الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيكون أردوغان نموذجاً أميركياً للعالم الإسلامي؟...

محمد سيد رصاص

2004 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كان انشقاق الحركة الماركسية في عام 1898، مع قيام (إدوارد برنشتين)
بتأسيس الاتجاه الاشتراكي الديموقراطي، عاملاً أساسياً في إفشال سيناريو
"البيان الشيوعي" المصمم من أجل (المرحلة الاشتراكية) في البلدان الرأسمالية
المتقدمة، وليس في بلد متخلف صناعياً وحضارياً مثل روسيا 1917، فيما ساهم
وصول الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية إلى الحكم في البلدان الرأسمالية
المتقدمة (ألمانيا: 1918، انكلترا:1924، فرنسا:1936) في جعل قسم كبير من الحراك
السياسي والمطلبي للطبقة العاملة في إطار الوضع القائم وليس ضمن أفق
"ثوري"، ثم لتساهم هذه الأحزاب في فترة ما بعد الحرب، عبر شخصيات مثل براندت
وميتران وبلير، في إعطاء الرأسمالية المعاصرة شكلاً تكيفياً حديثاً مستوعباً
للعمال والفئات الوسطى، بعيداً عن اليمينية الفجة لأوائل القرن العشرين
التي وجدت عند الأحزاب المحافظة والليبرالية.
في عام 1964 كان انشقاق الحركة الإسلامية باتجاه التشدد والفكر الجهادي مع
سيد قطب بعيداً عن "فكر الدعوة" عند حسن البنا، وقد تمّ هذا الانشقاق عند
عتبة صعود الحركة الإسلامية بعد هزيمة 1967 الذي استمر لثلاثة عقود –
بالترافق مع حلف الإسلاميين مع الغرب وخاصة في أفغانستان ضد السوفييت- إلى أن
أنذرت هزيمة الإسلاميين بالتسعينيات أمام الأنظمة الحاكمة
(مصر+تونس+الجزائر، مع فشل التجربة السودانية) ببداية دخول هذه الحركة في طور التراجع، ثم
ليأتي (11 أيلول) واضعاً إياها في مواجهة مباشرة مع (القطب الواحد)، مع ما
يعنيه هذا من ضرائب لا قبل لها على تحملها، إذا أخذنا بعين الاعتبار
انعدام التوازن بين الطرفين، وبشكل لايمكن مقارنته بالقدرات التي كانت متوفرة
للمعسكر المهزوم للتو من قبل هذا (القطب الواحد)، أي (المعسكر السوفياتي)،
الذي كانت له دولة عظمى وكتلة تدور في مدارها، مع حركة عالمية تملك الكثير
من الإمكانات السياسية والمعنوية.
كان انشقاق أردوغان عن حزب أرباكان، وهو العضو في التنظيم الإخواني
العالمي، في عام 2001 مؤشراً على بداية حراك جديد في الحركة الإسلامية العالمية،
ولو كان ذلك محاطاً بخصوصية تركية معينة لا يمكن أن تحجب حقيقة ضيق
القاعدة الاجتماعية للأتاتوركية وحراسها العسكريين، الشيء الذي لا يختلف كثيراً،
إذا لم نقل أنه يمثل قاعدة أكبر، عن ضعف التمثيل الاجتماعي للحكام
الموالين لواشنطن في العالم العربي، وما يسببه ذلك من قلق، عند سادة البيت
الأبيض، تجاه عواقب استمرار هؤلاء، كوكلاء أو حلفاء لواشنطن، وما يمكن أن يجرّ
ذلك من مضاعفات مدمرة، يمكن أن تكون شبيهة بما حصل للبريطانيين في طهران
1951 وقاهرة 1952 وبغداد 1958.
يلفت النظر كثيراً، في هذا الإطار، تخصيص الرئيس بوش استقبالاً حاراً لرجب
طيب أردوغان عند مدفأة البيت الأبيض في الشهر الأخير من عام 2002 ، بعد
أسابيع من فوز (حزب العدالة والتنمية) بالانتخابات التركية، مع أن أردوغان
لم يكن يملك أية صفة رسمية آنذاك، لا في البرلمان ولا في الحكومة، فيما وجه
نائب وزير الدفاع الأميركي (ولفوفيتز) أصابع اللوم إلى العسكر الأتراك على
قرار البرلمان التركي، في أوائل آذار 2003 ، تجاه عدم المشاركة بالحرب،
وليس إلى الإسلاميين، الذين تحالف متشددوهم في حزب أردوغان مع العسكر
وعلمانيي (حزب الشعب الجمهوري) في أثناء التصويت ضد الجناح الغالب في (حزب
العدالة والتنمية) المؤيد للمشاركة، بينما نجد أن أردوغان وحزبه هما أكثر
استجابة لمعايير الانضمام إلى الجماعة الأوروبية من العسكر، الأمر الذي ينطبق
على المشكلة القبرصية، وكذلك هم أكثر تلاؤمية مع حقائق (ما بعد بغداد)
الأميركية، وخاصة في الموضوع الكردي، الشيء الذي جعلهم يظهرون، ولأول مرة خلال
نصف قرن، في وضع القوة التركية الأقرب لواشنطن، وهو موضع كان يتربع عليه
الجيش التركي منفرداً من دون منافس محلي.
من الواضح، عبر خطابات الرئيس بوش (وكذلك أركان إدارته) في فترة ما بعد
(11 أيلول)، أن سيد البيت الأبيض ينأى بنفسه بعيداً عن المواقف المتطرفة
تجاه الإسلام والمسلمين، كالتي قدمها (جيري فالويل) و(بات روبرتسون)، وأنه
يميز (ابن لادن) عنهما، وبالتأكيد فإن مفكري الإدارة الأميركية وصنّاع
قرارها يفرّقون بين محاربة عقيدة، مثل الشيوعية، ومحاربة دين يعتنقه خمس سكان
المعمورة، مما يجعل ضرورياً عندهم التمييز بين أتباع هذا الدين والحركات
السياسية التي تستلهم أيديولوجياتها وبرامجها السياسية منه، هذا إذا لم يكن
أساسياً تطبيق "المعايير المزدوجة" على هذه الحركات بين "المتطرف"
و"المعتدل"، وهي التي كان الكثير منها حليفاً للغرب، إلى الماضي القريب حتى سقوط
موسكو، ضد الأنظمة القومية العربية وضد السوفيات.
هناك مشكلة يواجهها الأميركان في الشرق الأوسط الإسلامي، الممتد بين
بيشارو والدار البيضاء، تتمثل في أن الأفكار التحديثية التغريبية، من ليبرالية
وقومية إضافة إلى الماركسية، قد هُزِمت فكرياً (وبغض النظر عن ما يجري في
الساحة السياسية) أمام الأفكار الإسلامية، وأن الأخيرة تملك رصيداً
اجتماعياً أقوى، فيما القوى الحديثة والديناميكية في الاقتصاد، وكذلك الفئات
الأكثر تفاعلاً والتصاقاً مع العلم والتكنولوجيا، هي في المعسكر الإسلامي،
إذا لم يكن في شق الأخير السياسي، فإنها في شقه الطقوسي والفكري.
هذا الوضع يفرض على واشنطن المرور بمعادلة إجبارية، هي أبعد من إطار تسكين
المنطقة عبر تسوية "مرضية" للعرب والمسلمين في فلسطين وكذلك في العراق،
تتمثل في كون الأنظمة القائمة الحليفة لواشنطن قد استهلكت وسقطت معنوياً،
بالترافق مع مآزق الأيديولوجيات التي أُصعدت للحكم من خلالها،ومع تآكل
وانحسار وضيق قاعدتها التمثيلية الاجتماعية، وبخلاف الفكر الإسلامي الذي هو في
أعلى شقق البناء السياسي والفكري.
كان هذا الوضع، مترافقاً مع عدم إيجاد معادلة مع إسلاميي العالم العربي من
قبل واشنطن، هو السبب في عدم حماس الأميركان للديموقراطية ونشرها في
المنطقة، بخلاف ما فعلوه في مناطق عديدة من العالم في العقدين الأخيرين من
القرن العشرين بعد اضمحلال وانهيار القوة السوفياتية، لأنهم كانوا يدركون بأن
(صندوق اقتراع) العرب الراهنين سيؤدي إلى قوى فائزة ليست "ملائمة" للمصالح
الأميركية.
هل يؤدي قلق واشنطن من تموجات المجتمعات العربية والإسلامية وعدم عكس
الأنظمة الحليفة لواشنطن لأوضاع هذه المجتمعات ومصالح وميول الغالبية
المجتمعية فيها، من جهة، وسعي الإسلاميين من أجل إيجاد حلول لمآزقهم التي ارتفعت
وتيرة أخطارها بعد الانتقال من طابق مواجهة الأنظمة إلى طابق المجابهة مع
(القطب الواحد) من جهة أخرى، إلى بحث الطرفين عن معادلة شبيهة بما حصل في
أنقرة الأتاتوركية؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حُرم من حلمه والنتيجة صادمة ونهاية حب مأساوية بسبب الغيرة! ت


.. إيران تلغي جميع الرحلات الجوية.. هل اقتربت الضربة الإسرائيلي




.. ميقاتي لسكاي نيوز عربية: نطالب بتطبيق القرار 1701 وأتعهد بتع


.. نشرة إيجاز - مقتل شرطية إسرائيلية وإصابات في بئر السبع




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان المعارك الضارية