الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستشار رئيس الوزراء و(التنظير) حول فشل الصناعة العراقية!!

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2010 / 3 / 5
الادارة و الاقتصاد


عن برنامج عرضته القناة العراقية اسمه (نخب)
مستشار رئيس الوزراء و(التنظير) حول فشل الصناعة العراقية!!
إلى أين ستقود العراق هكذا (نخب) !!

ساعد الله العراق وأعانه ....
فالله وحده يمكن أن يكون المنقذ لبلد تتحكم بـ (اقتصاده) و(حياته) هكذا (نخب) !!
أقول هذا وأنا أنهي حلقة يوم الثلاثاء 2-3 من برنامج تقدمه الفضائية العراقية بعنوان (نخب)، استضافت فيه بعض المرشحين للانتخابات القادمة من (النخب)، كما قدمهم الزميل صاحب البرنامج وكان منهم السيد علي الدباغ مستشار السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي. وقبل أن أناقش ماطرحه أتقدم بنصيحة لوجه الله للسيد المالكي بأن يحدد لمستشاره هذا ميدانا محددا للحديث، لا أن يتركه يتحدث في (الرياضة) و(الصناعة) و(النفط) و(التخطيط) و(الإسكان) بالمعلومات المعرفية الهزيلة التي يمتلكها عن كل قطاع وأعتقد أن أفضل ميدان يتحدث فيه هو (فقه ماتحت السرّة) فهو الأقرب إلى ثقافته ومحيطه ...فهذا الذي يسمي نفسه دكتورا، ألغى بجملة واحدة تاريخا مشرّفا للصناعة الوطنية العراقية. فقد قال – لا فُضّ فوه - إن المشاريع الصناعية العراقية فاشلة كلها!! وحين حاول أحد المشاركين في البرنامج وهو الوحيد الذي كان يمتلك حسا مهنيا بذلك القطاع أن يدافع عن الصناعة فقال بأن هناك صناعات نفخر بها قاطعه، (الدكتور) بانفعال قائلا: (اشو ما كنا نشوف صناعة)!! ولا أعرف أين يرى (الدكتور) الصناعة وهو الذي قضى ردحا من عمره يناضل في فنادق دول الجوار على حساب أجهزتها، يوم كانت الكفاءات العراقية تبني صرحا صناعيا دمره المجرم بريمر وأعوانه. ويبدو من طروحات (الدكتور) أن هناك قرارا غير معلن بـ (اجتثاث الصناعة الوطنية العراقية) باعتبارها هي الأخرى (صدامية) من وجهة نظرهم.
ولابد أن أشير هنا إلى أن النظام الذي جاء بعد انقلاب 8 شباط 63 أهمل مشاريع (الاتفاقية العراقية – السوفيتية 1959 وترك مكائنها في العراء باعتبارها معامل شيوعية، هكذا كانوا يقولون). وحين عاد البعث للسلطة نهاية الستينات استأنف عملية نصب معداتها (مشاريع الإسكندرية والزجاج نموذجا). فما أشبه الليلة بالبارحة!! طروحات الدباغ تترك أمامنا خيارين لا ثالث لهما: الاستيراد من الجوار بديلا للصناعات الوطنية كي تمتلئ جيوب القومسيونجية وحرامية دولة القانون بالملايين من الدولارات، أو بيع كل شيء للمستثمر الأجنبي، وليذهب مستقبل الأجيال العراقية إلى الجحيم. ولا أعرف ماهي المؤشرات التي يمتلكها أو التي استند اليها (الدكتور) في قراره القاطع بفشل المشاريع الصناعية في العراق، والقطاع الصناعي ظل في أقسى سنوات الحصار يسد جزءأ هاما من احتياجات الشعب العراقي، وكان عدد مشاريعه الناجحة (قبل عمليات النهب البريمري) أكثر بكثير من عدد المشاريع الفاشلة. ويمكنني القول بأن سنوات الحصار الظالم على العراق قد أسهمت في تدهور هذا القطاع وتقادم معداته مما أدى إلى زيادة عدد المشاريع الخاسرة التي لو قارنا حجم خسارتها بما تقدمه من خدمات للمجتمع لوجدنا بأنه لايذكر مقارنة بحجم الملايين التي أهدرت في مشاريع الإعمار الوهمية.
لقد بدأ تنفيذ خطط التنمية الصناعية في السبعينات يوم كان هناك مشكلة مركزية الصناعة في بغداد، فوزعت الصناعة على المحافظات لامتصاص البطالة، وحققت الخطة نجاحا في هذا المجال. وتلك واحدة من مهمات الصناعة وإلا فهل يعتقد (الدكتور) أن شركة صناعة الألمنيوم في الناصرية (مثلا) يمكن أن تنافس أي خط إنتاجي لصناعة رقائق الألمنيوم في الصين من ناحية الأسعار، كي يسميها صناعة ناجحة؟ حين اندلعت حرب الخليج الأولى تغيرت المعادلة، فقد سيق العديد من المواليد من أعمار العمل في الإنتاج، سواء المهندسين أو العمال، إلى الخدمة العسكرية مما أدى إلى إحلال العمالة البديلة (المصرية) غالبا. كانت هذه عمالة غير مستقرة حولت المشاريع الصناعية إلى ورش تدريب مما عجل في استهلاك المعدات والمكائن. ومع ذلك استمر القطاع بتوفير جزء كبير من احتياجات المواطنين من مختلف المنتجات. صحيح إن الصناعة حظيت يومها بإجراءات حمائية بنسب متفاوتة كانت تقر وفق دراسات تعد لهذا الغرض ويشارك فيها ممثلون عن القطاع التجاري واتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات ووزارة المالية، بهدف تحديد السياسة الضريبية تجاه المستوردات التي تحقق الموازنة بين المعروض من الإنتاج الوطني وحاجة السوق، ولكنها حققت معادلة النوعية في العديد من قطاعاتها. كان المواطن يفضل القماش الصوفي المنتج في شركة الغزل والنسيج الصوفي في الكاظمية (فتاح باشا) على القماش المستورد من الصين، والبطانية التي تنتجها الشركة نفسها على البطانية الصينية، وكنت تحس باعتزاز العراقي بصناعته وبكفاءة عماله ومهندسيه وفنييه. ولو أردت الدخول في تفاصيل حول شركات القطاع المختلط وتطور نوعية منتجاتها فسأحتاج إلى صفحات طويلة، ورغم أن النظام البعثي اعتمد منهج تسليم المسؤولية الأساسية لأصحاب الولاء، إلا أن بعض هؤلاء اعتمدوا في إدارة قطاعاتهم على أصحاب الكفاءة لأنهم كانوا يطمحون إلى البروز أمام قيادة الدولة. (حسين كامل مثلا اعتمد على عقول عراقية مبدعة لاعلاقة لها بالبعث، الدكتور عامر السعدي والدكتور جعفر ضياء جعفر والدكتور عامر العبيدي) وعشرات غيرهم تفوتني أسماؤهم الآن. فهل من الأمانة أن يختصر تاريخ صناعة الغزل والنسيج (مثلا) في ندوة (النخب) (بفانيلا تصنع في الكوت بإمكاننا أن نستورد أحسن منها بفلس ونص)؟ أي منطق عقيم هذا الذي يختصر تاريخ صناعة عريقة شهدت تطورات كمية ونوعية في السبعينات، حيث أدخلت أحدث المعدات والمكائن لـ (النسيج الناعم في الحلة) و( النسيج القطني في الديوانية) و(نسيج الموصل) و(النسيج الصوفي في بغداد) وغيرها، بحيث أصبحت منتجاتها مصدر فخر لنا في المعارض الدولية. وكل ذلك تم بفضل كوادر عراقية ذات كفاءة عالية، أذكر منها أسماء مازالت في ذاكرتي، مع الاعتذار للآخرين: (ناجي حداوي السعيدي، محمد رضا الشريفي، غسان مرهون، صباح العبيدي، حمدي دخيل الأسدي،عبدالرحمن هادي، حسن القره غولي، علي القره غولي، متى طنبورجي، طه محمود سلطلن ونظام النوري) والعشرات من الكوادر الفنية التي لاتسعفني ذاكرتي لتعدادها بعد كل تلك السنوات. نعم هناك دول تركت الصناعات البسيطة (الفانيلات) التي استهزأ بها الدباغ، وكندا التي أعيش فيها مثال على ذلك. ولكن هذه الدول لديها صناعات بديلة متقدمة استوعبت شبابها، فماهي البدائل بالنسبة للعراقيين؟ ... ماهي البدائل التي يملكها (النخب) التي استضافها البرنامج؟ تعالوا نعُدْ مرة أخرى إلى (الدباغ) الذي لو اكتفى بالحديث عن صناعة الدباغة لقلت بأنه يتحدث عن تراث مهني لأجداده، ولكنه قال - ولا (فض فوه) مرة أخرى - (إن الحكومات فاشلة في إدارة المشاريع الصناعية، وإننا، كما قال، جربنا ولكن بسبب العملية السياسية وتعقيداتها بخجل ونجحنا حين أدخلنا الشريك الأجنبي في صناعة السمنت). وأقول هنا بأن إدخال الاستثمار العربي أو الأجنبي في هذه الصناعة خطيئة لاتغتفر، فهذه الصناعة العريقة في البلد، والتي تعتبر أول صناعة شقت طريقها للتصدير منذ الستينات، يوم كان على رأس شركة السمنت العراقية تحسين بكر، يومها لم يكن هنالك أية مشاريع مماثلة في المنطقة، وهي صناعة تعتمد على مدخلات محلية بنسبة عالية جدا (حجر الكلس) (حجر الجبس) (التراب) (الرمل). وكان يمكن إعادة تأهيل المشاريع القائمة خاصة وإن بعضها أقيم في نهاية الثمانينات واستخدم تقنيات حديثة في الإنتاج والمحافظة على البيئة، (سمنت كربلاء) (المثنى الجديد) (طاسلوجة) (القائم) (سنجار)، وتأثرت بعليات النهب والتخريب حين دخل الاحتلال لتعود للإنتاج وتسد جزءا من الحاجة المحلية، وسبب اعتباري إدخال الاستثمار الخارجي خطيئة هو أن المستثمر أو المشتري سيحقق أرباحا هائلة من بيع الإنتاح محليا لمشاريع إعادة الإعمار، أي إنه سيبيعنا صناعة استخرج مدخلاتها من أراضينا وسيتحكم بالأسعار من ناحية، وبالعاملين من ناحية اخرى. وفي هذه الحالة سيصبح من الصعب جدا على أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة أن يحلموا، حتى مجرد حلم، ببناء بيت للمستقبل. ولكن ماذا نقول والعراق بات يستورد حتى الطابوق الطيني من دول الجوار؟ والأدهى والأمرّ عودة(الكور) البدائية المدمرة للبيئة ولصحة السكان في العديد من مناطق العراق الجنوبية، بعد أن كان القانون العراقي يعاقب على إقامتها إثر إقامة مجمع النهروان الخاص بصناعة الطابوق والجلود. إنها (الثقافة البريمرية) لتدمير قطاع الدولة. وعودوا لمذكرات بريمر لتدركوا من أين يستقي (الدباغ) وعدد من دعاة بيع الدولة للمستثمر الخارجي ثقافتهم، ولا تستغربوا إذا ما سمعتم من الدباغ دعوات لبيع مؤسسات الكهرباء أو الماء أو السكك، وإذا ماغلف ذلك بحرية السوق أو انطلاق الاستثمار أو غير ذلك من الترهات. (للعلم بدأت بعض الدول الأوربية تعيد النظر في قراراتها السابقة ببيع البنى التحتية للقطاع الخاص).
تعالوا لنستمع لواحد آخر من (نخب) البرنامج. قال الرجل بأن البداية يجب أن تكون من قطاع الإسكان لأنه هو القطاع المحرك لمختلف القطاعات. وسعدت للحظات، فقد اعتقدت أن الرجل سيطالب بإعادة الحياة لشركات المقاولات العملاقة التي كانت تتبع وزارة الأشغال والإسكان وشركة الفاو، والتي تضم أفضل الكفاءات الهندسية والفنية العراقية، والتي أنجزت بفترات قياسية إعمار ما دمرته حرب الكويت، وبنَتْ أجمل الجسور في بغداد والمحافظات، ويمكن اعتبارها ميادين عملية لتدريب الخبرات الهندسية الشابة، مما يوفر تمازجا في الخبرات بين الأجيال في القطاع الهندسي لتقوم بالمهمة، ولكنني فوجئت بمقترح الرجل (نأتي بالمستثمرين .. نعطيهم الأرض مجانا والماء والكهرباء، ثم نقول لهم تفضلوا ابنوا وحدات سكنية ...) هكذا تكلم الرجل. وقال إن كردستان خاضت التجربة، وهناك قرى نموذجية إيطالية وألمانية و...و الخ ولم يقل لنا الرجل كيف سيتم تسعير الوحدات السكنية التي سيبنيها المستثمر، ومن سيستطيع شراءها من الشباب الذين لاعمل لهم في ظل سياسة (تعالوا نبِعْ كل شيء للمستثمر الأجنبي).
في ختام البرنامج الذي يحتاج من يشاهده إلى حبوب مهدئة لسماع أفكار تلك (النخب)، تحدث الدباغ عن (مجلس الأعمال)، الذي يبدو أنه من بنات افكاره، وهو منظمة يراد منها أن تكون بديلا لاتحاد الصناعات العراقي واتحاد الغرف التجارية بشكل أو بآخر. وسأعود في مقال لاحق مرة أخرى لاتحاد الصناعات وظروف (اجتثاثه) من قبل أحمد الجلبي. فقد تلقيت رسالة من الأمين العام السابق بعد نشر مقالتي إثر إيقاف الاتحاد عن العمل، تلقي الضوء على ماجرى في الاتحاد منذ الأيام الأولى للاحتلال.
والسؤآل الآن هو .. إلى أين سيذهب العراق بفضل هكذا نخب (تلغي) تاريخ صناعاتها ولا تحترم كفاءة أبناء شعبها في مختلف القطاعات؟ وعذرا من أحد المشاركين الذي حاول أن يرفع صوته دفاعا عن الصناعة الوطنية ولكنهم اسكتوه قبل أن يكمل. إن الاعتزاز بالكفاءة العراقية والإنجاز العراقي هو واحد من معايير الوطنية العراقية، سواء كان ذلك في ظل نظام دكتاتوري كنظام البعث، أو فوضى تدّعي الديمقراطية كما هو حال النظام في العراق اليوم. وهذا يدفعني للخوض في ميدان لا يروق للكثيرين من الأصدقاء، هو الكتابة عن صدام حسين والصناعة، ليس دفاعا عن الحاكم الدكتاتور ولكن إنصافا لحقائق تاريخية عشناها نحن الذين رافقنا مسيرة القطاع الصناعي وستندثر بموت جيلنا، وفضحا لزعامات تدّعي الوطنية، ولكنها لاتحترم الكفاءة الوطنية العراقية ولاتنظر للمستقبل إلا بعين الفائدة الشخصية والانتقام من كل ماتم بناؤه في زمن البعث، ذلك البناء الذي تم بأموال عراقية وعقول عراقية.
*رئيس تحرير جريدة (البلاد) الكندية
[email protected]
www.albilad.net








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي