الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوزيف كونراد سينمائيا

احمد ثامر جهاد

2004 / 7 / 14
الادب والفن


إن الفكرة القائلة باستغناء الخطاب السينمائي عن الخطاب الروائي – بعد استقرار التقنيات الجديدة – لا يمكنها أن تسوّغ عودة السينما باستمرار لروائع القصص العالمية ، بطريقة تجعلها تجتاز كل الحدود التي قيّدت الرواية سنوات طويلة لتكون ذلك الفن الأقرب إلى وجدان الجمهور . ففي الوقت الذي أنبهر المشاهدون فيه بتقنيات وموضوعات أتاحت لخيالهم حرية أكبر في التصورات الذهنية وتأمل العالم المتحول أبدا ، طورت السينما احتمالات التناقض مع مسعاها ذاك . فما حققه فلم مثل ( حرب النجوم – STARS WAR ) للمخرج " جورج لوكاس" في أواسط السبعينيات لا يمكن أن يحققه أي فيلم حديث من النوع نفسه ، فثمة اجتراح خيالي ومهارة تقنية كانت اليق بعصرها آنذاك ، فضلا عن التخمة التي سببتها أفلام من ذلك الطراز الهوليودي دون أن تطور أي محتوى جديد أو تحظى بصفة امتياز باستثناء بعض الأفلام بالطبع .
من هنا لن يكون غريبا أن تعود " هوليود " أو غيرها من سنة لأخرى للبحث عن سيناريوهات ذات مستوى ، فلا تجد مَخرَجا لها سوى الأعمال الأدبية المكتوبة التي تتميز بجاذبية كبيرة في أوساط القراء والمهتمين . وفي أحيان أخرى تحاول توظيف قدرات ومؤثرات عالية لتقديم القصص الرومانسية بشيء من الإثارة والتشويق كما حصل في الفيلم الشهير " تايتنك " الذي نال شعبية فاقت كل التصورات .
ضمن هذا المناخ الموجه لصناعة الأفلام ،كان المخرج ( بيبيان كادرون ) قد قرر المغامرة مع الروائي صعب الهضم (جوزيف كونراد ) باختيار واحدة من قصصه الطويلة والرائعة هي " أيمي فوستر " التي ظهرت في مجموعة قصص " الإعصار – 1903 " ليحـوّلها إلـى فيلـم سينمائي عنوانه : " SWEPT FROM THE SEA"
وبنفس الحزم اختار المخرج " كادرون " للأدوار الرئيسية بعض الممثلين الشباب أمثال : راشيل وايز بدور أيمي وفنسنت برايز بدور" يانكو " إضافة إلى الممثلة الحائزة على الأوسكار" كاثي بيتس " بدور السيدة"وافر" .
يمكن القول أن نصيب أعمال"كونراد" في السينما قليل جداً بالقياس لباقي الكتاب من جيله ، ذلك للصعوبة التي ينفرد بها " كونراد " وبالأخص أعماله الكبيرة :
[ لورد جيم – قلب الظلمة - زنجي نارسيس – نوسترومو ] تجدر الإشارة إلى أن المخرج " فرانسيس فورد كوبولا " أقتبس عن رواية " قلب الظلمة " فيلمه السينمائي الشـهير " الرؤيا الآن " .
إن ذلك الغموض الذي يلف شخصيات " كونراد " و يؤطر مواقفها فيُعقد المغزى منها ، جعله مثارا لاختلاف واضح بين النقاد الذين منهم من يجده " غير مفهوم ولا مستساغ " ومنهم من يذهب في الاتجاه المعاكس ليرى ( انه متقدم على عصره إلى حد بعيد ) على حد قول إدوارد سعيد .
أن فهم روائي بمواصفات " كونراد " إجمالا ، سيحتاج إلى ثقافة عالية وتذوق رفيع ليوضع في المكان المناسب له .
" اندفع نحو البحر " فلم المخرج " كادرون " وضعَ كل ذلك جانبا ليصنع نسقا إنسانيا وجماليا عالي الجودة ، محافظا في الوقت نفسه على جوهر الحكاية وتأثيرها العاطفي ، ومستخدما أقصى الطاقات الأدائية لممثليه . وحتى يكون عملا مكتملا وناضجا ، عمد المخرج لاختيار الأمكنة الساحرة في التصوير ، فكان للبحر سطوته النافذة وتأثيره الخاص كمركز للشد والتوتر ، سيما أن الفتاة " ايمي " مسكونة بهاجس البحر وهباته . وعين الصواب أن يُعد " كونراد" بنظر النقاد ، افضل من كتب " أدبيات البحر " .
تدور قصة الفيلم حول حياة " ايمي فوستر " التي أودعها أهلها للعمل لدى عائلة ثرية ومتنفذة في القرية ، دون أن تمكنها حياتها تلك من الارتباط الحميم مـع أفرادها أو مع بقية الناس في تلك القرية التي كانت " ايمي " بالنسبة لهم موضعا للسخرية والتهكم والاشتهاء مثل لغز عجزوا عن تفسيره فاحتقروه . وفي حياتها كانت "ايمي فوستر " فتاة بسيطة لكنها غريبة وساحرة في الوقت نفسه .
تبدأ أحداث حياتها بالنبض الفعلي لدى وصول نبأ عن سفينة غارقة تصطدم أشلاؤها بشواطئ القرية الإنكليزية . سفينة محطمة لم ينجو من ركابها سوى " يانكو " الشاب القادم من الريف الروسي والذي سيغير حياة " ايمي " فيما بعد . كان " يانكو " قد فقد وعيه أثر الحادث المروع هذا ، فظن الناس أنه مجنون ، لكنه أسترد وعيه وعافيته بعد أن رعته شخصية مؤثرة ومستقلة هي " د . كيندي " الذي كان بمثابة " الشخصية الساردة " في الفيلم .
عندها تنشأ علاقة حب عنيفة تجتاز كل المحرمات والتقاليد بين " ايمي ويانكو" الذي يألفها منذ اللحظات الأولى مثلما تعده هي كإحدى هبات البحر ، ذلك الذي لا ينازعه أحد في حبها له . تتطور هذه العلاقة لتنتهي بالزواج الذي يتحول إلى كابوس بمرض " يانكو " وموته بعد أن تعرض لمشاكل كثيرة جعلته منبوذا من أهالي القرية . كان مـوت " يانكو " أعلانا لقدر غامض لا يرحم .
يُظهر الفيلم بوضوح بشاعة الروح المحافظة للإنكليز وتعاملهم البغيض مع " الآخر " حيث نرى في تفاصيل مختلفة كيف عزلوا " ايمي " عن مجتمعهم وحاربوها بكل الوسائل ، فما كان أمامها ، إلا أن وجهت حبها للبحر الذي لم يكن عشيقا كافيا لها . إن تطور أحداث الفيلم حافظ على عناصر التشويق والترقب وتنامي إيقاعه بموسيقاه الرائعة التي منحت لقطاته الكثافة الروحية الدالة ، إضافة جمالية إضاءته الذكية وزوايا تصويره البليغة التي ساعدت على تجسيد الحدث المأساوي ، وتجلت في المناخ الموحش والغربة الموجعة التي هيمنت على قرية ملعونة تلتهم مسراتها .
إن كُلاً من " ايمي " و " يانكو " أدركا اختلافهما عن الآخرين وغربتهما في مجتمع لا يكترث إلا للأحقاد والأوهام الساذجة . فكان لهما فرصةَ أن يتوحدا في ذات تواجه الاستلاب بالمحبة متى ما اصطدمت بعيون من زجـاج خاليـة من الرحمة جعلت " ايمي" تقول " ليانكو"في أحد مشاهد الفيلم : إنني آكل معهم وأعمل معهم ، لكنني لا أعيش معهم أبدا 00 لذلك كان تمسكها عنيفا بعشيقها الغريب ، وهي الفتاة غير الشرعية المحكوم عليها بخطيئة أبدية اقترفها الأب والابن مع الأم .
إن القراءة الفاحصة للغة التي يستخدمها " كونراد" فيصور بها الأشياء ويحكم عليها ، تجعل من الضروري جدا ربط الأحداث بأبعادها الميتافيزيقية والأخلاقية العميقة .
ربما نجح هذا الفيلم إلى حد كبير في تحمل أعباء معالجة " النص الأدبي " والتأكيد على براعة استخدام العناصر الفيلمية بمهارة شديدة خلال محاكاة " الكلمة المكتوبة " سينمائيا ، أو بإيجاد المعادل الموضوعي والجمالي لها من مستودع " الصورة السينمائية " .
أما بالنسبة لنظرة تقيس الإبداع الفني من زاوية المفاضلة بين الأجناس المختلفة ، فيمكن استعادة قول الناقد ( البرت فولتون ) ومفادها : " مع أن الفيلم لا يمكن أن يحاكي الرواية محاكاة تامة في مسألة الأسلوب ، إلا أنه يستطيع أن يظل أمينا على الرواية من وجوه أخرى.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا