الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل «تعلّق قلبي» لاٌمرئ القيس؟- ثالثاً

رياض الحبيّب

2010 / 3 / 5
الادب والفن


وبالعودة إلى مداخلة الأستاذ ماجد جمال الدين، قال: (وكما أن الشطرنج نفسه- كما أعتقد- لم يرد إلى ألعرب قبل أٌلإسلام بل في ألعصر ألأموي وألعباسي بعد إحتلال ألعرب ألمسلمين للبلدان ألحضارية في ألعراق وألشام) فأقول: معلومٌ أنّ الإمبراطوريّة الساسانية قد امتدّ نفوذها إلى اليمن جنوباً؛ نقرأ عنها في ويكيـپـيديا:
{إنّ معديكرب سيف بن ذي يزن الأخ غير الشّقيق لملكِ اليمن، الذي خلعه الملك الحبشي أبرهة، طَلبَ إلى الملك كسرى الأول حوالي سنة 570 م المساعدة لخلع ملك الحبشة مسروق بن أبرهة الذي يحكم اليمن وتولّي العرش مكانه، فأرسل الملك كسرى الأول بسرعة جيشاً صغيراً بقيادة فاهريز إلى اليمن قُرْب مدينة عدن الحالية، ورافق معديكرب الحملة الفارسية، وانتهت المعركة وأصبحَ ملكاً في وقت ما بين سنتي 575 و577 م. هكذا كسب الساسانيون حليفاً لهم في اليمن... إلخ} انتهى.
لكنّ اللافت هو وجود اتصال بين العرب وبين الساسانيّين قبل سنة 570 ما مكّن معديكرب من طلب دعم الملك كسرى الأوّل وأنّ الإتصال- تخميناً- يدلّ على وجود تبادل ثقافي وتجاري. وبالعودة إلى صفحة ويكيپيديا عينها نقرأ أيضاً:
{واٌنحدر الاتصال الثقافي بين بلاد فارس والهند إلى أدنى مستوى له خلال تلك الفترة، لكنْ بقِيَ شيء ما منه هناك؛ على سبيل المثال: استورد الفرس من الهند لعبة الشطرنج وغيّروا اسم اللعبة من شاطورنجا إلى شطرنج وفي المقابل، أخذ الهنود من الفرس لعبة الطاولة. وخلال فترة حكم الإمبراطور السّاساني كسرى الأول تمّ استيراد العديد من الكتب من الهند وترجمتها إلى (البهلوية) اللغة الرسمية للإمبراطورية... إلخ} انتهى.
ما تقدّم يعني أنّ الشطرنج كان معروفاً في الأقلّ في أماكن نفوذ الساسانيين الذي امتدّ بقدرٍ ما إلى حدود الصين شرقاً وإلى حدود من أوروبا وأفريقيا غرباً وفي بعض أماكن نفوذ الرومان. وفي هذا الكلام تأييد لما تفضّل به الأستاذ فيصل البيطار بقوله (العرب لم يعرفوا لعبة الشطرنج إلا بعد إحتلالهم العراق وهي التي وصلتهم عن طريق الساسانيين هناك) فقلت: رُبّما تعلّم اٌمرؤ القيس (وهو من العرب) لعبة الشطرنج إمّا في موطنه الأصلي من طريق التبادل الثقافي والتجاري مع الهند والتي عُرف فيها الشطرنج خلال عهد الإمبراطورية الگپتيّة سنة 320-550 م أو في مناطق نفوذ الساسانيين غربيّ بلاد فارس وتحديداً في العراق والشآم ما قبْل احتلال العرب- المسلمين. فإنّ ما أريد الوصول إليه هو الربط بين حبّ امرئ القيس للّهو واللعب- النرد مثالاَ- وبين تنقلاته خارج شبه الجزيرة كما في سيرته، ما يدعو إلى استنتاج منطقي في خلال اغترابه: هو استحسانه الشطرنج كلعبة جديدة- له- ووسيلة لهْو ولعب وترفيه أرقى من النرد فكريّاً وأوسع. فاقتطفت من سيرة امرئ القيس المدوّنة بتفصيل في موقع "واحة المعلّقات" المكتوب رابطها أدنى:
{لعلَّ يصحّ الاستنتاج أنّ اٌمرأ القيس لم يذهب إلى القسطنطينية إلا بعد عام 561 م بعد انتهاء تلك الحروب وبعد عودة أنطاكية إلى الروم، لأن طريق رحلته إلى القسطنطينية تمرّ في تلك المناطق التي لن يجتازها وهي بأيدي أعدائه من الفرس وأنصارهم من العرب. وقد وفَّر امرؤ القيس لنفسه دليلاً على الطريق التي سلك في تلك الرحلة في قصيدته "سما لك شوق بعدما كان أقصرا" وفيها يذكر بلاد الشام التي مرَّ بقراها ومدنها كحوران وبعلبك وحماة ومنها إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية الشرقية. ومن هنا تميل الباحثة [ليدي آن بلنت] إلى تحديد تاريخ وفاة امرئ القيس، التي تجمع الروايات أنها حدثت في طريق عودته من القسطنطينية، بين عام 563م و 564م وقبل عام 565 م- وهو تاريخ وفاة يوستنيانوس} انتهى
ولعلّ الذي يؤيّد ما تقدّم {أي تغرّب امرئ القيس ما بين الشآم والقسطنطينية} هو في الأقلّ ما وردنا من قصيدته (ص 45-49) التي يصف بها توجّهه إلى قيصر مُستنجداً على بني أسد- من الطويل- ومطلعها:
أرى أمّ عَمْـرٍو دمْعُها قد تحَدّرا *** بُكاءً على عمـرو وما كان أصبَرا
والتي اقتطف منها: ولو شاء كان الغزو من أرض حِمْيَرٍ *** ولكنّه عَمْداً إلى الرّوم أنفرا
يقول الأب لويس شيخو: {قوله (ولو شاء إلخ) كأنه يُقيم العُذر لنفسه في استجارة ملك الروم واستغاثته به على بني أسد دون أن يغزوهم من اليمن فيقول: لو شئت لغزوتهم من أرض حِمْيَر بقومي ولكني أردت التشنيع عليهم} انتهى. قلت: إنما رأيتُ بأبيات هذه القصيدة أدلّة قاطعة على أنها لاٌمرئ القيس- على خلاف أيّ مشكك في نسبها إليه- ولا يُمكن أن تكون لغيره، لما فيها من علامات دالّة:
ألا هل أتاها والحوادث حُمّة ٌ *** بأنّ اٌمرءَ القيس بن تملِكَ بَيقرا (ويُروى جَمّة)
تذكرتُ أهْلي الصّالحين وقد أتتْ *** على خـَمَلى خُوصُ الرّكاب وأوجَرا
(ويُروى: على حَمَلٍ بنا الرّكاب وأعفرا. ويُروى: على جمَل منّا)
فلمّا بدتْ حَورانُ في الآل دونها *** نظرتَ فلم تنظرْ بعينيك مَنظرا
(يقول: لمّا جاوزت حوران فبدت في الآل ثمّ لم أرَ شيئاً أسَرّ به. ويُروى: والآل دونها)
تقطّعُ أسبابُ اللبانة والهوى *** عَشيّة جاوزنا حَمَاة وشَيزرا [تقطّعُ: أي تتقطعُ]
بكى صاحبي لمّا رأى الدربَ دونهُ *** وأيقن أنّا لاحِقانِ بقيصَرا
(يقول المؤلّف: صاحبه هذا عمرو بن قميئة اليشكري وكان مرّ ببني يشكر في سيره إلى قيصر فسألهم: هل فيكم شاعر فذكروا له عمرو بن قميئة فدعاه ثمّ استنشده فأنشده وأعجبه فاٌستصحبه امرؤ القيس. الدرب هو الطريق الذي يُسلك وإذا أطلق لفظ الدرب يُراد به ما بين طرسوس وبلاد الروم لأنه مضيق كالدرب... إلخ)
فقلتُ لهُ لا تـَبْكِ عَينُك إنّما *** نحاولُ مُلكاً أو نموتَ فنُعذرا (ويُروى: عيناك)
لقد أنكرتني بَعْلبَكّ وأهلها *** ولَاٌبْنُ جُرَيْحٍ في قُرى حِمصَ أنكرا
وما جَبُنتْ خيلي ولكنْ تذكّرتْ *** مرابطـَها من بَربَعِيصَ ومَيسَرا
ألا رُبّ يومٍ صالحٍ قد شهدْتُهُ *** بتاذِفَ ذاتِ التلّ من فوقِ طـَرطـَرا
[يذكّرني هذا البيت بما في معلّقة اٌمرئ القيس:
ألا رُبّ يومٍ صالحٍ لكَ منهما *** ولا سيّما يومٍ بدارة جُلجُلِ
ويقصد بقوله منهما (بحسب شرح الشنقيطي) أمّ الحويرث والرَّبَاب]
أمّا تاذف: من قرى حلب من ناحية بزاعة
ونشرَبُ حتّى نحسَبَ النخلَ حولنا *** نِقاداً وحتّى نحْسَبَ الجَون أشقرا
فهل أنا ماشٍ بين شرطٍ وحَيّةٍ *** وهل أنا لاقٍ حيَّ قيسَ بنِ شُمّرا
تبصّرْ خليليْ هل ترى ضوءَ بارقٍ *** يُضيءُ الدّجَا بالليل عن سَرْو حِمْيَرا

أمّا قراءة الباحث "تعلّق قلبي" كاملة وبشيء من التعمّق فيقوده إلى استنتاجات عدّة؛ منها أنها مكتوبة في وقت متأخّر من حياة امرئ القيس، ذلك بقوله التالي الذي يدلّ على حنين إلى أيّام كان يلهو فيها ويلعب:
لقد كُنتُ أسْبي الغِـيْدَ أمـرَدَ ناشِئـاً *** ويَسبـِينني مِنهُـنَّ بالـدَّلِّ والـمُقـلْ
ليَـالِـيَ أسْبي الغانِيـَاتِ بحُمَّـةٍ *** مُعَثـكـَلـةٍ سَـودَاءَ زيَّنـهَا رَجَـلْ
إلى قوله: ألا رُبَّ يَـومٍ قـد لهَـوتُ بدَلِّهَـا *** إذا مَا أبُوها ليلـة ً غابَ أَو غفلْ
فتِـلكَ الَّتـي هَـامَ الفُؤادُ بحُبِّـهَا *** مُهفـهَـفة ٌ بَيضَـاءُ دُرِّيَّـة القُبَـلْ

بقِيَ أخيراً أن أنوّه عن الشخصيّات التي كنيت باٌمرئ القيس أيضاً- جواباً على الفقرة الأخيرة في مداخلة الأستاذ فيصل البيطار بقوله (بل أن شخصية اٌمرئ القيس- وهم كثر- مشكوك بها أصلاً) فقد قرأت في واپـيديا Wapedia عن اثنين في الجاهليّة، كانا من ملوك المناذرة:
1 امرؤ القيس بن عمرو (الأول) بن عدي، هو ثاني ملوك الحيرة حكم في الفترة 295-328 م وأمّه هي مارية بنت عمرو أخت كعب بن عمرو الأزدي وهو أول من تنصّر من ملوك آل نصر.
2 امرؤ القيس بن عمرو (الثاني) بن امرئ القيس، هو خامس ملوك الحيرة حكم في الفترة 368-390 م بعد أبيه وهو المُسمّى محرق الأول، لأنه أوّل من عاقب بالنار.
_____________________

واحة المعلّقات- معلّقة امرئ القيس وسيرته وسائر شعراء المعلّقات بالإضافة إلى شروحها
http://www.almoallaqat.com/poemDescription.do?poemId=327

مقالتي القادمة: الحلقة الثانية من الشطرنج- تاريخاً وعلماً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة وأماني وخطط لمستقبل.. كيف تفاعل الفنانون السوريون مع سق


.. الخارجية السورية: العمل مستمر في جميع الممثليات الدبلوماسية




.. لما أحمد أمين وحمدي المرغني يمثلوا في فيلم واحد ?? يا ترى هي


.. السيدة انتصار السيسي وقرينة سلطان عُمان تزوران دار الأوبرا ا




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: على الحلوة والمرة أشت