الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟

حامد حمودي عباس

2010 / 3 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


القوى الناعمه ، تسمية يطلقها ذوو الاختصاص على شتى انواع النشاطات الفكرية ، والساعية من خلال انتشار فعالياتها الى نشر الوعي الثقافي عموما من خلال نشر كتاب أو عرض مسرحية ، أو ترويج فلم سينمائي هادف ، الى بقية الاسهامات الاخرى مما يعتبر ابداعا انسانيا نافعا من شأنه أن يحرك ، أو يحاول تحريك ، الوعي لدا الجماهير المتلقية وباتجاهات قد تكون مفيدة ، أو لا تكون .
هذه القوى ، والتي تشكل العصب الحساس في ضمير الشعوب. . تبدو هي الاكثر تأثرا بما يحل في الوقع الاقتصادي العالمي من أزمات .

ومبلغ تأثر تلك القوى بالواجهات الاقتصادية المضطربة ، سواء على النطاق المحلي أو العالمي ، يتحدد ، وتبدو ملامحه واضحة للعيان ، عندما يتعلق الامر بما يقدم لمصادرها من تمويل مالي يعتبر من ظروريات وجودها على الساحه .. ففي الوقت الذي بدأ العالم برمته يتحرك وبوتيرة متسارعة ، لانقاذ ما يمكن انقاذه ، من المؤسسات المالية المشرفة على الانهيار بسبب الازمة التي اصيب بها النظام الرأسمالي العالمي مؤخرا ، فان القوى الناعمة ، والمتظررة هي الاخرى من نتائج تلك الأزمه ، لم يلتفت لها احد بسبب عدم ضمان مردودها الاقتصادي ، وعدم رواج عملية تسويقها وبقوة عرض مفيده .. وأنا هنا اتحدث فيما يخص منطقتنا العربية بالتحديد . . حيث أن مؤسسات الاستثمار ، سواء المحلية منها او العالميه ، لم تعد لها ثقة بعينها ، من ان أية فعالية ثقافية او فكرية في العالم العربي سيكون لها مردودها الاقتصادي بما يعيد لتلك المؤسسات رأسمالها مضافا اليه ما تصبو اليه من ربح .

إن أية نظرة تعتمد على ما يوفره الواقع الثقافي في البلدان العربية ، ستوصل الباحث الى أن الحياة الثقافية لدا شعوب هذه البلدان ، قد سادتها ظاهرة الانحدار وبشكل مريع ، بل ان تراجعا مستمرا لا زال يشكل ملامح جل النشاطات المتعلقة بنشر الوعي ، كونها أصبحت تجابه مصدات منيعة تتمثل بالعزوف عن القراءة عموما في اوساط المجتمعات العربية ومن كافة المستويات .. وكردود فعل طبيعية لهذه الظاهرة غير الطبيعيه ، راحت مكتباتنا الخاصة ، متخصصة بعرض كتب فنون الطبخ ، وتعليم الصلاة ، وفك طلاسم السحر، ومنذ زمن ليس بالقصير ، في حين اغلقت المكتبات العامه ، والعامرة بالكتب الجادة ، ابوابها لقلة الوافدين لزيارتها الى حد كبير .. وحصلت قطيعة شبه تامه ، بين واقعنا الثقافي وما ينضح به الفكر العالمي المتجدد ، ناهيكم عما نعانيه من نقص حاد في مجالات العطاء العلمي المتخصص ، واعتمادنا كليا في هذا الجانب ، على ما يقدمه لنا الغرب المتطور .

من هنا ، فان مؤسساتنا الثقافية ، أضحت بعيدة عن اهتمام المستثمر ، أيا كانت جنسيته ، بسبب الضمور الحاصل في اوصالها ، وابتعادها عن المواقع المؤثرة في وعي الجماهير .. وبذلك فقدت تلك المؤسسات ، المحرك الرئيسي لفعالياتها من حيث الدعم المادي باعتباره الاكثر تأثيرا في عملية دفعها الى أمام .

ترى مالذي حصل .. وما هي الاسباب المباشرة وغير المباشره ، لكل هذا التردي الثقافي ، وازدياد وتائر التراجع في مديات الوعي لدا الفرد في منطقتنا ، الى الحد الذي اصبح فيه ، تعاطي الثقافة نوع من أنواع البطر غير المقبول ؟ .

يقول الكاتب السعودي ابراهيم البليهي ، في معرض حواره مع مقدم برنامج إضاءات التلفزيوني المعروف ، ما مضمونه ، بانه من سمات التردي الثقافي العربي ، هو افتقار أغلب الكتاب والباحثين العرب لوسائل التواصل مع الفكر الحديث ، فعمدوا الى البحث في بطون كتب التراث القديمه ، كالعقد الفريد والاغاني وسواهما لتفسير ظواهر الحياة الحديثة وتحديد معالم المستقبل .. فكما أن المتتبع الواعي لا يرغب في حياته الحاضرة على ركوب الحمار في تنقله اليومي ، ورغبته في استخدام مكتشفات العلم الحديث لوسائل النقل ، فانه عليه ، أن يركن الى الاستفادة في خلق وعيه الجديد من ذات الاوساط المتقدمه ، والتي وفرت له ما يجعله يتنقل بين بقاع العالم في ساعات قليله .

إذن .. فنحن امام طرفين من محاور البحث ، علينا أن نختار من بينهما ما يوصلنا لغاياتنا في بناء حضارة جديدة ، الاول هو ذلك الارث الثقيل مما تركه لنا الاوائل من فكر ازدحمت به بطون الكتب ، وحيكت من خلاله آلاف الافكار المبنية على أسس كانت في حينها صلدة تحمل من يقف عليها دون ان تنهار ، ثم أضحت ضعيفة الهيكل ، لا تقوى على مواصلة الصمود امام سيل يتدفق بغزارة مما تفرزه الحضارات المتجدده .. والثاني هو ما نلمسه من توجهات تعتمد المنطق اسلوبا ، وتحترم قدرات الانسان العقلية ، فتهبه حق التفكير واستنباط نتائج تفكيره ذاك ، ومقارنتها بما يفرزه عقل الاخر للخروج بنتائج يفرزها الواقع لا الخيال .. نتائج تبدو مستقلة تماما عن كل افرازات الماضي البعيد ، ولا يقدس فيها رأي لأحد على حساب أحد ، ولا يحتل فيها المقدس مكانة تبيح له صد العقل ، ومنعه من ان يأخذ مداه الطبيعي في تغطية محيطه بافرازات نشاطه الابداعي المتواصل .

إن أية محاولة للجمع بين الاسلوبين ، الاعتماد على ماهو قديم وماهو جديد في استقراء شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصاديه ، لهو من دواعي الاستخفاف بالعقول ، سيما وانه سيؤدي في نهاياته المحتومه الى تغليب معطيات الماضي على الحاضر من الافكار .. وهذا ما عمد له الكثير ممن سعوا الى تجميل إرثنا المنقرض ، حينما حاولوا مجانسته قسرا مع ما يجري من زحف متسارع لاركان بناء الحضارات المتقدمة في العالم .

وتأسيسا على ما تقدم ، فانني أرى دائما ، بأن البقاء في ذات المحور ، والذي يبقينا ندور في مكان واحد ، ننبش إرثا ميتا من الافكار والاحداث ، لكي نثبت لانفسنا أو لغيرنا ، صحة او عدم صحة مذاهبنا الفكرية عموما ، هذا البقاء ، هو الذي جعل من حاضرنا يتيما بحق ، وهو الذي سلب منا القدرة على معرفة ما ينتظرنا من مصير وعلى مدى الاجيال القادمه ، وهو الذي ادى أيضا الى ان تكون محصلة القوى الجاذبة الى الخلف في حياتنا ، اكبر عزما من تلك القوى الدافعة الى امام كما هو الحال عند بقية الامم المتقدمه .

وكحصيلة حتمية لما نحن فيه من تردي ، جراء هذا الارتباط المجحف بالماضي والاقتداء بسير السالفين من ألأجداد الى حد الثماله ، فقد ماتت عندنا القوى الناعمه .. واصبحت لا تمثل في واقعها ابعد من تكرار ممل ، تلاك من خلاله احداث تشبعت عيوننا وادمغتنا بما افرزته من معاني .. فتجدنا نشاهد ذات الافلام المكررة يوميا ، ونقرأ ذات الكتب ، وتتكرر من حولنا وبشكل ممجوج ذات المعطيات الفكرية المعجونة بالمصطلحات السياسية القديمة الحديثه .. وبات فرسان الخطابة لا يبرحون اماكنهم من على شاشات التلفاز ، وهم يمطروننا بجمل مرصوفة الكلمات لم نعثر على غيرها في احاديثهم ولعقود مضت ، دون احداث أي تغيير منظور في حياة الناس .

هكذا ، وبهذه الطريقة ، نفقت قوانا الناعمه ، لتصبح جثثا هامدة لا حراك فيها ولا حياة ، ولكونها بدت عاجزة عن العطاء النافع ، وأظهرت عدم قدرتها على احتلال مكانة مرموقة في سوق الاعلام ، فقد تخلى عنها المستثمرون ، وبذلك غاب عنها الدعم المادي الضروري لتصبح بلا غطاء ولا مسوغ .. وما بقي منها ماهو الا عارض لأجندة خاوية المعاني ، يغرد من خلالها اصحابها خارج سرب البشرية المتحضره ، ومصيرها حتما سيكون الى الانكفاء ، ومن ثم الزوال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفرق
فاتن واصل ( 2010 / 3 / 4 - 20:03 )
الفرق بين صناعة التاريخ ومن ثم التنبؤ والمشاركة فى صنع المستقبل و بين قراءة التاريخ لتفسير الحاضر وطلاسمه ومن ثم مباركة الواقع ومحاولة الدعاية له وتبريره .. فرق كبير .. عدت لتوى من احد بلاد العالم الأول، أصحاب القوى الناعمة لديهم قادرون على الحلم والمؤمنون بحلمهم يؤمنون أيضا ان هناك يوما سياتى ليصبح فيها هذا الحلم حقيقة .. وهكذا يصنعون التاريخ الذى يرغبونه بأيديهم ويتنبئون بمستقبلهم
من ممن لدينا من اصحاب القوى الناعمة عنده القدرة على الحلم والانطلاق بعيدا عن الأرض فى فكر لا سقف له .. وكم حوله من المؤمنين بحلمه !!! أظن لا يوجد كثيرين .. أصحاب القوى الناعمة لدينا مغرورون توقف نموهم، لم يطوروا انفسهم ليستطيعوا أن يتواصلوا مع الآخرين عن طريق لغة العصر ليقدموا لعالمهم أحلام يصنعون بها التاريخ أو يتنبئون بمستقبل، أستاذ حامد أظن ان حجم يأسى فاق التصور وأخشى أن أكتب أكثر فأكون عنصر سلبى قد لا ترغب فى وجوده لذا سأكتفى وأشكرك على إتاحة الفرصة من خلال مقالك الرائع هذا.. دمت قلما ثائرا


2 - القطيعة
عبد القادر أنيس ( 2010 / 3 / 5 - 12:34 )
تقديري أن هذا التراوح في المكان وعلى جميع الأصعدة وهذا الانسداد المحير مرده إلى عجز نخبنا وعلى فترات تاريخنا الحديث عن إنجاز القطيعة الحقيقية مع أثقال الماضي. نعم عرفنا محاولات لكنها لم تكن بالعمق والتأثير المطلوبين في أواسط الناس وكان عيبها الكبير هو أنها توفيقيتها بين المتناقضات: بين مطالب الحرية وعوائق الاستبداد، بين القديم والحديث، بين الحداثة والمعاصرة، وغيرها من الثنائيات التي لم نسحم أمرها .
لعلنا هنا نشبه ذلك السجين الذي يحاول الهروب وهو يجر وراءه كرة حديدية ثقيلة لا تسمح له بالانطلاق بالسرعة المطلوبة للانفلات من سجنه.
المأساة الملهاة في هذا الدراما الهزلية أن قوى التخلف والرجعية نراها اليوم الأسرع في استغلال تكنولوجيا الإعلام مقارنة بالقوى التي تزعم الحداثة.
تحياتي على مقالك التنويري

اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له