الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاملات في صيف حار

حيدر عوض الله

2010 / 3 / 4
القضية الفلسطينية



تزداد القناعة يوماً بعد يوم بإمكانية أن تفتح إسرائيل صندوق "باندورا" (صندوق الشرور) في المنطقة. فالسلوك الإسرائيلي في معالجة التعقيدات السياسية المتصاعدة في المنطقة، أشبه بسلوك الولد الأزعر المتحلل من كل عرف أو قيم تضبط سلوكه، لم لا، فحتى الآن ينشغل العالم بتطويق هذا السلوك وليس بتربية هذا الفتى الأزعر، وتحميله نتائج أفعاله. ولا أعرف، أو نعرف، متى ستتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن أن ترى في سلوك ربيبتها إسرائيل صورة ماضيها العزيز!!!
تتصاعد طبول الحرب والتصعيد في المنطقة بوتيرة متسارعة، والهدف غير المباشر هو رأس القضية الفلسطينية، أي تصفية مضمون الدولة الفلسطينية المستقلة، ولإنجاز هذا الهدف لا بد من هدف كبير يثير استهدافه حقلاُ واسعاً من الدخان والتداعيات التي سيجري تحت غبارها إعادة ترسيم موازين القوى في المنطقة، أي شرق أوسط جديد بمضمون وبقوى فاعلة جديدة .الهدف الكبير هو إيران، "رأس الدومينو" الذي ستنهار على أثره كل القوى المسنودة بهذا الدومينو. ومن المؤسف القول إن مناعة هذه القوى والدول المستهدفة ضعيفة، مهما علت صيحات التوعد والوعيد، ومهما ازدادت الصور التلفزيونية والمسرحية لممثلي هذه الدول والقوى. ولا يعود ضعف هذه القوى والدول إلى ازدواجية معايير الدول النافذة تجاهها، فقط، وإنما، أيضاً، بسبب التداعيات الداخلية لإشكالات الديمقراطية فيها، وتقلص القاعدة الشعبية لأنظمتها. ولقد علمتنا التجارب المريرة السابقة كيف تتداعى أنظمة ودول بدت راسخة وعصية على الكسر، ثم انهارت ككومة من الكرتون المقوى.

تصدع حل الدولتين

بالرغم من القناعة الدولية الراسخة بحل الدولتين، إلا أن هذه القناعة لا زالت بعيدة كل البعد عن التحول إلى خطة ملموسة وواضحة يجري تنفيذها، فالأوروبيون، كالعادة، يقدمون أفكاراً سرعان ما يجري التخلي عنها أمام أي ضغط أمريكي مهما بلغت قوته، أو أية ممانعة إسرائيلية، مفضلين العودة إلى القاعدة السياسية التي تحيل للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مسؤولية الوصول إلى اتفاق؟ وكأن ستة عشر عاماً من المفاوضات الثنائية لم تقنع المجتمع الدولي باستحالة التوصل إلى تسوية في ظل سلوك إسرائيلي نسف وينسف من الجذور ركائز وأسس العملية التفاوضية ذاتها، ليس هذا فحسب، بل وفي ظل قضم إسرائيل المتدرج لجوهر العملية السياسية برمتها؛ أي الأرض.
المعادلة اليوم أضحت واضحة تماماً، وكل حديث عن مفاوضات ثنائية أو غير مباشرة هو مساهمة غير مباشرة، مقصودة أم غير مقصودة، في تمكين إسرائيل من ذبح الأهداف الوطنية وتفريغها إلى مستوى حكومات ذاتية، تدير شؤون سكانها واحتياجاتهم على أقل قدر ممكن من الأرض. ومن المثير للامتعاض، حقاً، تجاهل الأطراف الإقليمية لهذه الاستراتيجية الإسرائيلية. لقد اتخذ الفلسطينيون قراراً استراتيجياً بسحب مساهمتهم في مشروع عملية تفاوضية تؤدي إلى خسائر فادحة لهم. وحتى هذه اللحظة لا يوجد ما يدعو إلى مراجعة سحب هذه المساهمة، أي وقف المفاوضات مع طرف يستعملها غطاءً لعملية نهب منظم وواسع للأرض الفلسطينية.
ولكن هذا الموقف الرسمي كان من الطبيعي أن يتآكل، لأنه لم يسند بدعامتين: الأولى: حملة دبلوماسية وسياسية مكثفة ومتواصلة تنشط باتجاه تأمين اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية وحدودها استناداً إلى قرارات ذلك المجتمع الدولي نفسه.
الثانية: تصعيد المقاومة الشعبية والسلمية، والدخول في عملية تدريجية لفك الارتباط بالاحتلال، من زواية الالتزامات الأحادية الفلسطينية معه.
سيدفع الشعب الفلسطيني ثمن هاتين الدعمتين، بلا شك، وستجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام ضغط أمريكي وابتزاز إسرائيلي يهددان مكانها ومكانتها وسلطتها، والسؤال المطروح على الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها: هل يمكن دفع هذا الثمن؟! وما هي المخاطر المحدقة بمثل هذا الخيار؟
الخفة هنا، والبلاغات الخطابية لا تجدي، لأن قراراً من هذا النوع ستترتب عليه آلام كبيرة ومخاطر أكبر سيتحملها الشعب الفلسطيني برمته.
لقد تآكل حل الدولتين بصورة خطيرة جداً، ولا يعتقدن أحد من الفلسطينيين أنه يمكن العودة بسهولة إلى طرح حل الدولة الواحدة، لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن. والسؤال المطروح على الفلسطينيين: ما العمل؟
الحل الوحيد، برأيي، يبقى خيار الدولتين رغم تآكله، وهذا الخيار على سهولة القول به يحتاج إلى تضحيات كبيرة وجسيمة، والاستثمار فيه مكلف لكنه مجزٍ. ويتطلب منا قبل غيرنا بالاستناد إلى الدعامتين السابق ذكرهما إدارة هذه التضحيات وكلفتها بطريقة مؤثرة وفاعلة ومجدية، إذ إن تكرار تجربة الانتفاضة الثانية وأشكالها لن يقدم لنا سوى تضحيات مجانية بخسائر سياسية فادحة وخيبات أمل ثقيلة. إن انتهاء حل الدولتين يعني، في إطار المعادلات الدولية الراهنة والترتيبات الإقليمية المنوي إحداثها بقوة النار، انهيار الحركة الوطنية الفلسطينية والكيانية السياسية للشعب الفلسطيني، وتحويله إلى كتلة سكانية يجري تأمين احتياجاتها المباشرة من قبل سلطة حكم ذاتي يجري توسيع أو تقليص سلطاتها تبعاً للشكل الجديد الذي سيتخذه تدهور الوضع الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات