الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليونان.. هل تكون حبة رمل أوروبا؟

ماجد الشيخ

2010 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


على العكس مما أعلن ويُعلن حتى الآن، عن انتهاء الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ أواخر صيف العام 2008، ها هي الأزمة الاقتصادية تبدأ بنشر ظلالها الحادة في أوروبا الطرفية (الجنوبية خاصة) بدءا من اليونان، مرورا بإسبانيا والبرتغال وربما إيطاليا في وقت لاحق، لتأخذ شكلا عاصفا، جعلت منطقة اليورو تمر بأصعب فترة تعرفها منذ إحدى عشر عاما، ما ينذر بسنوات من التقشف الصعب، إلى حد جعلت الدول التي عصفت أو يمكن للأزمة أن تعصف بها، تجد صعوبة في الاقتراض لتمويل عجوزاتها أو تسديد ديونها.

وهكذا .. في السباق الماراثوني الطويل الذي يبدأ توّا، بين سلسلة الضغوط الأوروبية، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية، سجّل الأوروبيون نقطة لصالح ما أرادوه من الحكومة اليونانية، التي اضطرت إلى إعلان تدابير تقشّف إضافية، تشمل اقتطاعات في الرواتب، وتجميد المعاشات التقاعدية، وزيادة الضرائب والقيمة المضافة، كل ذلك بأمل توفير نحو 5 مليارات يورو، استجابة لمطالبة الاتحاد الأوروبي الذي رحب بالتدابير الجديدة، بغض النظر عن نتائجها المحتملة، لكنه امتنع عن إعلان إجراءات مساعدة مالية واضحة لليونان.

هذا البرنامج التقشفي الشامل، هو الثالث خلال ثلاثة أشهر، تستهدف منه الحكومة اليونانية؛ محاولة كبح العجز الضخم في الميزانية، في محاولة للخروج من الأزمة المالية التي شبهها رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو، لشدة قساوتها بالحرب، الأمر الذي لا بد من أن يقود لاتخاذ إجراءات قاسية وغير عادلة، حيث أن المطلوب وقف التهديد الذي تواجهه أوروبا بكاملها، إذا ما أخفقت اليونان في اتخاذ قرارات شجاعة لخفض أعباء الديون التي تبلغ 300 مليار يورو، وهو ما يتجاوز الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد، الذي يعادل 250 مليار يورو. الأمر الذي قد يدفع بالحكومة اليونانية للغرق وسط مشاكل الاقتراض، والبحث عن ممولين كبار كالصين ودول آسيوية أخرى، كما لبيع سندات حكومية بعملات أخرى غير اليورو كالدولار، وهناك بين الأوروبيين من ينصح اليونان ببيع عدد من جزرها أو تأجيرها للخروج من أزمتها الاقتصادية.

وهكذا تُبرز مخاطر المديونية في ظل الأزمة الحالية، احتمالات تأثيرها على السيادة الوطنية، أكثر من أي وقت مضى، نظرا لإمكانية فرض رقابة صارمة من قبل الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يقود باتجاه نقل السيادة بشكل عام من نطاق الدولة إلى نطاق الاتحاد (الأوروبي)، وذلك عبر آلية نقل تقارير مرحلية من جانب السلطات المحلية إلى رئاسة الاتحاد في بروكسيل، على أن تبدأ برفع أول تقرير من هذا القبيل في منتصف آذار (مارس) الجاري.

ورغم الشكوك إزاء الفرص الفعلية لنجاح الأوروبيين، في إنقاذ منطقة اليورو، وتمكينها ولو مرحليا من الإفلات من حالة الاضطرابات الهيكلية العميقة التي تعصف بالعديد من بلدانها، ذوي الاقتصادات الضعيفة كاليونان وإسبانيا والبرتغال وحتى إيطاليا، رغم ذلك يعمل الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان على تجنب تمكين صندوق النقد الدولي، من أي دور في إدارة الأزمة اليونانية، أو إدارة الأزمات التي قد تنشأ لاحقا في دول أخرى، كون ذلك سيمثل سابقة خطيرة في إدارة خبراء قادمين من واشنطن، شؤون النقد الأوروبي للمرة الأولى. ولهذا مثلت القمة الأوروبية لإنقاذ منطقة اليورو الشهر الماضي، محاولة أولى لاختبار ما يسمى بالحكومة الاقتصادية الأوروبية الجديدة، التي يعمل الرئيس الأوروبي هرمان فان رومباي على إرسائها، رغم المعرفة المسبقة أن لقاء القادة الأوروبيين لن يقدم الكثير لحل الأزمة اليونانية.

وإذا كانت اليونان تكتسب اليوم أولوية لعمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لإيجاد مخارج لها من أزمتها، فإن أعراض الوهن التي ظهرت على الاقتصادين الإسباني والبرتغالي في الأشهر الأخيرة، أثارت مخاوف المستثمرين من عدوى، ربما أسفرت عن تكرار السيناريو اليوناني، الذي اضطر بروكسيل إلى وضع أثينا تحت رقابة الاتحاد خلال فترة تطبيق خطة التقشف الأقسى في تاريخ اليونان الحديث لخفض عجز الميزانية.

وبوصول الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أطراف أوروبا، تكون الأزمة المالية العالمية الناشئة من اختلالات هيكلية عميقة في أنماط الاقتصاد الرأسمالي التقليدية، قد أحكمت طوقها، لا سيما وأن عالم اليوم الخاضع لمراتب عليا من عولمة اقتصادية بالأخص، أمسى يعيش مرحلة من تحولات كبرى، معها وفي ظلها لا بد من نشوء أزمات اقتصادية وسياسية، تستفحل مع الوقت لتسفر عن حراك جذري هنا أو هناك، وخاصة إزاء حراك القوى وموازين القوى الدولية عبر العالم، إيذانا بانتهاء الأحادية القطبية وانتقالها وتوزعها باتجاه استحداث قطبية جديدة، يبرز في أثنائها أقطاب جدد، يقف في مقدمتهم الصين وروسيا والبرازيل، ما يعني أن العقود المقبلة سوف تشهد لسيادة أنماط جديدة من علاقات وموازين قوى وإعادة هيكلة، قد تطال العديد من الاقتصادات الكبرى وعلاقاتها البينية، وفي إطارات إقليمية ودولية أوسع.

في مقال له بعنوان "الولايات المتحدة.. الإمبراطورية الهشة" (لوس أنجلوس تايمز – نقلته الجريدة الكويتية 4/3/2010) يصف الأستاذ في جامعة هارفرد نيال فيرغوسون، القوى العظمى كأنظمة معقدة، تتألف من عدد ضخم من العناصر المتفاعلة التي تنظم بطريقة غير متماثلة، ما يعني أن تركيبتها هي أشبه بالتلة التي يصنعها النمل الأبيض، وليس بأي شكل شبيهة بالأهرام المصرية، لذلك هو يرى إلى الأزمة الراهنة التي وقعت الامبراطورية الأميركية فريستها، أنه لا بد من أن تحلّ اللحظة التي تواجه فيها الأنظمة المعقدة (التكيفية) وضعا حرجا، يمكن أن تطلق أي شرارة بسيطة (مرحلة تحول) من التوازن الصحي إلى أزمة فعلية، إذ تؤدي حبة رمل واحدة إلى انهيار التلة كلها. فهل تكون اليونان بأزمتها الحالية هي حبة رمل أوروبا في وقتنا الراهن؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق تركي ينجح في صناعة طائرات مسيرة لأغراض مدنية | #مراسلو_


.. انتخابات الرئاسة الأميركية..في انتظار مناظرة بايدن وترامب ال




.. المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يزور إسرائيل لتجنب التصعيد مع


.. صاروخ استطلاع يستهدف مدنيين في رفح




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب في قطاع غزة؟