الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب الحرية السياسية مشكلة العالم العربي

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تبنى موريس هوريو فكرة أليكسيس دوطوكفيل التي تبنى عليها أطروحته في الديمقراطية في أمريكا القائلة أن المؤسسات الجماعية تلعب دورا في تعليم الحرية لا يوازيه إلا الدور الذي تلعبه المدارس الابتدائية في تعلم العلم. فهي تجعل الحرية في متناول الشعب وتجعله يتذوق استعمالها الهادئ ويعتاد على استعمالها. فبدون مؤسسات جماعية لن يكون بإمكان أمة أن تقيم حكومة حرة ولكن دون أن تتمتع بروح الحرية ، فكأنه يصور المجتمعات العربية وحالها بصفة عامة.
فقد يظهر لك في الصورة حكومة حرة ولكن البناء القاعدي الديمقراطي مغشو ش وهو مرض قد نسميه الديمقراطية المعاقة .(النموذج المغربي)
إن الحرية إن لم تتزاوج بالإبداع القاعدي لا يمكن أن تنجب أفكارا ولا ديمقراطية ولا حتى محيطا سليما للتعايش والتلاقح، وهنا نقصد الحرية السياسية بالضبط.
إنها البلسم الشافي لجرع عميق و شرخ حضاري مزمن، و المفتاح السحري المفقود لادراة "سيارة النهضة العربية" ، و المبيد الطبيعي لاٍنضاج النخب المحلية التي تغلي بالأفكار والمشاريع ولدفعها دفعا إلى الإبداع في الحكم إن هي تنفست في محيط غير ملوث ميكافيليليا وحيث لا يسود مناخ الخوف الأمني المستديم .
لقد كان أحد أبرز تجليات غياب الحرية السياسية في مجتمعنا العربي هو هذا الحصاد الذي لا يسر العدو و لا الصديق، و كأني بها "براقش جنت على نفسها" و كانت "غلتها" العنف والتطرف في الأراء – لسيادة النزعة الفردية و غلوها الوهمي النرجسي– والذي أدى في النهاية إلى الإعاقة الفكرية المزمنة الإجتماعية والإقتصادية والتربوية، وهو هذا الشرود التاريخي ، وهذا التسمم الحضاري الخطير.

•الحرية السياسية
الحرية السياسية هي مفهوم شمولي، يمتد لكافة الحقول و يخترق كل المجالات، حتى الحقل الديني، وبدون امتلاك الانسان لرصيد من الحرية السياسية، فهو يشكل خطرا على المجتمع و على ذاته و على محيطه، و الحياة بما فيها هي سياسة الله ، و لن يفهم سياسة الله الا مخلوقه "الانسان"، و الفهم الصحيح لا يستوي دون فهمه معنى سياسة الله ، و نحن هنا لا نخلط بين سياسة البشر التي هي سياسة مادية و بين سياسة الله التي هي سياسة تتجاوز حدود العقل و تشمل الطلق من"الخير والجمال والحق و العدالة و المساواة..."
الحرية السياسية تعرَّف حسب الفكر الانساني عموما بأنها: قدرة الفرد وحقه الطبيعي على التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية تامة، و في حقه في الاختيار و المشاركة و النقد و المحاسبة ، و نحن نقول قدرة المجتمع على التعبير عن برامجه و أفكاره في "التصرف في حريته" وفلاحتها" و "استثمارها " و" انتاجها " وبحرية تامة، حرية قوامها العقل و غايتها تكريم الانسان، دون ان يؤدي هذا التصرف الى " الحاق اضرار بالطبيعة أو بالآخر"، على أن الفكر الاسلامي ينفي ان تكون هناك حرية سياسية خارج "أسوار " الله، و هذا هو القتل العمد للعقل و لمفهوم تكريم الانسان من طرف خالقه،


•الأنظمة العربية والحرية السياسية

لم يكن ولن يكون لهاته الانظمة المسرفة في التقتير على شعوبها و المولعة بالقمع وسلب الحرية و التلذذ بالاستقواء بالأجنبي، والتي ورثت ذات صباح او ذات عشية، هاته الضيعات الشاسعة و هذا القطيع الأليف، و كانها لا تفهم الا في تربية الأبقار و المواشي، أقول لن يكون لها "فهم مصيري " لقيمة الحرية السياسية لانتاج "انسان عربي" يمنحها ديمومة الوجود و شرعيته القوية عوض "تزكية" أجنبي، يمنحك "الترخيص" وفق مصالح و أجندته البراغماتية، و يسحبها لاتفه الأسباب كما وقع في حالة العراق .
قد ترى الانظمة في اطلاق شهب الحرية السياسية تهديدا مباشرا لوجودها ، و لمصالحها، و منح بغير موجب حق لكائن قاصر، حقا قي يستعمله ضدها بسوء نية، و لها الحق، لكنها لا تملك العذر مطلقا في التدرج في اطلاق "الحرية السياسيى من عقالها، ومنح الكائن العربي الحق في استعمال حقه و في التدرب على حسن استعماله و ترشيده.

•غياب مجتمع حديث بسبب غياب الحرية السياسية

نكاد لا نختلف وبحسب تعبير السياسي المغربي "محمد اليازغي" أننا خليط من العصر إلى جري والعصر القروسطي وعصر الإنحطاط وأضف عصر الإنبطاح وعصر الهرولة إلى ما هو غربي.
إن أكثر من نصف المجتمع غارق في وحل البؤس والخرافة والجهل وهذا حال المجتمع المتخلف حيث تصبح فلسفة اللاجدوى هي السائدة وحيث تعشش الخرافة في أمخاخ جامدة.
إن السبب هو انقراض الفكر الجماعي في هذا المجتمع وسريان النرجسية فيه وهذا نهج للأنظمة الديكتاتورية في فترة ما بعد الإستقلال.
مجتمع يسوده خوف شديد وجبن لا نظير له- وأفكار سوداء ظلامية وتطرف غذاه جهاز بارد سياسيا وصدأ, متآكل, يشبه مصانع الثورة الأوربية في القرن التاسع عشر.
آله اسمها النظام لا تأمين عليها، خطرة، بدون صيانة ولا أمان.
ولحد الساعة ليس هناك حيوية للمجتمع المدني -و خصوصا من شبابه المتعلم- واتجاه نحو التنظم في اطارات منتجة، جمعوية او تعاونية او تضامنية بصفة عامة، و الجميع يهرول ذات اليمين و ذات اليسار، و الكل له نظريته في اصلاح ما حوله، وهو نوع من المرض الذي اعترض صحة المجتمع العربي الحذيث الذي لا يؤمن بفلسفة التكامل وثقافة المؤسسة و التخصص الا ناذرا ...
هو مجتمع يحتاج لتأهيل عظيم وجبار و شاق ومؤلم، لكنه ممكن، لا فلاحة بدون تعب و بدون مشاكل و بدون حشرات و مبيدات ....

•الفراغ السياسي سببه غياب الحرية السياسية

إن دولة مناخها جاف، لا يمكن أن تنتج إلا مؤسسات جافة، وأحزاب جافة لا تربطها بالأرض إلا امتصاص الماء منها.
مؤسسات وأحزاب تشبه الصبار الشوكي لا تقطف الثمار منها إلا بعد أن تتأدى من شوكها.
هناك فراغ سياسي يتأقلم فيه هذا الصبار مع هاته التربة الجافة ومع هذا المناخ الجاف.ومع هاته الأنظمة الجافة
إذ أن غياب مؤسسات وأحزاب ندية لا يمكن أن يعطي دولة ندية والعكس بالعكس.
إن الرياح القارية الجافة المحملة بالرطوبة السياسية والجفاف الفكري والبرودة القاسية أدى إلى مرض مزمن لجهاز النظام و المجتمع و النخبة مرض عوارضه القلق والعنف والشراهة القاتلة للأحاسيس والفكر والإبداع وآلام روماتيزمية نتيجة تصلب المفاصل السياسية للدولة والمجتمع والفرد المغربي و الانتهزية و الهرولة
ولابد من إيجاد الحلول – لا نريد مسكنات – لهذا الأشكال المرضي الذي يحد من النمو الطبيعي للجسد – الدولة – والتفكير الطبيعي المتناسل من العقل المرتبط بهذا الجسد المريض والمعاق
.
•غياب أحزاب الإبداع ونخبة الإبداع سببه غياب الحرية السياسية

الأحزاب العربية حديثة العهد – وما يهمنا منها الآن هو إلقاء نظرة على ما نحصده منها من أفكار ومشاريع وما قدمته من برامج ميكانيكية و تقنية و اقتصادية و فكرية و ادبية لصناعة النموذج النهضوي العربي الممكن.
إن الحزب له مفهوم خاطئ بالعالم العربي، لإرتباطه في مخيلة الناس بالشيطان لعوامل دينية، إذ لم يتبث تاريخيا أن تقبل الناس هاته اللفظة – بل اشمئزوا من ذكرها وهذا مرض يسري على العالم العربي عموما ، و قد ساهمت العناصر المتورطة في تدليك عضلات الحزب في افساده وتغذيته ناهيك عن "البهائم الذي تسكن اسطبله" باسم الفكر و التنظير، تميزت بميزة "واحدة" اللعب على الحبلين.... و ساهمت في بهيمية العربي و في تكريس فشله ، و ساهمت الانظمة في مزاوجة مفهوم الحزب بمفهوم الاسطبل، و حرمته من الحرية السياسية في مقابل الحرية البهيمية أي الثغاء و الصياح ، و حسب لغة حيوانات هذا الاسطبل.
إن الحزب -ميع في العالم العربي- بطريقة تزيد هذا الإشمئزاز – اشمئزازا؟ و المرتزقة السياسيون كثر و المراهقون السياسيون كثر وغلمان السياسة كثر ومومسات السياسة كثيرات .
الحزب – أيها الناس – مئة شجرة وكل شجرة تثمر أفكارا وما نسميه بالتيارات داخل الحزب. هذا الأخير لا يعني الرأي الواحد أو الشجرة الواحدة. إنه تفاعل وتناسق وإثمار على مدار السنة وكل شجرة تثمر فكرة وكل فكرة فاكهة تعالج مرضا.
- الحزب لا يمثل إيديولوجية تصلح للزمن كله وللناس أجمعين
هل هذا حال الأحزاب في عالم العربي ؟ لا بطبيعة الحال !!! الحزب يشبه القبر الذي صوره جان بول سارتر وصور من خلاله الجحيم .
إن الأحزاب في حاجة إلى مكنسة وأن أشجارا أشخاصا – يبس عودها وليس من المعقول أن تتاجر الأحزاب باسمها كفريق كرة قدم يدخل بأسماء لللاجين ولكن هؤلاء ما عاد في جعبتهم شيء يعطونها غير اللعب بأسمائهم !!!

•والنخبة ؟ ما حالها والحرية السياسية ؟

إن النخبة لا تعني المثقف في بلاد الغرب وحسب ولكنه ذاك المبدع و المناضل الاصيل الذي يفهم قيمة و معنى "الحرية السياسية الضرورية لحرث العقل العربي و للحصول على ثمار و محصول وفير، النخبة هم فقهاء السياسة الذين لهم دراية ب النقلة التي تغرس في هاته الأرض العربية و تناسب تربتها و فاكتها و نضوجها ممكن ووفيرة ! ! !
النخبة إذا التقت أفكارها تصبح شجرة، والشجرة , وما حولها من" أشجار أخوات" تكون النخب ,منها ما يتم نقله إلى الأحزاب، ومنها ما ننقله إلى قلب المجتمع. ومنها ما ننقله إلى السلطة .
النخبة نلقح بها الأحزاب والمجتمع والدولة...هي الأزهار المبهجة والأشجار المثمرة !
قليل من هم تتوفر فيهم هاته الشروط !!
النخبة الهدامة والأحزاب الهدامة والمجتمع الهدام إذا التقوا فاحذف اسم الدولة من التاريخ الكل يؤمن بالخرافة شعبا وأحزاب ونخبا والكل يقدم القرابين لكي يحكم! الكل له إله يعبده !!
هذه ثقافة التشاؤم إذن ! لا إنها ثقافة الواقع . وثقافة تحليل المرض قبل وصف الدواء......
وعموما لا حرية سياسية بدون تأهيل المجتمع و النخبة و الأحزاب، و التاهيل ينخرط فيه الحاكم والمحكوم، الفرد و الجماعة، الذكر و الأنثى، العالم و المتعلم ......
النخبة و أغلبها خونة "فطريون" أسوأ من عباد الشمس و ملموسة خيانتها و الشاد لاحكم له ....
لنبق في انتظار جيل عربي يؤمن بقيمة الحرية السياسية لتحقيق النهضة الممكنة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 3 / 6 - 20:56 )
الأخ الكاتب المحترم ، تحية إسمح لي بتقديم الإحترام لشخصك على المادة الجيدة ، ويبدو أن هناك نقاط لقاء عديدة مشتركة في تشخيص حالة المنطقة العربية إذا لم تجري عملية تغيير للبنية والذهنية الثقافية وتعلم ثقافة النقد لهذه المجتمعات فإن الإحتلال الوطني سيستمر في الحكم الى ما شاء القدر. تحية لك

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي