الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل المقاومة العراقية الشاملة 2 -3 المقاومة العراقية و ضرورة الخروج من النفق

سلامة كيلة

2004 / 7 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المقاومة ضرورة، خصوصاً و أن العراق محتلّ، و ليس من خيار قادر على إزالة الإحتلال كما أوضحت كل تجارب العالم سوى المقاومة. حيث يؤسس الإحتلال لنشوء التناقضات التي تجعل المقاومة هي الخيار الوحيد، فهو – إضافة إلى أنه يهدر السيادة- يؤسس لنشوء مشكلات مجتمعية عميقة، لأنه يصيغ المجتمع بما يحقِّق مصالح الشركات الإحتكارية الإمبريالية، الأمر الذي يعزِّز النهب و بالتالي الإستغلال و الإفقار. كما أنه يمنع كل ميول التطوُّر المجتمعي التي تسمح بتطوير الدخل القومي و توسيع القوى المنتجة و تستقطب العمالة، مما يؤدي إلى تزايد البطالة و تعمِّق التهميش. إضافة إلى الفوضى و غياب الأمن و إنهيار البنية التحتية و إلغاء دور الدولة الرعائي.
بمعنى أن هدر السيادة يهدف إلى النهب الإقتصادي، و من أجل ذلك تتدمّر البنية التحتية و تحدث الفوضى نتيجة ممارسات الإحتلال لضمان تحقيق ذلك. لهذا تصبح المقاومة من أجل ضمان أمن الشعب و ضمان تطوُّر و وضع أفضل له هي الخيار الوحيد، و هي الضرورة التي يتأسس عليها الصراع الواقعي، و التي تفتح الأفق لتحقيق كل التحوُّلات الأخرى. لكن ليست المقاومة نزوة، بل أنها تنحكم لقوانين و رؤية و برنامج، و تقوم على مبادئ، كما أن لإنتصارها شروط و أسس. من هذا المنطلق يجب أن نخضع المقاومة في العراق للدرس، لأن وضعها بات يحتاج إلى وقفة و تقييم، من أجل تعميقها و تطويرها في سياق السعي لهزيمة الإحتلال الأميركي و تأسيس نظام ديمقراطي يعبِّر عن مطامح الشعب. و لاشك أن الأساس الذي يفرض ذلك هو غياب البرنامج و الرؤية من جهة، و إختلاط المقاومة و ممارسات القتل التي تطال المدنيين من جهة أخرى، و من ثمّ غياب الوضوح فيما يتعلق في إمكانية أن تصبح المقاومة الراهنة هي البديل. و يتوضَّح ذلك حين تناول القوى التي لعبت دوراً رئيسياً فيها خلال الفترة الماضية، و التي بدت و كأنها معاقة لأنها تثير الحساسيات أو الإلتباسات أو الخوف أو كل ذلك معاً. و من لا يستطيع رؤية ذلك لن يسهم في بلورة مقاومة شعبية جادة، و بالتالي لن يسمح بإنتصار المقاومة.
حيث يمكن تحديد المقاومة بعدد من القوى هي: " النظام السابق" و التي تشمل حزب البعث و قوى النظام في الجيش و المخابرات. و الصدريين الذين يمثلون إتجاهاً في الشيعة رغم أنه لا يقوم على أساس طائفي. و المجموعات الأصولية المحدَّدة لكن الغامضة ( أنصار الإسلام و القاعدة ...). ثم تشكيلات من أفراد و مجموعات وطنية أتت من الجيش السابق ( ضباط و جنود) و من قطاعات شعبية ( بعضها متديِّن)، وهي موزَّعة و ربما مشتَّتة و أيضاً ربما دون أفق سياسي. كما أن هناك مجموعات يسارية و شيوعية تعلن دعمها للمقاومة. و هنا من الضروري وضع فئات المقاومة الرئيسية تحت مبضع البحث، من أجل القيام بمحاولة لتحديد ممكنات كل منها، و بالتالي ممكنات تشكُّل المقاومة الشاملة التي هي ضرورة من أجل هزيمة الإحتلال الأميركي. إن المسألة الأساسية هنا هي أن رفض الإحتلال هو البداية و المدخل لرؤيةٍ و لدورٍ و بالتالي لنظام إقتصادي/ إجتماعي و سياسي مستقبلي، الأمر الذي يفرض دراسة كل قوّة ليس في موقفها الراهن من الإحتلال فقط بل و في تصوُّرها لما هو مستقبلي، رغم أولوية المقاومة إنطلاقاً من رفض الإحتلال. لأن هذا التصوُّر/ البرنامج هو الذي يؤسس لإستقطاب الطبقات الشعبية، و بالتالي لتحويل المقاومة من رد فعل عسكريّ ( مهم و لاشك) إلى مقاومة شعبية شاملة، هي ضرورة لتحقيق الإنتصار. و إذا كانت المقاومة هي مجال تقاطع بين قوى مختلفة و ربما متناقضة، فإن وضوح الرؤية هو الذي يجعل قوّة منها هي الأقدر على خوض الصراع الشامل، و ضبط أو كشف ممارسات القوى الأخرى التي يمكن أن تؤسس صراعها على إستراتيجية خاطئة و تبني ممارساتها على أوهام مدمِّرة.
1) لا بدّ من الإشارة أولاً إلى القوى المعبِّرة عن النظام السابق، الذي حكم لعقود بالإرهاب، رغم التطوُّر الذي أحدثه في المجتمع العراقي، سواء فيما يتعلق بالتطوُّر الإقتصادي ( و الصناعي الإنتاجي تحديداً)، أو بالتطوُّر الثقافي و العلمي، و بالتالي بالتطوُّر المجتمعي. لكن طبيعة السلطة الدكتاتورية، القائمة على حكم الفرد عبر الأجهزة الأمنية، لم تكن تحظى برضا قطاعات شعبية مهمة طالها القمع و إرتُكبت بحقها فظاعات و عانت من الإبعاد و الحرمان. و هذه القوى ، بالتالي، لن تكون قادرة الآن على الحصول على دعم تلك القطاعات، التي لازالت تتخوَّف من عودة النظام السابق، و بالتالي من عودة إستبداده. لهذا، و رغم موقف هذه القطاعات الرافض للإحتلال، لن تقبل الوقوف مع هذه القوى، أو أن تقدِّم لها الدعم. الأمر الذي يحصر المقاومة في قطاعات معيّنه، و لا يسمح لها بأن تتحوّل إلى مقاومة شعبية، خصوصاً و أن حزب البعث لم يُصدر نقداً ذاتياً لتجربته الدموية، و لم يفكِّر بإعادة النظر في ممارساته، أو يؤسس رؤية جديدة لعراق ديمقراطي. و هذا الأمر هو الذي يجعله يتهرَّب من إعلان برنامجٍ للمقاومة، و خوضه الحرب إنطلاقاً من مبدأ " إعادة السلطة الشرعية" فقط.
لتبدو حربه كإنتقام من الإحتلال، و قيامه بعمليات تهدف إلى ترويع القوّات الأميركية لتسريع " هروبها". الأمر الذي يجعله ينطلق من تكتيكات ضيِّقة تفتح الأفق لأذى العراقيين في العديد من الحالات، أو بالتركيز على قوّات الشرطة و الجيش اللذين يبنيهما الإحتلال خشية إنسحاب القوّات الأميركية من المدن و التحصُّن في قواعد محمية، مما يفتح لمجزرة بشعة ضد العراقيين الذين لا يجدون عملاً سوى الشرطة و الجيش " الجديدين". كل ذلك من أجل أن تظل القوّات الأميركية في المدن، و بالتالي لأن تتعرّض لخسائر تفرض سقوط بوش في إنتخابات الرئاسة، رغم أن المسألة أكثر تعقيداً من هذا التحليل الساذج.
بمعنى أن الإستراتيجية العامة هنا تتحدَّد في إتّباع كل السبل من أجل إعادة سلطة إندثرت بقوّة الإحتلال، و بإتّباع تكتيكات "تجبر" السلطة المحتلة مفاوضة البعث من أجل أ، يعود هو السلطة و ليس التفكير بعراق جديد حقيقة. و هذا الوضع يضفي الغموض على البرنامج، كما يضفي الإلتباس على التكتيك، إضافة إلى أنه ينفِّر قطاعات شعبية مهمة معنية بخوض الحرب ضد الإحتلال الأميركي، لأنها لا تجد ما يغريها في مقاومة البعث، و ربما تحسُّ بالخشية من عودته، الأمر الذي يبعدها عن المقاومة و يبقيها متردّدة.
2) الصدريون الذين عبَّروا عن إتجاه في الشيعة، و الذي إنحصر في قطاعات من الشيعة، رغم علاقاته مع مجموعات المقاومة الأخرى، و رغم أن " برنامجه" ينطلق من ضرورة تأسيس " دولة إسلامية" و ليس دولة شيعية. و هو في هذه الدعوة يستثير كل القطاعات العلمانية و غير الدينية، و القطاعات الحديثة و المرأة نتيجة دعوته الدينية، إضافة إلى أنه لا يقدِّم برنامجاً لدولة العراق الجديد. هذا الأمر يجعله غير قادر على أن يستقطب قطاعات واسعة من الشعب، حيث أنه يمتلك تصوّراً محافظاً أصولياً، يقوم على تأسيس سلطة توتاليتارية، ليس في أفقها أي تصوّرٍ للمشكلات الإقتصادية العميقة، و لا للأوضاع المعيشية المنهارة. إذن هو قوّة مقاومة فقط وليس قوّة تغيير، على العكس هو قوّة محافظة تسعى لإعادة بناء العراق على أساس ديني يخالف حداثته القائمة، و يرفض سعيه لتحقيق الحداثة و الديمقراطية، و يجهل أسس تطوُّره الإقتصادي الإجتماعي.
3) ثم المقاومة التي تنتشر في مناطق عديدة من العراق، و التي تبدو أحياناً ( أو يقال عنها) أنها أصولية. و هي تضمُّ خليطاً من ط الناس البسطاء" و ضباط الجيش و جنود سابقون، و تتسم ب "قلة" الخبرة في المجال السياسي، لهذا فهي بلا برنامج سوى طرد الإحتلال، و يمكن أن توصم بأنها أصولية نتيجة غياب الوعي السياسي، و بالتالي سيادة الوعي الشعبي. و هي تحتاج إلى سند سياسي ضروري لأنها ربما تكون أساس أية مقاومة جادة.
4) ثم أخيراً هناك " مقاومة" أصولية، يجب التدقيق في وضعها و في ممارساتها، لأن نمط عملها يقوم على أساس ديني/ طائفي، مما يدفعها إلى إرتكاب حماقات تضرُّ في مجمل المقاومة، كما أنها تمارس أنماط من العمل العسكري يضرُّ بالشعب، سواء عبر تقصُّد مناطق معينة أو فئات معينة، أو عبر عدم الإنتباه للعراقيين في العمليات التي تمارسها. و نمط عملها أقرب إلى الإرهاب منها إلى العمل المقاوم، و بالتالي فهي تثير الفوضى أكثر مما تؤسس لعمل تراكميٍّ يتطوّر إلى حرب مقاومة حقيقية.

هذا الوضع الذي تتسم به المقاومة يشير إلى أنها تؤسس لحساسيات و تخوُّف ( بأشكال مختلفة) لدى قطاعات مهمة من الشعب العراقي، سواء لأنها تنتمي للنظام السابق، أ, لأن طابعها ديني أو أصولي. كما أنها لا تمتلك برنامجاً مستقبلياً يعبِّر عن مصالح الطبقات الشعبية في دحر الإحتلال، و لكن أيضاً في بناء عراق ديمقراطي يحقِّق مصالحها المباشرة، و يطوّر وضعها المعيشي و الثقافي و المجتمعي. و نتيجة هذا و ذاك فإن المقاومة تُقاد إلى فوضى، و لا يبدو أنها تراكم بما يسمح بتأسيس جيش مقاوم، و لا تتطوّر المقاومة الشعبية المدنية ضد الإحتلال، رغم كل الأوضاع المعيشية و الأمنية الصعبة، و رغم البطالة الهائلة و الفقر . كما لا يبدو أنها أصبحت قادرة على أن تكون سلطة بديلة، سلطة شعبية بديلة يمكن أن تفرض قيماً و قوانين، و يمكن أن ترسي أسس مجتمع بديل.
رشك في أن المقاومة قد بدأت للتو، حيث لم يتجاوز نشاطها العام، و رغم أنها أثبتت فاعلية كبيرة، إلا أن إستمرارها و تطوّرها بما يجعلها قوّة بديلة يفرضان أن تتبلور كحركة مقاومة سياسية مسلحة، وبالتالي أن تُبلور برنامجاً واضحاً و رؤية محدَّدة،أن تصيغ الأهداف العامة المتعلقة بطرد الإحتلال و تأسيس عراق ديمقراطي حديث. هذه المهمة هي مهمة اليسار أصلاً، لأنه القادر على الإشارة إلى المستقبل، و التعبير ليس فقط عن طرد الإحتلال بل و عن مصالح الطبقات الشعبية. وهو القادر على تجاوز حساسيات الماضي لأنه كان في المعارضة و تحمّل أعباء إضطهاد النظام السابق. كما أنه القادر على تجاوز " المنطق الديني" لمصلحة مواطنة عراقية تتجاوز الحساسيات الدينية و الطائفية و الإثنية، و تقوم على أساس علماني، و تعطي الأمل للقومية الكردية بحلٍّ حقيقي يقوم على مبدأ حق تقرير المصير، كما تعطي الأمل للأقليات القومية.
هذه مسائل هامة من أجل تحويل المقاومة من مقاومة مسلحة محدودة فقط، رغم أهمية كل النشاط الذي تقوم به المقاومة الراهنة، إلى مقاومة شعبية شاملة، مطلبية و إضرابية و سياسية، و أساساً مسلحة.
كما أ، تطوير فعل المقاومة يفترض أن يصبح جزء من السياسي، المعبِّر عن مصالح الطبقات الشعبية و عن مطامحها. و بالتالي المؤسس لفعل شعبيٍّ شامل يفرض نشوء سلطات شعبية في المدن و القرى و الأحياء، تكون نواة الدولة البديلة. لأن هذا هو الذي يعمِّق التناقض مع الإحتلال، و يؤسس لتجاوزه، حيث لا يمكن تجاوز الإحتلال ( عبر هزيمته) دون رؤية محدَّدة و برنامج واضح، و بالتالي حركة سياسية شعبية فاعلة، تكون هي المقاومة و هي المرجعية.
هذه الرؤية وهذا البرنامج ( المشار إلى معالمه هنا) هما اللذان يجب أن يصبحا المقاومة. و إذا كان إنتقاد سلطة البعث أمر ضروري كونها سلطة دكتاتورية، و إنتقاد ميول " طأفنة" و " تديين" الصراع أمر هام، و كذلك السعي لبلورة برنامج يعبّر عن مصالح الشعب العراقي أمر ذو أولوية، فإن دعم كل قوى المقاومة و السعي لتوحيد نشاطها أمر حاسم، حيث ستكون المقاومة هي نقطة إلتقاء، لكن دون تجاهل كل الخلافات أو القفز عن إشكالات سلطة البعث السابقة، أو غض النظر عن الطابع الديني الذي يُعطى للصراع مع الإحتلال، أو تجاهل " التصوّرات البديلة" لدى البعث و القوى الدينية. فهذه ميول و إشكالات تضعف المقاومة و تقف عائقاً أمام تحوُّلها إلى مقاومة شعبية شاملة، و بالتالي يجب أن تُنقد و أن تتوضَّح أخطارها، لكن بالتأكيد على دعم المقاومة و ضرورة الإنخراط فيها من موقع اليسار، و من أجل اليسار، و كذا من أجل مقاومة شعبية شاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة