الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نَظْرَة إلى الزَواج ...... رِباط مُقدَّس أَمْ اتِفاق بَشَرِيّ ؟

شذى توما مرقوس

2010 / 3 / 5
ملف مفتوح -8 مارس 2010 - المساواة الدستورية و القانونية الكاملة للمرأة مع الرجل


نَظْرَة إِلى الزَواج ...........
رِباطٌ مُقَدَّس لايُمْكِنُ حَلَّه أَوْ فَكَّه ، أَمْ اتِفاقٌ بَشَرِيّ قَابِلٌ لِلفَضِّ والنَّقْضِ ؟
*********
الزَّواجُ أَمْرٌ شَخْصِيٌّ بَحْت فلا أَحَد يَسْتَطِيعُ أَن يَحْيا نِيابَةً عن الآخر ، لكِنَّهُ رَمَى بِأَصْلِهِ وحَقِيقَتِهِ هذهِ جانِباً وأَسْدَلَ عَلَيْها السِّتار ، وارْتَقَى مَسْرَحَ العَلنِيَّة فنَزَعَ عنه جِلْدَتَهُ الخُصُوصِيَّة الشَخْصيَّة وتَدَثَّرَ بِبِزَّةِ بَعِيدة عن حَقِيقَتِهِ الجَوْهَرِيَّة ، بِزَّة مُحْبُوكة ومُزركشة بِخُيوطٍ ونَياشين اجْتِماعِيَّة بكَثِيرِ تَشعُباتها ، ودِينِيَّة ، وفي هذا الحَقْل الصَغِير مِن الكَلامِ سنَجْنَحُ إِلى الأَدْيان وعَلاقتِها بِالزَواجِ فيَكُونُ السُّؤال : هَلْ أَصابَتِ الأَدْيان بِجَعْلِ الزَّواج أَحَد اهْتِماماتِها وهمُومِها ؟ وهَلْ مُعالَجاتها لِقَضاياه كانَتْ صَحِيحة وعادِلة ؟ بإِمْكانِ كُلٍّ مِنَّا أَن يَسْتَنْتِج جَواباً يُخالِف قَناعاته أَوْ يُؤَيِّدها مِنْ نَظْرَةٍ إِلى واقعِ الزَّواجِ وأَحْوالِهِ والمآسي والصُعُوبات والمَشاكل الَّتِي خَلقَتْها هذهِ المُعالَجات في نُفُوسِ وحَياةِ الأَشْخاصِ والأَفْرادِ ، وكانَتْ المَرْأَة وفي كُلِّ الأَدْيانِ الطَّرَف الخاسِر والمَدْهُوس في هكذا مُعالَجات ، لقَدْ حَاولَتْ الأَدْيان جَعْلَ الزَّواج ذا صِبْغَة دِينِيَّة لايُعْتَرفُ بهِ إِلاَّ بِمُبَارَكَةِ الله ورَجُل الدِّين وَكِيله ، فخَرَجَ تَحْتَ وَطْأَةِ هذا العِبْء وتَصَلُّبِ نِظامِ المَلكِيَّة مِنْ صِفتِهِ الشَخْصِيَّة إلى صِفةِ الجَماعَة .
...... لايُمْكِنُ تَبْرِئةَ الأَدْيان مِمَّا أَدَّتْ بِالزَواجِ إِلى نَمَطٍ مُعيَّن ، وأَطَّرَتْهُ بِإِطارٍ تَقْلِيدِيّ ، واخْتارَتْ لَهُ مَجْمُوعَة الشُرُوطِ والضَوابِطِ والأَعْرافِ ، لِتَغْدُو بذلك حَارِسةً عَلَيْهِ ، فحَدَّتْ بذلك مِنْ صلاحياتِ الأَفْرادِ ، وأَحياناً إِلى حَدٍّ مُجْحِفٍ ، في نَمَطِ تَشْكِيلِهِ وبِنائِهِ ، بَلْ إِن الكَنِيسَة رَفَعَتْ الزَّواج إِلى دَرجةِ سِرّ وجَعَلَتْه أَحَد أَسْرَارها السَبْعَة المُقَدَّسَة ..... حَوَّلَت الأَدْيان الزَّواج إِلى مَنْظُومة دِينِيَّة صَغِيرة ، مُتَفَرِّعة عنه ومُمَثِّلة لَهُ وناطِقة بما يَسْمَحُ به ِ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ عَهْد وارْتِباط ، حَيْثُ رَسَمَتْ خُطُوطاً يَتَوَّجَبُ على الجَمِيعِ السَّيْرِ عَلَيْها وبِتَأْشِيرِها ، بَعْدَ أَن كانَ قَدْ انْتَهى مِنْ تَكْوِينِ وقَصِّ وتَفْصِيلِ صُورَتِهِ على قِياسِ الحَاجة الوَضْعِيَّة المُلِّحَة لِلمُجْتَمَعِ ، حَيْثُ اخْتَارَ صِيغَتَهُ الجَدِيدَة لِيَتَماشَى مع الوَضْعِ القائِمِ آنذاك ، والشَّكْلِ المَطْلُوبِ آنذاك ، إِذْ تَدَرَّجَ عن جذُورِ تَطورِ نِظامِ المَلكِيَّة الفَرْدِيَّة في المُجْتَمعاتِ الزِراعِيَّة وتَطور النِّظامِ الأَقْطاعِيّ .
تَبْقَى الأَدْيان مُتَّهَمة في تَعالِيمِها وأَسالِيبِ تَعامُلِها مع الأُمُورِ ، وتَبْقَى مُتَسَبِّبة في وَضْعٍ قَائمٍ غَيْر مَقْبُول مهما كَبُرَت التَبرِيرات وكَثُرَت ، فالحَقائِق تَقُولُ أَن لِلأَدْيانِ دَوْرٌ كَبِير فيماهي عَلَيْهِ البَشَرِيَّة اليَّوْم مِنْ حالٍ وأَحْوال ...... فالدِّين الَّذِي يَسْمَحُ بِتَعَدُّدِ الزَوْجاتِ ، يَسْحَقُ شَاءَ الكُلُّ أَمْ أَبُوا كَرامَةَ المَرْأَة ويُذِّلُّها ، ويُدَنِّي مِنْ مَنْزِلتِها ، ويَفْتَحُ البابَ لِلرِجالِ عَرِيضاً وعلى مِصْرَاعِيهِ لِامْتِهانِ المَرْأَة ، وتَحْقِيقِ كُلّ ماتَصْبُو إِلَيْهِ نُفُوسهم ...... والدِّين الَّذِي يَجْعَلُ مَصِيرَ المَرْأَة رَهِيناً بِكَلِمةٍ واحِدَة مِنْ فَمِ الرَجُل يَنْطُقُ بها سَاعَةَ يَشْاء ، ويُقَرِّر فيُسَرِّحها ، أَوْ يُعَلِّقَها العُمْر كُلَّه كبَيْتٍ مَهْجُورٍ مَتْرُوك ، يَجْعَلُ المَرْأَة بلاقِيمة ، ولاكَرامَة ، ويُلْغِي إِنْسَانِيتها كَامِلةً ، ناهِيكَ عن تَرْكِ المَرْأَة في دَوامةِ اللااسْتِقْرَارِ والخَوْفِ مِما قَدْ تَأْتِي به الأَيَّام مِنْ مَجْهُولٍ يَنْتَظِرها فهي غَيْرُ آمِنة لاتَعْرِفُ مِنْ مُسْتَقْبَلِها أَكِيداً ، مَتَى يَمَلُّ مِنْها زَوْجُها فيُطَلِّقها ويَرْمِيها ، حَذِرَة حَتَّى مِنْ كَلِمةٍ تَتَفَوَّهُ بها لأَنَّها قَدْ تَكُونُ سَبباً لِطَلاقِها وتُقْلِقَها كُلُّ الشَواهِدِ لأَنَّها قَدْ تَكُونُ مَنْفَذاً لِلطَلاقِ ، حَالها مَشْدُودَة الأَعْصابِ على الدَوامِ في اللاوَعْي ، إِنَّها في وَضْعِ الاسْتِنْفارِ الدَائِم ، وهذا يَخْلُقُ التَّوَتُر والقَلَق ويُتْعِبُ نَفْسِيَّة المَرْأَة كَثِيراً ، ويُؤْثِّرُ على وَضْعِ الأُسْرَةِ ككُلّ ، وعلى عَلاقَتِها بِزَوْجِها .
لايُمْكِنُ بِناء حَياةً مُشْتَركةَ سَلِيمة على أَشْلاءِ أَحَدِ الشَرِيكين ومِنْ خِلالِ سَحْقِ أَحَدهُما لأَجْلِ مَصْلَحةِ الآخر ، فالعَلاقة لابُدَّ أَن تَكُونَ مُتكافِئة وإِلاَّ ، فالمُجْتَمع يَبْنِي بُيوتاً فَوْقَ رِمالٍ مُتَحَرِّكة .
أَمَّا الدِّين الَّذِي لايَسْمَحُ بِالطَلاقِ فهو يَلْغِي إِرادَةَ الطَرَفَيْنِ ، ويَجْبُرَهُما على العَيْشِ مَعاً رَغْمَ عَدَمِ الاتِفاق ، أَوْ العَيْش مُنْفَصِلينِ والبَقاء وحِيدين حَتَّى المَوْت ، وبِالنِسْبَةِ لِلمَرْأَةِ الأَمْر أَثْقَل وَقْعَاً لأَنَّ المُجْتَمع غَيْر مُنْصِف مَعَها ، وغَيْر عادِل ، وإِن كانَ هُناك حالات خاصَّة اسْتِثْنائِيَّة تُوْجِبُ التَّفْرِيق فالسُّلْطَة الدِّينيَّة هي الَّتِي تُقرِّرُ كِفايَة الأَسْباب لِلتَفْرِيقِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهِ ، أَيْ إِن الطَرَفَيْن خَاضِعين لِنِظامِ الوِصايَة ، في هذهِ الحَالة يُعامَلُ الزَّوْجَيْن وكأنَّهُما قَاصِرين لايَسْتَطِيعانِ تَقْرِير ماهو مُفِيد وفي صَالحِهما والطَّرَفُ الوَحِيد الَّذِي يَمْلُكُ الدِرايَة المُطْلَقة هو السُّلْطَة الدِّينِيَّة مُمَثَّلة بِرِجالِ الهَيْئَةِ الدِّينِيَّة ، إِذْ لا مَكانَ لاحْتِرامِ الإِنْسَان واخْتِيارِهِ وقَرارتِهِ ، إِنَّ الدِّين الَّذِي يَحْتَرِمُ الإِنْسَان حَقَّاً عَلَيْهِ أَن يَأْخُذَ بِرَغْبَةِ الطَرَفَيْن في الانْفِصالِ فهي الفَاصِلُ والمُقرِّر ، بَلْ إِن رَغْبَة طَرَفٍ واحِد بِعَدَمِ التَواصُلِ مع الشَرِيك يَجْب أَن تَكُونَ كَافِية لِحَلِّ عَقْدِ الزَواجِ أَيَّاً كانَتْ الأَسْباب ، ( مع التَحَفُّظِ الشَدِيد على كَلِمة عَقْد ) ، فبِدُوْنِ وِفاق ، واتِفاق ، وتَفاهُم لايُمْكِنُ أَن تَسْتَمِرَّ الحَياة الزَّوْجِيَّة حَتَّى إِن كانَت الحُجَّة هي مَصْلَحة الأَطْفال في حالِ وُجُودِهم ........... إِنَّ الدِّينَ الَّذِي لايَسْمَحُ بِالطَلاقِ يُؤسِّسُ لِمَرْفُوضاتٍ ـ [ وهي المُتَعارف عَلَيْها في الشَأْنِ الدِّينِيّ بِالخَطايَا ، مع تَحَفُّظِي الشَدِيد على مَفْهُومِ الخَطايَا حَسَبِ المَفاهِيم الدِّينِيَّة ، ولِيَسْمَح لي القَارِئ بِاسْتِخدامِ لَفْظَة الخَطايَا رَغْمَ هذا التَّحَفُّظ لأَنَّها مِنْ مَنْطِقِ الفِكْرِ الدِّينِيّ الَّذِي نَتَحَدَّثُ فيه الآن ومَفاهِيمه ] ـ كَثِيرة يَقْتَرِفُها الزَّوْجَان دُوْنَ إِرادَة مِنْهُما ، وعلى خَلْفِيَّة اسْتِحالةِ الانْفِصالِ وما دَبَّرَهُ الله وجَمَعَهُ لايُمْكِنُ نَقْضَهُ أَوْ العَمَلَ بِخِلافِهِ أَوْ يُفرِّقَهُ إِنْسَان وعَدَمِ السَماحِ بهِ دِينِيَّاً ، فيَعِيشان سَوِيَّةً تَحْتَ سَقْفٍ واحِد دُوْنَ حُبّ ، ودُوْنَ تَفاهُمٍ ووِئامٍ ، وبِوُجُودِ المَشاكل تَتَكاثَرُ المَرْفُوضات أَيّ الخَطايَا والَّتِي وُجِدَت الأَدْيان لأَجْلِ تَقْلِيصِها ومَحْوِها ، لأَنَّ المَشاكل تَدْفَعُ بِالطَرَفَيْنِ رُبَّما إِلى أَقْصَى مالايُرِيدانه فيَشْتُمان ، ويَسُبَّان ، ويَلْعَنان ، ويَرُّدان على بَعْضِهما بِأَقْذَعِ الكَلِماتِ ، وقَدْ يُوَلِّدُ هذا الوَضْع مُسْتَجَدَّات أُخْرَى كالضَرْبِ ، أَوْ الإِدْمانِ على الكُحُولِ ، وقَدْ تَكُونُ نِهايَةَ المَطافِ كُرْهٌ مَقِيت ، أَوْ جَرائِم ، أَوْ مَرْضَى نَفْسِيين مِنْ جَراءِ المُعاناةِ المُتَواصِلَة ، نَاهِيكَ عَنْ كُلِّ أَنْواعِ المَهاناتِ والإِذْلالِ والاحْتِقارِ والتَّأْنِيب مِنْ قِبَلِ المُجْتَمعِ لِزَوْجَيْنِ في وَضْعٍ كهذا ، فيُنْظَرُ إِلَيْهما بِازْدِراءٍ ومَلامَةٍ وتَحْقِيرٍ ، ويَنَالانِ التَّوْبِيخ والتَّحْقِير مِنْ كُلِّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ حَتَّى وإِن كانَ لايُمَيِّزُ الهاءَ عن الرَاءِ ، هي حَلَقات مُتَسَلْسِلَة إِحْدَاها تُمَهِّدُ لأُخْرَى بَلْ وتُنْتِجها ..... وُجُود المَشاكل لايَخْلُقُ جَوَّاً سَلِيماً لِتَرْبِيَةِ الأَطْفالِ التَّرْبِيَة المُتَمنَّاة ، هكذا نَرَى إِن الدِّين يُحاوِلُ مِنْ جِهَةٍ ما حِفْظ وِثاق الزَّوْجَيْنِ أَرادُوا ذلك أَمْ لا ، لأَنَّ الله يُرِيدُ ذلك ــ بَقاءَ الزَّوْجَيْن مَعاً ــ وهو مِيثاقُ الله ، وفي نَفْسِ الوَقْتِ يُؤسِّسُ لاقْتِرافِ خَطِيئةَ العَيْشِ مَعاً دُوْنَ حُبّ ويُطالِبُ الزَّوْجَيْن بِمَطالِيبِ الالْتِزامِ بِما يَفْرِضُه الحُبُّ مِنْ وَفاءٍ ، واحْتِرامٍ ، وإِخْلاصٍ ، وتَفانٍ ، وتَضْحِيَة ، وأَمانَة ، ومُسَاعدَة ، وتَعاوُن .... إلخ ، مَطالِيب لايُمْكِنُ أَن تَكُونَ إِن انْتَفَى الحُبُّ وزَال ..... الحُبُّ الَّذِي يُطْلَبُ بِإِسْمِهِ وبِمَوْجِبِهِ كُلُّ هذا غَيْرُ مَوْجُود ، ومُتَجاهِلاً في الوَقْتِ ذاته الحَقِيقَة البَشَرِيَّة السَاطِعة والَّتِي لاتَخْضَعُ لِقَانُونٍ ، أَوْ تَشْرِيعٍ ، أَوْ ضَوابِط أَلا وهي : إِنَّ المَشاعِرَ الإِنْسَانِيَّة لاقَوالِبَ لها لتُحْصَرَ فيها ، ولايُمْكِنُ ضَبْطَها أَوْ حَجْرَها في قَوالب ، وهي عُرْضَة لِلتَبدُّلِ والتَغْيِيرِ لأَسْبابٍ شَتَّى مَعْرُوفَة أَوْ غَيْر مَفْهُومَة ، مَقْبُولَة أَوْ مَرْفُوضَة ، مَعْقُولَة أَوْ مَجْنُونَة ، وإِنَّه لايُمْكِنُ صَرْف وَثِيقَةَ تَأْمِين على المَشاعِرِ بِعَدَمِ عَطْبِها وثَباتِها ودَيْمُومَتِها ......
إِنَّ وَضْعَ العَيْشِ مَعاً دُوْنَ حُبٍّ ، إِنَّما هو أَسْوَأُ ماتَتحَتَّمه شَرِيعَة عَدَمِ جَوازِ الطَلاقِ ، ولَوْ صَدَقَ المَنْظُور الدِّينِيّ في فَهْمِها وتَحْلِيلِها لاعْتَرَفَ بِكَوْنِها أَبْشَعُ الخَطايَا قَاطِبَةً ، لأَنَّها خِداعٌ لِلنَفْسِ ولِلآخرِ ، وتُدْخِلُ الزَّوْجَيْن في دَوامةِ صِرَاعٍ وتَمَزُّقٍ نَفْسِيّ يُحَطِّمُ كُلَّ ما هو جَمِيل في الحَياةِ حَوْلَهُما ، وهي بِدايَة ومُؤسِّسة لِخَطايَا أُخْرَى كَثِيرة مُتَعدِّدَة ، ذُكِرَ بَعْضٌ مِنْها في الأَسْطُرِ السَابِقَة وتُرِكَ بَعْضَها لِفِكْرِ القُرَّاءِ والقَارِئات ، وتُوَلِّدُ ضَغْطاً نَفْسِيَّاً هائِلاً يَرْزَحُ تَحْتَهُ الطَرَفان طِيلَة حَياتِهما وكأَنَّ لا مَفَرَّ مِنْ حَمْلِ الصَخْرَةِ والوُصولِ بها إلى نِهايَةِ المَطافِ ، المَوْت ، ويَبْدُو عَمَلِيَّاً وكأَنَّ المَوْت هو وَحْدَه القَادِر على فَكِّ هذا الرِباط ( اللَّزْقَة الأَبدِيَّة ) ، هُنا يَتَبادَرُ السُّؤَال قَبالَةَ هكذا وَاقِع : أَيُّهُما أَهَمُّ ، حالُ الإِنْسَانِ ، أَمْ عَهْدُ الله المُقَدَّس وإِرادَته ( رِباط الزَواجِ المُقَدَّس ) ، هذا إِن كانَت هذهِ إِرادَتَهُ حَقَّاً ولَيْسَتْ إِرادَة البَشَر المَعْكُوسة على شَخْصِهِ كتَعْلِيمٍ إِلَهِيِّ ، وإِن كانَت الأَدْيان لَيْسَتْ صِناعَة بَشَرِيَّة ؟ ....... إِنَّ مَنْ يَحْيَا هذه الحَياة هُما الزَّوْجان ولَيْسَ الله ، ومايَشْعُرُ بهِ الزَّوْجان أَهَمُّ بِكَثِيرٍ مِنْ إِرْضاءِ رَغباتِ الله المُتجَنِيَّة على الزَوْجَيْنِ في وَضْعٍ كهذا .......
هل إِن القَداسَةَ تَرْفَعُ الأُمُور إِلى أَفْضَلِ حالٍ لها وفيها الحُلُول لِكُلِّ الأَوْضاعِ ، أَمْ إِنَّها تَهْوِي بها إِلى بَالُوعَاتِ المآسي والأَذَى والعَذَاب ؟ لِماذَا تَفْرَحُ بَعْض المُجْتَمعاتِ بِرَفْعِ كُلَّ مايُمْكِن مِنْ أُمُور بَشَرِيَّة ، ابْتِداءً مِنْ دخُولِ الحَمَّامِ إِلى شَأْنِ الزَواجِ ، إِلى دَرَجَةِ القَداسَةِ وتُلْبِسُه جِلْبابَ الدِّين وهو شَأْنٌ بَشَرِيٌّ بَحْت ؟ حِيْنَ يَتَدَخَّلُ الدِّين في دَقائقِ وتَفاصِيلِ الحَياةِ اليَوْمِيَّة يَتَحَوَّلُ إِلى قَيْدٍ وغِطاءٍ لِمَنْعِ التَّفْكِيرِ ........ يَدْخُلُ في هذا الحَقْل الصَغِير مِن الكَلامِ أَيضاً أَمْر الرَّبْطُ اللا ايجابِي ، اللا مُؤسَّس والهَشّ بَيْنَ الزَّواج وانْجابِ الأَطْفال ، حَيْثُ حُصِرَ حَقُّ انْجابِ الأَطْفالِ في حُدودِ وَثِيقَةِ الزَواجِ فَقَطْ ؛ لِماذَا يَجِبُ أَن يَكُونَ المَرْءُ مُتَزَوِّجاً لِيَحُقُّ له انْجابَ الأَطْفالِ ؟ لَوْ كَفَلَ المُجْتَمع الحُرِّيَّة الشَخْصِيَّة لِكُلِّ فَرْدٍ لإِدارَةِ حَياتِهِ بِما يَرَاهُ مُناسِباً لكانَتِ الأُمُور بِأَفْضَلِ أَحْوَالِها لِلفَرْدِ والمُجْتَمع ، لكِنَّ حالَ الكَثِيرِ مِن المُجْتَمعات غَيْرُ ذلك تَماماً .....
إِن هذا العُرْف والتَّقْلِيد الَّذِي تَحَوَّلَ بِمُرورِ الزَمَنِ إِلى شَرْطٍ طَبِيعيّ لايَشُكُّ أَحَد في صِحتِهِ ولايُنَاقِشُهُ ، وصَكَّتْهُ الأَدْيان بِصَكِّ الشَّرْعِيَّة ؛ ضَيَّعَ الكَثِيرَ مِن الفُرَصِ على النِساءِ والرِجالِ مِمَّنْ لم يُحالِفهُم الحَظّ في الزَواجِ وأَطْبَقَ جُدرانَ الوَحْدَةِ عَلَيْهم حَتَّى َخَنَقَهُم ، فَمَنْ لم يَحْظ بِفُرْصَةٍ لِلزَواجِ ضَاعَتْ عَلَيْهِ فُرْصَة انْجابِ الأَطْفالِ وبَقِيَ وَحِيداً مُزْدَرَياً كُلَّ حَياتِهِ دُوْنَ شَرِيك وأَطْفال ....... أَيْنَ العَدَالة في أَمْرٍ كهذا مِنْ شَأْنِ الإِنْسَانِ ؟ بِماذَا عَدَلَتْ الأَدْيان وهي قَدْ شَكَّلَتْ الأُمُورَ تَعْقِيداً ؟
لَقَدْ غَدَا الزَّواج عَقْداً أَوْ وَثِيقَةً أَوْ رِباطاً قِيمَتهُ مِنْ قِيمَةِ وَرَقةٍ مَكْتُوبَة تُؤْرِّخُ لَهُ وتَنُصُّ عَلَيْهِ كوَاقِعةٍ رَسْمِيَّة يَعْتَرِفُ بها المُجْتَمع ، ومِن المُلْفِتِ لِلنَظَرِ والتَأَمُّلِ التَّسْمِيات الَّتِي تَحْصِرُ الزَّواج في مُفْرداتٍ كـ : عَقْد ، رِباط ، وَثِيقَة ........
هُناك أَيضاً عُقُود البَيْعِ والشِراءِ وغَيْرها ، أَمَّا الرِباط فتَعُودُ بِنا إِلى المَصْدَرِ رَبْط وإِلى الفِعْلِ رَبَطَ ، والوَثِيقَة تُحِيلُنا إِلى الوِثاقِ ، حَلَّ وِثاق الأَسِير أَوْ السَجِينِ ، شَدَّ وِثاقَهُ ....... إلخ ، كُلُّها تَسْمِيات لاتَدْعُو لِلرَاحَةِ والاطْمِئنانِ ولاتَكْسَبُ المَيْلَ والتَعاطُفَ والتَفَهُّمَ ...... كُلُّها تَسْمِيات تُحِيلُنا إِلى عَوالِم تِجارِيَّة أَوْ سُجُون أَوْ تَوْثِيق .......
إِن كانَت " عُقُود الزَواج !! " واحِدَة مِنْ سِلْسِلَةِ التَنْظِيمات الضَرُورِيَّة لِلمُجْتَمعِ ، أَفلا يَكُونُ مِن الفَائِدة لِلمُجْتَمَعِ أَن يَتمُّ حَصْر أَمْر تَنْظِيمِها وتَوْثِيقِها وتَسْجِيلِها في مَهامِ المُؤسَّساتِ المَدَنِيَّة وجَعْلِ مَسْؤُولِيتها كَامِلَةً مَنُوطَةً بها فَقَطْ بَعِيداً عن المُؤسَّساتِ الدِينِيَّة ؟ .
ثَلاثَةُ أُمُورٍ : الزَّواج بِمُلْحَقاتِهِ مِنْ تَكْوِينِ عَائِلة وانْجابِ الأَطْفالِ ، الحُبّ ، الجِنْس ، في عُرْفِ وعُقُولِ وتَقالِيدِ بَعْضِ الشُعُوبِ تَأْتِي مُتَرابِطَة مُتَسَلْسِلَة، وبَيْنَ ضَرُورَةِ هذا التَّسَلْسُل وانْتِظارِ حُدُوثِهِ ، تَضِيعُ عِنْدَما لايَحْدُثُ آلاف الفُرَصِ الحَياتِيَّة وخُصُوصاً لِلنِساءِ ، فمَنْ لاتَتَزَوَّج لايَحُقُّ لها أَن تُنْجِبَ ولايَحُقُّ لها إِقامَةِ عَلاقَةِ صَداقَةٍ لِتَبْقَى وَحِيدَة طِيلَةَ حَياتِها ، هُنا نَرَى المُجْتَمع يُغْلِقُ كُلَّ الأَبْواب والنَّوافِذ في وُجُوهِ هؤلاء ، ويَخْلُقُ أَفْراداً مَكْبُوتِين ، مَحْرُومِين مِنْ احْتِياجاتِهم الطَبِيعِيَّة الإِنْسَانِيَّة ، وحُقُوقِ ذوات العَاهَاتِ الجَسدِيَّة ، أَوْ مِمَّنْ لم يَحْظِين بِبَعْضِ الجَمالِ تَكُونُ احْتِياجاتهنَّ الإِنْسَانِيَّة هذهِ مُصادرَة دُوْنَ أَن يُثِيرَ ذلك اهْتِمامَ شَخْصٍ ما ، وفي المُجْتَمعاتِ الَّتِي تُؤْمِنُ بهذا التَّسَلْسُل " الضَّرُورِيّ !! " فإِن لم تُكَلَّل عَلاقَةُ الحُبِّ بِالزَواجِ فهي تَتَحَوَّل إِلى وَصْمَةٍ سَوْداء في تَارِيخِ الفَتاةِ ولايُجازِفُ الكَثِيرُ مِن الرِجالِ بِالتَقَدُّمِ لِلارْتِباطِ بها والزَواجِ مِنْها حِفاظاً على سُمْعَتِهِ ، فهو لن يَأْخُذَ ماتَبقَّى مِنْ ذَكَرٍ آخر حَسَبِ تَفْكِيرِ المُجْتَمعِ الجَمْعِيّ المهِينِ لِلفَتاةِ .
تَعْتَقِدُ وتُؤْمِنُ المُجْتَمعات التَّابِعة لِلتَسَلْسُلِ بِضَرُورَةِ تَنْظِيمِ حَياةِ الفَرْدِ ، ووَضْعِ الشُرُوطِ لاخْتِياراتِهِ لِحِمايَتِهِ ( نِظام الوِصايَة ، فالفَرْد يَبْقَى قَاصِراً والأَدْيان هي المَسْؤُولة عنه وعن حَياتِهِ ) ، وهكذا تَضِيقُ مَساحَة الحُرِيَّة له ، وتَضِيقُ الفُرَص عَلَيْهِ ؛ في حِيْنِ رَضَت شُعُوبٌ أُخْرَى بِعَدَمِ ضَرُورَةِ هذا التَّسَلْسُل وتَقَبَّلَتْ الإِنْسَان على عِلاتِهِ كحَيَوانٍ له احْتِياجاتِهِ ، وهكذا ارْتَفَعَتْ بِنَفْسِها ، وحَرَّرَتْ أَفْرادَها مِنْ كَثِيرِ التُرَّهاتِ ، وسَامَحَتْ الإِنْسَان على غَفْلاتِهِ ، ومَنحَتْهُ دائماً الفُرْصَة لِحَياةٍ جَدِيدَة يَخْتَارها وفْقَ مَعاييرِهِ لامَعاييرَ المُجْتَمعِ والأَدْيان .
بَيْنَما يَتعامُل العَالمُ على الطَرَفِ الآخر " الزَّانِي ، مُرْتَكِب الفَحْشاءِ بِمَفْهُومِ الشُعُوبِ الأُخْرَى الرَّثّ لِلشَرَفِ والزَواجِ " مَعَ الأَمْرِ بِكَيْفِيَّتِهِ وسِياقِ حُدُوثِهِ ، حَيْثُ يَتِمُّ تَعَارُفَ الطَّرَفين لِيَتَقارَبانِ ويَكْتَشِفانِ بَعْضَهما بَعْضَاً عن قُرْب بِوَعْيٍ ومَسْؤُولِيَّة ، ويَتَواصلان ويَمْتَدُّ الأَمْرُ لِسِنينٍ أَوْ يَقْصُرَ عنه ، بَعْدَها يُقَرِّران الزَّواج أَوْ دُوْنِهِ ، تَعْمَلُ شُعُوبٌ أُخْرَى على الخَطِّ النَّارِيّ الخَطِر ، فيَكُونُ الزَّواج خُطْوَةً أُولَى ، تَتْلُوها بَقِيَّة الخُطُوات مِنْ تَعارُفِ الزَّوْجَيْن ، واكْتِشافِهما لِبَعْضِهِما البَعْض ، وتَقَارُبِهِما ، وتَقَاسُمِ الحَياةِ مع بَعْضِهِما ، أَيْ بَعْدَ أَن يَكُونَ " قَدْ وَقعَ الفَأْسُ في الرَأْسِ " فتَفاهُمِ الزَّوْجَيْنِ وإِمْكانِيةِ الحَياةِ مَعاً لَيْسَتْ نَتِيجة حَتْمِية لِلزَواجِ ، إِن هذهِ الشُّعُوب تَقْبِضُ على الأَمْرِ بِرُمَّتِهِ مِنْ ذَيْلِهِ وخَاتِمتِهِ لِتَتَسَلَّق رَأْسَهُ ومُقَدِمَتِهِ ...... الزَّواج لايُمْكِنُ أَن يَكُونَ خُطْوَةً أُولَى نَحْوَ التَّفَاهُمِ والتَّقَارُبِ والتَّواصُلِ وتَقَاسُمِ الحَياةِ وبِناءِ أُسْرَة ، إِنَّما هو نَتِيجة ومُحَصِّلة لها ..... .... الزَّواج كخُطْوَةٍ أُولَى ، هو خَطَأ فَادِح بِحَقِّ الطَرَفينِ ، وبِحَقِّ المَرْأَة بِالذاتِ ، المُتَضرِّر الأَكْبَر مِنْ هكذا مَفاهِيم ..... ولهذا حِيْنَ لايَتِمُّ الاتِّفاق بَيْنَ الطَرَفين وتَصْعُبُ الحَياةُ بَيْنَهُما يَكُونُ الحَلّ هو الفِراق والطَلاق كخُطْوَةٍ مُلِحَّة نَحْوَ الحَلّ ، إِن وُجُودَ وَثِيقَة الزَواجِ كعَهْدٍ مُقَدَّس ورَسْمِيّ يَجْعَلُ الأُمُور في غَايَةِ التَعْقِيدِ ، ويُدْخِلُ الطَرَفين في مَعْمَعاتٍ ومُعاناةٍ طَوِيلَة إِن لم يَتَّفِقا وسَارَا نَحْوَ الطَلاق ..... وكانَ بِالإِمْكانِ تَجَنُّبِ بَعْض هذهِ المُعاناة نَفْسِيَّاً ، واجْتِماعِيَّاً ، وأُسرِيَّاً واخْتِصارِها لَوْ لم يَكُنْ الزَّواج وَاقِعاً ، والاقْتِصاد في أَنْواعِ هذهِ المُعاناة يَدْعَمُ الإِنْسَان والأُسْرَة ويُخَفِّفُ حِدَّةَ التَوَتُّرِ في المُجْتَمعِ على العُمُومِ مِنْ خِلالِ الأَفْرادِ ، أَيْ له مَنْفَعة عامَّة تَصُبُّ لِصالِحِ المُجْتَمعِ كُلّه ....... إِن سَببَ كُلُّ هذهِ المُعاناة هو انْعِدامِ الحُرِّيَّة الشَخْصِيَّة ، والَّتِي بِدَوْرِها تَنْسَحِبُ على ضَياعِ الحُقُوقِ الفَرْدِيَّة وعَدَمِ احْتِرامِها لِتَعْلُو الأَدْيان فَوْقَ الكُلِّ وتَدُوسَهُم .......
دُمتُم على خَيْرٍ وتَواصُلٍ أَحِبَّتِي مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إسرائيل حول تهديد بايدن بوقف إمدادات الأسلح


.. مقتل 4 أشخاص في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان • فرانس 24




.. ألعاب باريس 2024: استقبال رسمي وشعبي -مهيب- للشعلة الأولمبية


.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصاما مؤيدا لفلسطين بجامعة جورج واشنط




.. أنصار الله: استهدفنا 3 سفن في خليج عدن والمحيط الهندي وحققنا