب الفلسطيني في دوامة لا تنتهي من المناشدات والمطالبات الموجهة إلى الإدارة الأميركية وغيرها للتوسط في حل الخلافات حول هذه القضايا الجزئية، وتتبدد بالتالي فترة الأربعة أشهر المخصصة للمفاوضات غير المباشرة دون أي شيء يذكر على صعيد الإنجاز.
أما بخصوص التصريحات الرسمية العربية (ومعها الفلسطينية) المختلفة التي «لوحت» بإمكانية الذهاب إلى مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية في حال فشل هذه الجولة من المفاوضات فإن نتنياهو وحكومته يدركان بأن ما كان ممكنا أمام الحالة الفلسطينية والعربية في ظروف أفضل في الفترات السابقة ولم يتم القيام به سيكون تحقيقه صعبا للغاية في الظروف الفلسطينية والعربية الحالية، وسيرى في القرار «العربي»، الذي نحن بصدده، مؤشرا مطمئنا لإسرائيل من أن الضغوط العربية قد حددت وجهتها ربطا بالموقف الأميركي.
* على الصعيد الفلسطيني، يأتي قرار لجنة المتابعة ومن ثم وزراء الخارجية العرب في جهة معاكسة تماما للرأي العام الفلسطيني بمستوياته السياسية والشعبية ويتناقض مع قرارات مؤسسات منظمة التحرير التي اتخذت بشأن المفاوضات وأسس انطلاقتها بعد أن أكد المجلس المركزي الفلسطيني وكذلك اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على الموقف الفلسطيني المتمسك بالمطالب المعروفة، ودعت فصائل منظمة التحرير إلى تدعيم هذا الموقف وعدم التنازل عنه والخضوع لأية ضغوطات خارجية يمكن أن تمس بالمحددات الفلسطينية تجاه موضوعة المفاوضات باعتبار أن هذا الأمر سيحدد لاحقا نتائجها بشأن القضايا الأساسية للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
ويتعاكس أيضا مع الرأي العام الفلسطيني بتحركاته الشعبية المتصاعدة في مواجهة الاستيطان وحملات التهويد وسيشكل هذا إلى جانب موقف القوى والفصائل الفلسطينية عقدة أمام أية استجابة لدخول المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية بغض النظر عن كونها مباشرة أو غير مباشرة.
هذا يعني أن المؤسسات الوطنية الائتلافية وفي المقدمة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمام مسؤوليات وطنية بالغة الأهمية وعليها أن تعيد الاعتبار لقراراتها ولآليات عملها بتثبيت جماعية القرار وصوابيته بعيدا عن السياسات التي يمكن أن تضع الحالة الفلسطينية مجددا أمام مفترق طرق لسنا في وارد تحمل تداعياته الصعبة وخاصة أن مهمة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية تتطلب بذل المزيد من الجهود الوطنية التي لا تحتمل توزيعها على جبهات أخرى مستجدة.
فلا بديل عن مطلب الوقف التام والشامل للاستيطان وتحديد مرجعية المفاوضات قبل بدئها لأنه موقف وطني صائب ومجمع عليه سياسيا وشعبيا يضمن عدم تكرار التجربة المريرة السابقة ويقطع الطريق على محاولات حكومة نتنياهو ومسانديها من أن تنجح في تشريع كتلها الاستيطانية. وبدلا من الانعطافة الفلسطينية التي يسعى البعض لاستحداثها نحو مفاوضات غير مباشرة «خلّبية»، توجد أمام الحالة الفلسطينية مهام كثيرة تتعلق بتعزيز الوضع الداخلي الفلسطيني وتوجيه طاقاته ضد الاستيطان وحملات التهويد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير


.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع




.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا


.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا




.. في اختتام المنافسات.. مواجهة تجمع بين برشلونة بضيفه فالنسيا