الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الوطنية وحالة - أمير حماس الأخضر-.

رائد الدبس

2010 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أفترض أن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال،سوف تؤدي إلى ولادة فروع جديدة في حقول العلوم الإنسانية والسياسية، تكون الكلمة المفتاح الرابط فيما بينها: الاحتلال.
على سبيل المثال: علم إجرام الاحتلال، علم نفس الاحتلال . علم اجتماع الاحتلال.علم مفاهيم ومصطلحات الاحتلال.. وبالمقابل أيضاً، علم اجتماع الثقافة الوطنية، وعلم نفس التربية الوطنية، وعلم المفاهيم والمصطلحات الوطنية، وعلم المناعة الوطنية.. والخ.

المتابع لسيناريو "أمير حماس الأخضر" الذي يجري ضخّهُ إعلامياً في الصحافة الإسرائيلية والإعلام الأمريكي بصورة مكثفة، يستطيع أن يرى بوضوح، أنه عبارة عن حلقة جديدة ومثيرة ، ضمن مسلسل كيّ الوعي الفلسطيني بمكواة ساخنة، وإن كانت في هذه المرة أكثر من ساخنة بكثير.
في هذا السيناريو، نحن أمام حالة من حالات التشوّه التي لا يمكن حصر دراستها في إطار التحليل النفسي فحسب، فهي جريمة من جرائم الاحتلال "الإبداعية" التي تستحق الدراسة والتفكير، ضمن أكثر من فرع من فروع العلوم الإنسانية. وهذا ما قصدته في مقدمة المقالة عن فروع جديدة في العلوم الإنسانية يكون الاحتلال عنوانها ورابطها.. حيث يستطيع الاحتلال الأطول والأقسى في التاريخ الحديث، أن " يُبدع " في خلق تشوهات اجتماعية ونفسية وأخلاقية، ليس لدى ضحاياه فحسب، بل داخل مجتمعه أيضاً. وكيف " يُبدع " في خلق مصائر بشرية مشوهة وشاذة عن القاعدة.. هذا يستدعي منا بالمقابل بحثاً وتفكيراً لدراسة هذه الحالة ومثيلاتها، ضمن علوم التربية والثقافة والمناعة الوطنية، بالدرجة الأولى.

في المقابلات الطويلة التي يدلي بها "أمير حماس الأخضر" ، هنالك الكثير من الكلام الذي يصيب المرء بالغثيان.. بدءً من تركيزه على أنه عمل مع جهاز الشاباك عن "عقيدة خالصة"!! مروراً باستخدامه الدائم لصيغة "نحن" الجمعية حين يتحدث بفخر واعتزاز عن الإنجازات التي حققها الجهاز..وصولاً إلى قوله أنه يتمنى لو كان في غزة لأجل العمل على تحرير شاليط من الأسر، أما والده الأسير المسكين الذي يقبع في سجون الاحتلال،والذي يتعاطف معه الآن في مصيبته كل الفلسطينيين، فلا يسعى لتحريره.. والخ من الكلام الذي لا يصيب الفلسطينيين وحدهم بالغثيان، بل يصيب أي إنسان طبيعي آخر بالشعور ذاته..
بيْد أن كل ما قاله وما سوف يُتحفنا به في كتابه الموعود، يذكرني بمقولة قديمة قالها أبو الطب، أبوقراط لتلاميذه : لا تركزوا كثيراً على ما يقوله المريض عن مرضه، بل انتبهوا إلى ما لا يقوله. فمن عادة المرضى الهذيان، وتصوّر أوجاع في غير موضعها، وهم أحياناً يتخيلون أنهم يُدركون علاجهم أفضل من إدراك الطبيب..

ما قاله "أمير حماس الأخضر" حتى الآن يمكن اعتباره سيناريو جاهز، ليس هو الكاتب الرئيسي فيه..وما لا يقوله "الأمير" المريض في هذه الحالة ربما يكون أكثر وأهم بكثير مما قال، وما سوف يقول. لكن واحداً من أهم الأسئلة الإشكالية الكثيرة التي يثيرها هذا السيناريو الجاهز، لماذا يختار شخص مثله بعد حوالي أربعة عشر عاماً من العمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته، اعتناق الديانة المسيحية وليس اليهودية؟ أما كانت الديانة اليهودية هي الأوْلى والأقرب لصاحب "العقيدة الخالصة" في العمل مع جهاز الشاباك ؟ فما علاقة الديانة المسيحية بكل هذا المصير البشري المُشوّه والشاذ عن القاعدة؟؟ ألا يشكل زجّ المسيحية في هذا السيناريو حبكة ذكية ومقصودة من جانب الكاتب الرئيسي؟ ألا يشكل اختيار اعتناق المسيحية في مثل هذه الحالة، إساءة مقصودة للديانة المسيحية ؟ أسئلة وأسئلة كثيرة قد ينتقي
" أمير حماس الأخضر" بعض إجاباتها من كتب التربية الدينية التي تلقاها في طفولته وريعان شبابه، ثم من تجربة عمله في حماس ومع الاحتلال. لكن ما من شك أنه عانى من نقص حاد وخطير في التربية والثقافة الوطنية طيلة حياته.. وهو الأمر الذي جعله مصاباً بمرض نقص، ثم فقدان المناعة الوطنية مرةً واحدة وإلى الأبد..

لنترك السيناريو الجاهز لأمير حماس الأخضر، ولنتأمل قليلاً في سيناريو جاهز آخر كان قد كتبهُ أميرنا الفلسطيني الحقيقي الرفيع البديع، وفارسنا النبيل محمود درويش . في قصيدته "سيناريو جاهز" يقدم لنا محمود درويش من خلال سيناريو افتراضي أو مُتَخيّل، محاكمة فريدة للحالة الفلسطينية-الإسرائيلية المفروضة علينا قسراً بقوة الاحتلال.. يقول فيها : لنفترض أنّا سقطنا أنا والعدو، سقطنا من الجو في حفرة ..فماذا سيحدث؟؟ ومن خلال تلك الفكرة يقدم باسمنا مرافعة إنسانيةً فلسفيةً ذكيةً وراقية، يستخدم فيها أسلوب السخرية اللاذعة، ويعطي من خلالها أيضاً درساً في المناعة الوطنية، بأسلوب ذكي وغير مباشر أو تبشيري.

في قصيدته : خطبة الهندي الأحمر أمام السيّد الأبيض، تساءل محمود درويش على لسان الهندي الأحمر قائلاً : ألا تحفظون قليلاً من الشعر كي توقفوا المذبحة؟؟
ربما لا يضيف الفلسطيني جديداً إذا أعاد طرح السؤال ذاته على الاحتلال، لكن تحفيظ تلاميذنا في المدارس والبيوت شيئاً من الشعر ربما لن يوقف المذبحة، لكن المؤكد تماماً أنه يساهم في تربيتهم تربية إنسانية سليمة، ويعزز مناعتهم الوطنية أيضاً. كنت أتساءل خلال وبعد قراءتي لسيناريو أمير حماس الأخضر، أسئلة قد تبدو ساذجة : هل قرأ ذاك الشاب يوماً في حياته شيئاً من شعر درويش أو سميح القاسم أو توفيق زياد أو نزار قباني مثلاً؟ هل قرأ يوماً في حياته قصة لجبرا إبراهيم أو غسان كنفاني أو إميل حبيبي أو غيرهم من الكتّاب والأدباء العرب والعالميين؟ هل تأمل يوماً لوحة من لوحات إسماعيل شمّوط أو غيره ؟ وهل سمع بأسمائهم أصلاً؟ أم أن تربيته اقتصرت على ثقافة دينية محدودة فحسب ؟ أسئلة كثيرة تطرحها علينا حالة "أمير حماس الأخضر"، وخصوصاً فيما يتعلق بالتربية والثقافة الوطنية، والمناعة الوطنية .. ومن باب أن الشيء بالشيء يُذكر، فإن هنالك صوراً تبقى ماثلة في الأذهان لما تحمله من دلالات. فالصور الأولى التي عرضتها شاشات الفضائيات في الساعات والأيام الأولى بعد انقلاب حماس في غزة، لشبّان ملثمين ومسلحين ينزلون العلم الفلسطيني عن مباني المؤسسات الوطنية الفلسطينية ويلقونه على الأرض فيما يرفعون راية حماس، ناهيكَ عن غيرها من الصور الأكثر فظاعة.. كنتُ أتساءل مثل الكثيرين آنذاك، ما نوع التربية أو الثقافة الوطنية التي تلقاها أؤلئك الشُبّان ؟؟

أخيراً، في الاحتفال بيوم الثقافة الوطنية الفلسطينية يوم 13 من آذار الجاري وهو يوم ميلاد شاعرنا الكبير محمود درويش، فإن المسألة الأهم هي قيمة الثقافة الوطنية في تربيتنا الوطنية وفي صنع وتربية المناعة الوطنية..تلك هي المسألة. فما بين سيناريو أمير حماس الأخضر ، وسيناريو أمير الثقافة الوطنية الفلسطينية، تبارك اسمه محمود درويش، شتّان ما بين الثرى والثريّا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة