الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكبر من الحكاية

فاضل فضة

2004 / 7 / 13
الادب والفن


قالت : ألا تشتاق الى الخليج، الى أبو ظبي ودبي، ألم تكن الحياة جميلة هناك؟
قلت : لا أدري في الحقيقة، أشتاق إلى أشياء وتربطني أشياء أكثر هنا. صحيح ان الامارات بلد جميل والعيش فيه مريح من الناحية الاقتصادية. لكن كندا أصبحت الوطن الحقيقي وإن كان الوطن الثاني وأصبحت الامتداد لما تبقى لنا.
لا أدري إن كنت جاهزاً للعودة. وإن عدت فقد تكون هذه للزيارة فقط. لقد فعل الزمن قراره في مصير حياتنا، ولعبت الصدفة والظروف في أكثر القرارات صعوبة. وها نحن نمارس الحياة برتابة كما يمارسها غيرنا.
***
إنه الخريف الجديد، محملا بالمطر والجلوس خلف النوافذ المغشاة بالضباب. إنه العمر المحير في قلق بلا حدود وتساؤلات لم يعد لها أية أجوبة.
إنه استقرار العاطفة المتأرجحة بين الماضي والحاضر والمستقبل.
سامح الله الذي كان وراء كل هذه الاسباب.
لا ندري إن كنا نستطيع تسميتها بسنوات الهدوء، أو سنوات التأقلم أو النضوج أو التهرّم أو سنوات غاصت في التاريخ وأصبح لها كيان كامل، وكان لها حكايا وقصص وروايات.
كان عجافاً على الأغلبية وخصباً على فئة قليلة، وفي محصلتها الأمور مستمرة، لا يهم كيف، إنما مستمرة.
لقد فرخّت أجيالاً جديدة وسمحت بنجاحات للأجيال المتوسطة، أما الأجيال الأولى فمنها من ودّع الحياة وغادرها، ومنها من تقاعد بعد نشاط مكثف أدّى به خدمات مميزة لأبناء جاليته. ومنهم من عبر شريط الزمن بسلام مؤبد.
صحيح مرت السنوات بسرعة بدون أن نحسب لها حسابا. لقد أمضى العديد منا هنا وجودا معها، وبنى تاريخا صغيرا، لكن هذه السنوات لم تستطع، وإن طالت، أن تبني ما توجب بناؤه. لم تقدر على تغيير المعايير وبناء معايير حضارية سمحة قادرة على الجذب واللمّ والعصر والهضم. كلا، لم يستطع هذا الزمن القصير والطويل أن يجبر صداعاتنا، إذ كان وما زال التشقق أكبر مما هو مفروض. ولا بد أنه مستمر إلى ما شاء الله دائما.
***
قال أحدهم إن الشتاء القادم مغاير للسنوات الماضية. إنه شتاء قاس وبارد جدا.
لا أدري إن كان علينا أن نحضّر أنفسنا ونشتري معاطف أسمك مما اعتدنا على لبسه في السنوات الماضية. ولا نعرف إن كنّا سنجبر على البقاء في منازلنا في الشتاء القاسي.
فالحياة في هذا الفضاء المونتريالي تتغيّر يوما بعد يوم.
تصبح رتيبة أكثر،
تقتل الحيوية وتجفف أبواب التفاعل الإنساني.
تغلق كل أمل في بناء علاقات إنسانية تشوبها قيم الإنسان والحضارة. وتحرق كل أمل في إصلاح هؤلاء الذين تقول كل مرة عنهم، إنه من الممكن أن نلتقي بما نشترك به معهم.

الحياة تمر بمنحنيات وبتعرجات.
وتحوّل معيشي يراكم الأيام المتتالية، حتى أصبحت الأيام سنوات وغدت تاريخاً. ولأن التاريخ يحوي في باطنه كل شيء، فإن تجربة العقد والعقدان بهم يحتويان على كل تفاعلات وجودنا كأفراد وكجالية.
لقد أخذنا من الحياة المرارة في وجه والسعادة الخانقة في وجه آخر، لذا لايهم أن يكون الشتاء القادم باردا أو قاسيا جدا في جليده أو ثلوجه، لأن الثلج والجليد أصبحا جزءا من ثقافة حياتنا وتراثنا الإغترابي الكندي المعاصر. وعلى الأقل يحمل الثلج صفاء قد لا تستحمله بعض القلوب المشوبة بالسواد، القلوب التي لا تحمل في داخلها إلا ترسبات الحياة في البقع الصحراوية، حيث كثافات البشر لا تعني إلا فردية الأنا، وارتجال اللامعقول، ومؤلفات في تقنيات الكذب والمجاملة والغيرة والحقد، بما لا يترك أي مجال لبناء صلب تكون به المصداقية الأساس الأول والأخير.
أهلا بك أيها الشتاء، قاسيا كنت أم ناعما. أهلا بك في صفائك الشمالي الحضاري الذي لا يعرف الكذب وتفاهات التافهين.
***
أدهشني بوقاره، وفاجأني بهدوئه، واحترمت تاريخه. إنه رياض الترك، الشيوعي الذي أمضى سبعة عشر عاما في سجون الوطن. أمضاها لأنه اختلف بالرأي مع النظام السياسي القائم. كنت أتوقع أن يتكلم عن معاناته، عن حكايته مع الأيام المتراكمة أو مع الجدران الباردة. كنت أتمنى أن يحدثني عن معنى العزلة الطويلة لسنوات وسنوات. لكنّه أبى، أبى وأصرّ على الحديث عن الواقع وعن الوطن، عن حبه له وطريق الخلاص الذي يمنع عنه الدمار والخراب.
تأملت الرجل كثيرا، تأملته بحب إنساني كونه كان وما زال صادقا. كونه كان وما زال صاحب قضية.
لا يهم إن لم أكن من حزبه، أو من حزب أي فئة أخرى في سورية.
لا يهم إن كنت أختلف معه في تصوره ومبادئه في السياسة والحياة، لكنني، ومن وطني الجديد،
تعلمت أن احترم الإنسان، وإن اختلفت معه.
تعلمت أن للإنسان الفرد حقوق في الحياة والمجتمع والدستور.
تعلمت أنه آن الأوان، ولكافة الدول العربية، أن يكون للمواطن حقه الأساسي والأول، حقه في التعبير عن رأيه، حقه الإنساني في الإختلاف، والمساواة مع أبناء وطنه... حقه في العيش بأمان وسلام.
وجدت في رياض الترك أن الإنسان قادر على تجاوز الغير. يتجاوزه في سبيل مبدأ إنساني وحضاري عظيم..
وجدت أن الوطن الموجود في القلب والعقل، موجود في الأداء اليومي، وفي أي موقع اتفقت المواقف أم اختلفت.
***
جميل صوت الهاتف عندما يرن صباح الجمعة من كل أسبوع مذكرا بواجب التفاعل الثقافي المجرّد.
لم يكن هما أن تكون اللوحة جاهزة، أو غير جاهزة، المهم في الأمر أن يستمر التقليد كقهوة الصباح.
كان ومايزال محورا لشريط الولادة الأولى للصحافة والثقافة المكتوبة في مونتريال،
كان الصديق في أول التجربة، وأصبح الأخ الحبيب، المعذّب في شؤون الحياة إلى أبد الآبدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات