الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الداخل، ثقافة الخارج الجدل الساكن في الثقافة العراقية

برهان شاوي

2004 / 7 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من نقد الثقافة الى نقد المثقف

ألق في النار، من النار، على النار مفاتيحك واتبعني
إلى حقل الشرار
إنني في غاية اللطف لأني بين أحزاني لكن هل تُرى جاء الجدار
ليرى حزنك، هل مر على سمعك أن النار قد لاذت بنار؟
انني ما جئتُ بالشكوىولا من باطن الشوق ولم يدفع بي المعروف، لا ألتمسُ
العذر لشطآن نأت عني، تحاشتني، أنا الراجع في النار، على النار، من النار،
أنا الراجع أخواني: سناء النهر في وجهي وفي كفي يدب الشيخ لا أسلمه
للاحتضار
ها انا الراجع يمشي خلفي الدُلدُل والجار وحمال الصغار.


من قصيدة ( مرآة مستوية )

عبد الرحمن طهمازي

1

لأدخل في الموضوع دونما مقدمات نظرية تمهيدية، فحينما أعلنت إيلاف الألكترونية إنها ستنشر
لقاءا مع شيخ النقاد العراقيين إستبشرنا خيرا، فمنذ سقوط الصنم الأكبر والأنهيار التاريخي
الجبار للنظام الدموي الإستبدادي، والثقافة العراقية تنتظر سجالها وجدلها التنويري العميق
والمؤسس، من حيث ان جل ما يكتب في هذا المجال ينطوي تحت لواء الأدب السياسي، اكثر
مما هو ممارسة نقدية فكرية تحليلية، أوتفكيكية أو معيارية، إلا بعض المحاولات الجادة
والصبورة والتأملية التي ضغطت على نفسها كثيرا من أجل لا تنجر وراء التقييمات العاطفية،
لكنها تبقى محاولات قليلة ونادرة، لذا إستبشرنا بهذه المقابلة، لا سيما وان الناقد قاضل ثامر
معروف بجديته وعدم إستسهاله للأحكام النقدية وصرمته النظرية.

في الحلقة الثانية من الحوار الذي أجراه معه د. إسماعيل الربيعي يقول فاضل ثامر :( ما زلت
أؤمن بالمنطلقات الأساسية لمنظوري النقدي الذي يقترب الى حد كبير من مفاهيم ( النقد الثقافي)
التي بشر بها في النقد العربي د. عبدالله الغدامي، وبالتحليلات النظرية والسوسيو- تاريخية
لدراسات ما بعد الكولونيالية التي وضع ملامحها الأولى الناقد أدورد سعيد. ).

إلا أن أملنا بحوار جدلي تنويري أصطدم بأفكار وتقيمات غريبة وقفت بالضد من كل توقعاتنا
، بل وبالضد من منطلقات النقد الثقافي الذي قال الناقد فاضل ثامر انه يقترب منه لحد كبير،
وعلى بعد مسافات ومسافات من التحليلات النظرية والسوسيو- تاريخية لدراسات مابعد
الكولونيالية.

ففي جوابه على سؤال حول ما يثار حول إشكالية ثنائية ثقافة الخارج / ثقافة الداخل قال فاضل
ثامر:( المراكز الثقافية الحقيقية ما زالت بيد مثقفي الداخل وما يقال احيانا من
محاولة تسفيه المنجز الثقافي للمرحلة السابقة فيه الكثير من الغبن والظلم، انا
اعتقد ان ثقافة المرحلة السابقة بطبيعتها هي ثقافة انسانية، ثقافة وطنية، ثقافة
قومية، ثقافة تقدمية، استطاعت ان تقدم الكثير من العطاءات الممتازة،هناك بعض
النقاط التي صار فيها نوعا من الإخفاق، او التهاون، او قبول سياسات النظام،
ولكنها حالات طارئة محدودة)

هل ينسجم هذا القول مع مفاهيم ( النقد الثقافي)، والتحليلات السوسيو- تاريخية؟
وهل كانت ثقافة المرحلة السابقة بطبيعتها ثقافة انسانية؟؟؟ ثقافة وطنية؟؟؟ ثقافة
تقدمية؟؟؟ أقسم وكأني بالراحل الجميل أبو كاطع ( شمران الياسري) يبتسم ويعلق
بلازمته الشهيرة ( بلابوش دنيا.. ).

أسيادة ثقافة العنف في الأدب العراقي طوال عقد من الزمان، وصدور عشرات بل
مئات من روايات ( قادسية صدام )التي تمجد القتل والعنف وتفجر النزعات السادية
في أعماق القاريء هي ثقافة إنسانية ياأستاذنا الجليل؟

هل قدمت المرحلة السابقة الكثير من العطاءات الممتازة، وان هناك حالات طارئة
ومحدودة صار فيها الأخفاق والتخاذل او التهاون أو قبول سياسات النظام؟؟؟
أم العكس هو الصحيح، فقد كانت هناك عطاءات جيدة، لكنها محدودة وسط هذا
الركام من ثقافة العنف التي كانت كل مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام المرئية
والمسموعة تروج لها، بل وصل الأمر الى ان يتحول الدكتاتور الى كاتب روائي،
ويصير إبنه نقيبا للصحافيين العراقيين !!

أليس من الظلم والتجني ان يصدر هذا الكلام من ناقد عراقي قضى جل حياته
مدافعا عن القيم النبيلة في المجتمع العراقي وحلم مع أبناء وطنه ومثقفيه بعراق
حر وسعيد!!!

أحقا ان نظام المقابر الجماعية قدم ثقافة إنسانية ووطنية وتقدمية؟؟


2

يتحدث الناقد فاضل ثامر عن أيمانه بالمنطلقات الأساسية لمنظوري النقد الثقافي،
والتحليلات النظرية والسوسيو- تاريخية لدراسات ما بعد الكولونيالية، ولا أدري
كيف حلل النسق الثقافي للدولة الفاشية بحيث يمنح ثقافتها السمات الانسانية
والوطنية والتقدمية؟؟ ولا ادري ايضا وفق أية وصفة في مفاهيم ( النقد الثقافي)
حصر الثقافة في الشعر والرواية والنقد الأدبي؟؟

وحتى لو أفترضنا جدلا ان الحديث هنا يجري عن الثقافة الأدبية والفنية، فهل
يستطيع ان يفسر كيف ولماذا لم تستطع هذه الثقافة الانسانية والوطنية والتقدمية
ان تتحمل مقالا ساخرا لشمران الياسري، وان يهرب من ( فضائها الرحيب)
خيرة المبدعين من الأدباء والفنانين العراقيين!!

أخبن وظلم كبير حينما يتم نقد الثقافة في ظل الفاشية البعثية؟ أترى هل كان
بإمكان المفكر العراقي الراحل هادي العلوي ان ينجز بحوثه الفكرية الفذة
مثل ( من تاريخ التعذيب في الأسلام )، و( الأغتيال السياسي في الإسلام)،
و( خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الاسلام).

هل شاهد ناقدنا الجليل معرض الرسام العراقي ( فيصل لعيبي ) الذي يحمل
أسم ( قيامة آذار )، هل تأمل لوحات ( عفيفة لعيبي) عن الحرب العراقية -
الايرانية، هل يمكن لأعمال ( جبر علوان) ان تتنفس وسط (ثقافة البعث)،
ألا يدري ناقدنا الجليل بأن أبرز الفنانيين العراقيين تحولوا لرسامي
بورتريهات في ساحات ايطاليا وباريس ومدريد، وفضلوا الجوع على
ان يظلوا أحرارا ولم يشرفهم ان يكونوا جزءا من هذه الثقافة الانسانية
والوطنية والتقدمية، ولا أريد هنا أن أعدد أسماء الفنانيين العراقيين الذين
هاجروا العراق ليتشردوا في المنافي ويكدحوا ليل نهار من اجل
تأمين لقمة الخبز وعصارة الزيت.

هل كانت ثقافة المرحلة السابقة ان تتحمل نصا شعريا مثل ( إعلان سياحي
الى حاجي عمران) لسعدي يوسف، هل كان لها ان تحتضن أشعار عبد الكريم
كاصد او مهدي محمد علي، او مؤيد الراوي، وجليل حيدر وعواد ناصر،
مثلا، أو روايات وقصصا مضادة للحرب والفاشية كما في أعمال نجم
والي، وجنان جاسم الحلاوي، وجاسم المطير، وجمعة اللامي، وبرهان
الخطيب، وسميرة المانع، وعالية ممدوح، وابراهيم أحمد، وفاضل العزاوي،
وزهدي الداوودي، وسليم مطر، وسلام عبود، وشاكر الأنباري، مثلا.

هل كان بإمكان ثقافة المرحلة السابقة أن تتحمل حراكا صحافيا وشعريا وثقافيا،
كما في إصدارات ( الرغبة الإباحية)و( النقطة ) لعبد القادر الجنابي،
و( فراديس) للجنابي والمعالي؟ ومنشورات ( دار الجمل ) لخالد المعالي؟
وهل كان لها ان تتقبل دراسات فالح عبد الجبار عن المجتمع المدني.

الأستاذ فاضل ثامر في جوابه على سؤال ثنائية ثقافة الداخل والخارج
قائلا:( ربما جاء مثقفوا الخارج وحصلوا على بعض المراكز الوظيفية لكنهم
لم يستطيعوا فعلا ان يدخلوا الى ممارسة سلطة نقدية او سلطة خطاب ابداعي
او ما شابه، ولهذا الذي اعتقده ان هذه مسائل تأتي من تراكم كبير، وهم يحاولون
الآن ان يطرقوا الأبواب كي يجدوا لهم مواقع داخل هذا الشأن).

لا أدري كم من المثقفين العراقيين رجع الى العراق حصل على مراكز وظيفية،
لكن الذين رجعوا منهم هم جزء من المشهد القافي العراقي تاريخيا، ولديهم
خطابهم الأبداعي، ولديهم حضورهم وسلطتهم الفكرية والثقافية، ولا أريد هنا ان
أذكر الأسماء، اما قضية الوظائف وتهافت البعض عليها فهذه مسألة لا علاقة
لها بالتصنيف الأبداعي قط.

لم يكن بودي ابدا ان انتهي من قراءة الحوار محملا بهذا الأنطباع، من ان ثمة
جدل في الثقافة العراقية يدور، لكنه جدل ساكن، لا يحرك ما ترسب في أعماق
هذه الثقافة من أوشاب وأدران وبقايا جثث تنتظرنا ان نعيد رفاتها الى الوطن،
ولا أدري لم خطرت في ذهني مباشرة أبيات طمهازي الجميلة، التي كتبها في
منتصف السبيعينيات في قصيدته ( مرآة مستوية ):

هل مر على سمعك ان النار قد لاذت بنار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا