الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدول الضرب وحجر الضب الخرب

حسن الشرع

2010 / 3 / 4
الادب والفن


انقل لكم ماورد في مختار الصحاح للرازي بشأن الفعل ضرب...(ضربه)يضربه (ضربا).و(ضرب) في الأرض يضرب(ضربا) ومضربا بفتح الراء أي سار لابتغاء الرزق،يقال:ان في الف درهم لمضربا أي ضربا، وضرب الله مثلا أي وصف وبين ، وضرب الجرح (ضربانا) بفتح الراء.و (أضرب) عنه أي أعرض. و(تضاربا) و(أضطربا) بمعنى. والموج (يضطرب)أي يضرب بعضه بعضا. و(الأضطراب) الحركة و(أضطرب أمره)إختل, و(ضاربه )في المال من المضاربة وهي القراض. و(الضرب) الصنف.ودرهم (ضرب) وصف بالمصدر.
كما يمثل احد الافعال القياسية اي الابواب حيث تجري عليه مقايسة الافعال الاخرى ،فهو يمثل الباب الثاني فعـل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع. لا احد اذن يجادل في اهمية الضرب ودلالاته وتنوعها واهميتها.
لا علم شيئا عن هذا الفعل وستخداماته ومعانيه في اللغات الاخرى ،غير انني اعرف ان هناك عدة الفاظ في اللغة الانكليزية (التي اجهل عنها اكثر مما أعلم)تترجم جميعا الى الضرب في اللغة العربية .فهاك على سبيل المثال :
Beat,strike,hit، اعتقد أن وجود عدة كلمات في لغة بما يضعها في كلمة واحدة بلالة واحدة في لغة اخرى ربما تعكس اهمية كبيرة لذات الدلالة في اللغة الثانية،وهنا تكمن الاهمية التي توليها الثقافة العربية بدلالة اللغة للفعل ضرب ويمكن ان يتم التوسع في هذا المعنى اذا ذهبنا الى الاستخدامات العامية الشعبية للفعل والتي تعد مقياسا اكثر حساسية لهذا النوع من الاستدلال. لقد تعددت معاني الفعل ضرب في الاستخدام الشعبي العراقي الى ما يفوق الاستخدام اللغوي الفصيح على اتساعه كما رأينا،فهذا مضروب بوري (اي مغشوش)،وذلك برنامج او قرص مضروب (اي عاطل) وذلك السلك ضارب(اي متصل خطأ)وغيرها الكثير ،حتى ان الامر تعدى ذلك ليصل الى ايماءات لا نريد حتى الاشارة اليها!.
لا اعرف بالتحديد لماذا يحمل جدول الضرب هذا العنوان..فاللغة الانكليزية لا تشير الى هذا المعنى من بعيد او قريب على الرغم من كثرة الالفاظ لمعنى الضرب كما رأينا ،فهم يسمونه (table of multiplication)اي جدول المضاعفة (ان شأت الترجمة الحرفية).
فعملية الضرب ماهي الا عملية جمع مكررة ومتكررة.اي مضاعفة ،على انني اعتقد ان الاستخدام والترجمة يمكن ان تكون قد اتت للادبيات العراقية عن طريق جهود المترجمين المصريين ربما في بداية القرن الماضي،حتى ان الاخوة المصريين يلفضون رمزالضرب وعلامته(x) بكلمة ضرب فهم يقول مثلا 6 ضرب 9
وعلى نقيض الفعل ضرب ياتي الفعل (أكل)بمعنى واحد او معاني تشير الى دلالت متصلة منطقيا ومصدريا.لقد ورد عند الرازي في مختار الصحاح بهذا النص (أكل)الطعام من باب نصر و(مَأكَلاً)أيضا و(الأَكلَةُ)بالفتح المرة الواحدة حتى تشبع وبالضم) اللقمة الواحدة وهي ايضا القرصة.و(الإكلة )بالكسر الحالة التي يؤكل عليها كالجلسة والركبة . و(الأُكُل)ثمر النخل والشجروكل (مأكول)أُكُلُ ومنه قوله تعالى "أُكُلُها دائِم"ورجل (أُكَلة)بضم الهمزة وفتح الكاف)بوزن همزة أي كثير الأكل ،و(آكله إيكالا)أطعمه.و(آكَلَهُ مُؤاكَلَةً)أكل معه فصار أفعل وفاعل على صورة واحدة ولا تقل واكله بالواو .ويقال (أكلت النار الحطب) و(آكَلَها)غيرها الحطب أطعمها اياه . و(المأكل)الكسب و(المأكَلة)بفتح الكاف وضمها الموضع الذي منه تأكل يقال اتخذت فلانا مأكَلة .و(الأكولة الشاة التي تعزل للأكل وتسمَّن واما (الأَكِيلة) فهي (المأكولة)يقال هي أكيلة السبع وإنما دخلته الهاء وإن كان بمعنى مفعول لغلَبة الاسم عليه .و(الأكِيل)الذي يؤاكلك وهو ايضا الآكل وقد (ائتَكَلَت) أسنانُه و(تَآكَّلَت)وهو (يَستَأكِل)الضعفاء أي يأخذ أموالهم.وفي اللغة الإنكليزية فهذا الفعل ياتي بعدة الفاظ ايضا كما هي الحال في ضرب وهي eat,have,take على الرغم من أن eat تختص بالمعنى المقصود أكثر من اللفظين الآخرين.
إن لمن المثير حقا الملازمة المعنوية بين الفعلين في الاستعمال الشعبي العراقي بما يجعل أحدهما يعني الآخر وما أكثر الامثلة في هذا المورد ،فعندما يتعرض شخص الى الضرب ،يقول العراقيون (أكلها)،وعندما يشبع أحدهم في وجبة عشاء مثلا يقال عنه(ضرب العشا)،ومن الأمثلة الأخرى ما يرد في الأستخدام اللغوي الشعبي للفعلين اثناء العاب الشطرنج والدومينو والنرد والطاولة وغيرها حيثما يقتضي مقام الضرب يستخدم الأكل والعكس صحيح.لقد بالغنا في إستعمال الفعل كثيرا فلم نجد حرجا في تعدي حاجاتنا البايولوجية وصولا الى حالة الرهبة والشقوة أوالرغبة والشهوة هنا لابد من الإشارة والتذكيرالى كلا من الضرب والأكل يأتي في مقام الرمز والاستعمال الإعتباري وليس الفعلي بالطبع.
لا بد ان هنالك اسبابا تتعلق بالحضارة وعلاقتها باللغة ،لكنني أظن بأن الاسباب الرئيسية قد تكمن في البداوة أو البدائية التي تتضمنها السلوكيات التي يشير اليها الفعلان،والحق اني لست مطلعا على أنماط الأستعمال للفعلين في اللغات الأخرى،كما اني قد أكون بالغت في تحميل الموضوع أكثر مما ينبغي ،لكنني مازلت استمع الى (مثقف السماوة )في انتقاده للخدمات في محافظته حيث يصف المسؤولين بانهم (اللواتي أكلونا) ويختم الرجل..وزير التجارة (ماكلنا).تختفي جميع الافعال الأخرى في انقاداته ... من شاهد التغطيات التي قامت بها بعض القنوات لمراسيم زيارة اربعينية الأمام الحسين(ع)وغيرها من المناسبات يرى معظم الذين تلتقي بهم الكاميرات والمايكروفونات يشير الى الموضوع ذاته :الأكل موجود كثيرا.
يوجد عندنا جدول للاكل نتناول بموجبه وجباتنا أو لا نعمل في احيان كثيرة ويوجد على ظهر كراسات اولادنا المدرسية جدول للضرب حفظناه نحن الكبار ويعاني منه الصغار وأحيانا الكبار ،في احدى حلقات (تحت موس الحلاق)لا يتردد الفنان راسم الجميلى وهو يقوم بدور التلميذ الكبير في السن بمدرسة لمحو الأمية ،لايتردد في كشف الصعوبة الكبيرة التي تواجهه في عملية ضرب الاعداد أثناء الحوار مع زوجته إذ يقول (هذا في في...)،وفي سجوننا العريقة والزاخرة ،يتعلم السجناء في الدرس الاول (بل التمهيدي) كيف يضربون من أجل مهمات أكبر وأكثر سينوؤن بها عند أقامتهم الميمونة وربما بعد ذلك إذا إقتضت الحاجة ولابد انها ستقضي حتما!أما الأكل عندهم فجدوله رهين بجدول الضرب وجدول الاعترافي (الطوعي طبعا!)وجداول عمل اللأخرين،في الداخل والخارج،وبعبارة ؟أخرى فأنهم يأكلون ليضربوا.
أتساءل ،ونحن ندخل العقد الثاني من ألفية الميلاد الثالثة ،أما آن الأوان أن نغير جدول الضرب ويكون الأكل عندنا من أجل الحياة ؟إن كان لنا في ذلك من نصيب فلا بد من ان نهتم بالمرتكزات الأخلاقية في ثقافتنا العراقية وأن لا يطول لهاثنا وراء الآخرين ممن لا يعرفون غير (لا تشتري العبد إلا والعصا معه)أو صيد الضب وسرقة الفرس ثم ذبحها وشيها وليمة لضيف مفترض تكريما له ولقومه الناهبين والمنهوبين (المحوسمين)بالحركتين .ثم نحتار بجحر ضب خرب!.و أهم ما في الموضوع ان نتحلى بالخلق الفاضل قبل ان نحار في من خرب أهو الجحر أم الضب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07