الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدار البدائل الملتبسة

جهاد الرنتيسي

2010 / 3 / 7
القضية الفلسطينية


ثمة نزوع لتدوير زوايا الرؤية ، واستعادة ازمنة مضت ‘ في السجال الفلسطيني المحتدم ، حول السيناريوهات الملائمة للخروج من الطريق المسدود ، الذي انتهت اليه تحركات استئناف عملية سلام ، قادرة على الاستمرار ، وافراز وقائع جديدة على الارض .

ومثل هذه الظواهر لا تأتي من الفراغ ، بقدر ما هي نتاج تفاعلات ازمات ذاتية وموضوعية ، تفتقر للحلول .

فالخيار الذي تم تبنيه منذ عقود ، والمتمثل بقيام دولة فلسطينية ، الى جانب اسرائيل ، بات كسيحا ـ مع التلكؤ الكوني ، في الحد من الاندفاع الاسرائيلي المحموم ، لوضع العصي في الدواليب ، المتوقفة اصلا عن الدوران ـ ويحتاج انتشاله من كساحه الى عمل غير عادي ، لا تتوفر شروطه ، على المدى المنظور .

وتنقسم الخيارات البديلة ، التي يتم تداولها في العواصم المعنية ـ بشكل مباشر او غير مباشر ـ بين خيار يحتاج تحقيقه الى متغيرات عميقة وواسعة في بنى اطراف النزاع ودول الاقليم ، واخر يحمل في طياته احتمالات تصفية القضية الفلسطينية .

كما يضفي غياب جدية المجتمع الدولي في ايجاد روافع جديدة للحل شيئا من العبثية على تداول السيناريوهات المثار حولها الجدل .

يقابل هذا الغياب ، مراوغة حكومة اليمين الاسرائيلي ، ومواصلتها لحركة الاستيطان ومصادرة الاراضي في الضفة الغربية ، لفرض وقائع جديدة على الارض ، وتفكير فلسطيني بصوت مرتفع ، في كيفية ادخال تغييرات على قواعد اللعبة .

والصوت المرتفع ظاهرة صحية ، ودليل حيوية ، وحرص على المكاشفة ، والشفافية ، في الاحوال العادية .

لكن دلالاته تختلف ، لدى ارتباطه بتفاصيل الانقسام الفلسطيني ، المفتوح على جميع الاحتمالات .

ومن بين ما يمليه الاختلاف عدم الاكتفاء بالاصغاء للصوت ، والانتباه الى ارتداداته على اصحابه، والتي غالبا ما تكون اكثر صخبا ودويا .

ففي التفكير بصوت مرتفع فرصة الخصوم لالتقاط المآخذ , وتضخيمها ، و تحويلها الى ارضية للاتهامات , وربما مجالا للتشفي .

وقد تكون مناخات التصيد ، التي اوجدتها حالة الانقسام ، مناسبة للبحث عن اخطاء الخصوم ، وتجييرها في الصراعات وتصفية الحسابات .

الا ان اجواء الاحتقان،تبقى عاجز عن بلورة تصورات ، للتعامل مع منعطفات حادة، كمنعطف سقوط خيار الدولتين،وتصليب المواقف الى الحد الذي يتيح مراكمة انجازات حقيقية ، في صراع يبقى مرشحا للاستمرار ، طالما بقيت حلوله بعيدة .

وصدام البدائل المتخيلة ـ بين الضفة الغربية وقطاع غزة ـ لحل الدولتين ، والذي يعبر عن ذهنيتين ، ورؤيتين مختلفتين مؤشر جديد على صعوبة توصل الفرقاء الفلسطينيين ، الى حل ينهي الانقسام .

فقد كشفت قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال وثيقة التصورات التي وضعها صائب عريقات عن حنين لمشروع الدولة الديمقراطية الذي طرحته فتح مع نهايات العقد السادس من القرن الفائت ، في الوقت الذي تميل حماس الى استئناف مباحثات الدولة المؤقتة التي اجراها قياديها احمد يوسف مع مسؤولين غربيين ، وفضلت التكتم عليها رغم انكشافها .

وثنائيات الرؤية ظاهرة اصيلة في التاريخ الفلسطيني الحديث، فرضتها طبيعة المواجهة مع مشروع استيطاني فاقت تعقيداته الخيال السياسي ، واستطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية التعايش مع استمرارية مواجهته ، رغم جميع التحولات الكونية والاقليمية والذاتية .

فالخلاف بين وجهتي نظر التحرير الكامل والوصول الى تسوية سياسية تنهي النزاع وتتيح التعايش السلمي يعود الى ما قبل النكبة الفلسطينية التي ادخلت تغييرات في مجرى الصراع ولم تنهه .

تأثر الحاج امين الحسيني بافرازات التوازنات الدولية ذلك الحين ، واستفاد منها بعض الشئ ، في تبرير منطقه الاقصائي ، الذي سقط سقوطا مدويا ، بهزيمة المانيا الهتلرية في الحرب العالمية الثانية .

وفي المقابل ، لم يعجز اصحاب الرؤية العقلانية ، ممثلين بعصبة التحرر الوطني ، عن توفير رؤية وقراءة مختلفتين ، عما قدمه الحاج امين الحسيني الذي كان واجهة للقوى القومية والدينية .

فقد وضع الماركسيون الفلسطينيون ـ مستفيدين من رؤية حداثية ، للذات والعالم ، لا تخلو من بعد حضاري ـ اساسا واقعيا للحل .

لكن خيار حل الدولة الديمقراطية ،التي تضم العرب واليهود ، الذي طرحته العصبه لم يكن اوفر حظا من شعارات القاء اليهود في البحر ، التي استهوت المفتي ووجدت شعبية واسعة في الشارع .

فلم يترك قرار التقسيم ، والاحداث التي تبعته ـ سقوط معظم الساحل الفلسطيني ، واعلان قيام دولة اسرائيل ـ فرصة لمواصلة الحديث عن الدولة الواحدة .

ومع وضع الاحداث المتلاحقة والسريعة حدا للاستمرار في هذا الطرح ، لجأ اصحابه الى حل اكثر واقعية في زمنه ، تمثل بالسعي الى بلوة فكرة قيام الدولتين .

الا ان طرح خيار الدولتين لم يحل دون العودة الى خيار الدولة الواحدة والتراجع عنه مرة اخرى .

ففي بداياتها لم تقف حركة فتح طويلا عند كيفية التعامل مع الوجود اليهودي على اراضي فلسطين التاريخية .

وكان تجاهلها لهذا الملف ناجما عن قناعة بان العمليات الفدائية التي انطلقت في العام 1965 ستؤدي الى عودة اليهود لبلدانهم الاصلية .

لكن هزيمة الجيوش العربية عام 1967 فرضت على قيادة الحركة طريقة تفكير مختلفة ابرز مكوناتها غياب احتمالات نجاح تفكيك اسرائيل بالكفاح المسلح في ظل موازين القوى الجديدة سواء بعمليات فدائية من الداخل او من الخارج .

وبناء على المعطيات الجديدة ، عادت الحركة الوطنية الفلسطينية ، الى تبني خيار الدولة الديمقراطية في العام 1968، بعد جدل واسع ، غلبت عليه الصبغة الايديولوجية .

المتغيرات التي انطوت عليها حرب اكتوبر عام 1973، وافرازاتها التي لم يكن تجنب تاثيراتها ممكنا على صانع القرار الفلسطيني ، فرضت تغييرا موازيا على رؤية القيادة الفلسطينية للحل ، تمثل في خيار الدولة المستقلة ، الذي تطور فيما بعد الى خيار قيام الدولتين .

والخيارات التي تضمنتها ورقة عريقات ـ قبل استئناف مفاوضات الوقت الضائع ، المفروضة على الجانب الفلسطيني الضعيف ، بفعل التوازنات الدولية والاقليمية والانقسام الداخلي الذي يغذيه الموقف الحمساوي ـ اقرب ما تكون للعودة الى الجذور ، بعد تزايد صعوبات الوصول الى خيار الدولتين ، دون التخلي عن اهداف الحركة الوطنية الفلسطينية .

فالدراسات الديموغرافية التي يتم الاعلان عنها بين الحين والاخرتؤكد ان لدى القيادةالفلسطينية ما تراهن عليه رغم اختلال التوازنات لصالح الجانب الاسرائيلي .

واندفاعة السلطة الوطنية الفلسطينية نحو اقامة المرافق والمؤسسات التعليمية والصحية وتحسين البنية التحتية في الضفة الغربية لتثبيت المواطنين على ارضهم تعبر عن وعي بضرورة ايجاد ادوات مختلفة لمواجهة من نوع مختلف .

الا ان قيادة حماس لم تعر اهتماما كبيرا للعلاقة بين تحولات الصراع ، وما تمليه من ضرورات لاعادة النظر في المشاريع المطروحة ، دون اغفال اهمية ايجاد الخطاب القادر على مخاطبة الراي العام العالمي ، وابقاء القضية الوطنية في دائرة الضوء .

فاقتصرت قراءتها لورقة رئيس دائرة المفاوضات على المأزق الذي يواجهه خيار السلام الفلسطيني .

ولا تخلو القراءة الحمساوية من محاولة ساذجة لتحقيق بعض المكاسب الانية ، تقوم على تهشيم خيارات السلطة الوطنية ، واستثمار حطامها في الخلاف الداخلي ، وتجاهل المنعطفات التاريخية التي مر بها العالم والمنطقة ، والقت بظلالها الثقيلة على القضية الفلسطينية ، واملت تحولات الخيارات .

فالاتجاه نحو خيار الدولة ثنائية القومية ـ الذي يرفضه الجانب الاسرائيلي بتشدد ، لخطورته على مستقبل اسرائيل ، التي يريدها حكامها اليمينيون دولة يهودية صرفة ـ يعني تصعيد المواجهة بوسائل اكثر حضارية ، اثبتت جدواها في مناطق اخرى من العالم ، ويمكن الاستفادة منها للالتفاف على اختلال موازين القوى بين اسرائيل والعرب ، وعدم نضوج المجتمع الدولي لممارسة ضغوط جدية على الجانب الاسرائيلي .

وكان من الاجدى لقيادة حماس اعادة تقليب خيار الدولة المؤقتة ، الذي تتعامل معه بتقية ، و استندت عليه حواراتها مع اطراف غربية ، واخفقت في الدفاع عنه اثر انكشافه .

ففي مثل هذا الخيار ، الجديد على الثقافة السياسية الفلسطينية ـ يميل اليه الغرب ، للتحرر من التزاماته الاخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني ، وتبرير تلكؤه في ممارسة ضغوطات حقيقية على اسرائيل ، وترفضه قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ـ ما يتيح للجانب الاسرائيلي الاستمرار في سياسة فرض الامر الواقع ، من خلال مواصلة عمليات مصادرة الاراضي ، وبناء المستعمرات وتهويد المقدسات .

وفي التجربة السياسية الفلسطينية ، ما يكفي من نماذج الارتهان الاقليمي ، الذي يفرض اتخاذ المواقف المسبقة ، وردات الفعل السريعة ، دون تفكير في مضاعفاتها ، والمغامرات غير محسوبة النتائج ، والصيد في الماء العكر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تغلق -الجزيرة- والقناة القطرية تندد بـ-فعل إجرامي- •


.. حسابات حماس ونتنياهو.. عقبة في طريق المفاوضات | #ملف_اليوم




.. حرب غزة.. مفاوضاتُ التهدئة في القاهرة تتواصل


.. وزير الاتصالات الإسرائيلي: الحكومة قررت بالإجماع إغلاق بوق ا




.. تضرر المباني والشوارع في مستوطنة كريات شمونة جراء استهدافها