الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/32 13 مارس: مكر التاريخ وأبدية الحب

حامد مرساوي

2010 / 3 / 9
سيرة ذاتية



يوم 13 مارس 1960 ميلادك
يوم 13 مارس 1975 اعتقالي. ساعتها كان عمرك 15 سنة. ساعتها كان عمري 21 سنة.
وكانت حصتنا المشتركة عبر مدرسة الحب الأول 5 سنوات. لم نعشها كلها مع بعض. بل، داخلها سنتين تقريبا من غيابك القسري. بعد اقتلاعك من حضن الأب الحنون بترتيبات أكبر من الأبوة المتبناة أو البيولوجية. إنه نظام اجتماعي ثقافي أنت وأنا ثرنا عليه كل واحد منا بطريقته. بعذ غيابك القسري ونفيك رفقة أمك العاقر، المتبنية لك. وجدت نفسك في محيط معيشي مختلف مقرف. وحدها براءة طفولتك إقبال الكل على جمالك ساعداك على الاقبال على الحياة وعدم الانشغال بالتحول التعس في حياتك.
عندما ذهبت أنت، كنت أنا في أوج التشبع بالمعنى الرومنسي للحياة، كنت رافقت محبتي لملامحك بقراءاتي للروايات التي كانت ضمن المقرر الفرنسي:لوغران مولن، الشاب الذي يفلت من الجو العائلي ليركض في الروابي المجاورة منشغلا بالكلاب والدجاج والأسيجة وأمزجة رفاقه. أو بوال دو كاروط. الذي تملأ وجهه نقط الشقرة...كانت أيضا غيرة الأستاذ الفرنسي على ثقافة فرنسا تجعله يشكل مخيلتنا عن انبثاق الذهنية الانسانية في القرن 16، بما لم نكن نستوعب منه سوى اكتمال التفوق الفرنسي. أما رواية اسطاندال الشهيرة (لوروج إي لو نـــوار) فقد صاغت مخيلتنا صياغة رومنسية سياسية اجتماعية فتحت آفاق خيالنا على ما كان موليير قد درب ذكاءنا عليه عبر مسرحياته الساخرة من الكبرياء الفارغ لنبلاء الناس في عصره في القرن 17. ثم يتوج فولتير نزقيتنا بدهائه الساخر عبر الحكيم كانديد الذي يفرق الحكمة والبصيرة بصيغ البلادة المقرفة. بحيث يقول: لقد خلق الله لنا الأنف لنضع فوق النظارات عندما يضعف بصرنا، وبالتالي رأت الحكمة الألهية ما لم نره قط.

أنت لم تكن تعلمي أنني عشت نكسات العائلة التي أنا ابنها. كان الأب مولعا بذكر عائلة بنعلي الممتدة بأفرادها الكثر، من جنان علي إلى عين بوفارس إلى القشريين. كان يملك شاحنة وجيب ويليس الأمريكية الصغيرة الأخت الأصغر للاندروفر الأمريكية. بقيت سنوات طويلة وأنا كلما رأيت شاحنة "طامس ترادير" الأنجليزية الخضراء الغامقة اللون، إلا وأقترب منها لأشتم رائحة الليصانص لأتذكر مرحلة أبي المالك لوسائل الدخل المريح. أتذكر عندما كان البرتقال يأتي للمنزل بالصندوق. بداية الستينات...كان أبي يخبر أمي أنه سيحمل الكسكس لكارمونة الضابط الفرنسي في المياه والغابات. ثم كنت أسمع صداقة أبي لضابط مغربي من شلوح الأطلس: اسمه حدهوم وزوجته يطو وابنتهم الوحيدة في سن الزواج زينبة...بلباسهم الأمازيغي الذي لم يعد يستعمل سوى في أقاصي الدواوير....ثم بعد ذلك كانت البنات رفقة الرجال، يأتون من جوار غابة إيزارن للحصول على الأجرة نصف الشهرية. كان من المحتمل أن يكون لأبي حكايات مع عائلة الفرنسي أو الضابط الأمازيغي أو فتيات شغل الفرشي..لكن أمي الصموت والمنشغلة فقط بالعادي من الكلام ومن المتاعب، لم تعودني أو لم تعودنا على التقول في أحد. كانت جبلية أدخلها حب أبي لها من رهونة إلى وزان. فلم تكن تشتكي. نعم، لاحظت في بدايات التذكر أنها استمرت في الانزواء والبكاء لما يزيد عن السنة. هل صادف ذلك غياب فطيمو بسبب الزواج وعدم قدرتها على البقاء وحيدة. هل كان لخروج أخي الأكبر للتمرن على عمله المهني سببا آخر...هل كان السبب صادرا من الأب دون أن تجرأ على ذكر ذلك؟ كنت أفهم السبب في بكائها عدم صبرها على وفاة بنتين ولدتا بعدي: ربيعة ونزهة...كانت وفاة الأطفال ظاهرة عادية نظرا لعدم فرض التلقيح على الوالدين مبكرا لأبنائهم مبااشرة بعد الولادة.
ثم ما لبثت افطيمو أن رجعت مطلقة...وهوما قد يوحي بقلة الزهر للعائلة في مصائر أبنائها.
لأنني كنت مسبوقا بثلاثة إخوة، وفي الذاكرة وفاة اثنين من قبلي واثنين من بعدي، امتلكت ذهنية الانتباه لما يدور من حولي، لكي لا أتسبب في مزيد من المآسي. لا أتذكر أنني اعتديت على الصغيرين اللذين ولدا أخيرا، يصغرني الولد بتسع سنوات وتصغرني الأخيرة ب14 سنة. كما تصادف أن ترعرعت في يفاعتي وقد اقتعد الأب المنزل في بطالة امتدت دون أن يعود للشغل...بعدما اختفى رأسماله بكيفية، ربما لم تظهر سوى في إصلاح طفيف للمنزل الذي كنا نسكنه. لم تكن الشعوذة طاغية على الكلام المتداول. لكن الوالدة وقد ضاقت بحالة الطلاق التي سجنت الأخت الكبرى في وضعية غير مريحة، كانت بين الفينة والأخرى تقلب الندير وترسم خطا أسود بالفحم يقسمه نصفين، ثم تأتي بشعرة من شعرها الطويل وتلصق به قطعة عجين، لتمارس شعوذة "كزانة يا ميمونة"
ضمن هذه الكومة من الوقائع، كانت ذاكرتي تتحرك. وكان عقلي من خلال هذه الشبكة المعقدة من الظواهر والأحداث ينظر إلى الواقع. فكان الوعي يتشكل عبر البصيرة التي تنبت من خلال مناقشة الشعر في القسم. وقد صادف جيلنا مدرسين ذوي قدرات هائلة على شرح القصائد. فتعودنا على توليد المعاني من العبارات الوصفية لتفاصيل الشعر والقصص.
مما انبثق في نصوص الإنشاء الجيدة، قلبا وقالبا. هكذا جئت إليك لأحبك. وهكذا وجدتني أرعاك وأتحمل رسالة احتضانك وجدانيا. ولم يكن غريبا أن أفكر أول ما أفكر فيه عندما انتبهت إليك فأحببتك، هو أن أعاملك مثل أخيك الأكبر، أفكر فيك وأنت خارجة من القسم للاستراحة: كنت أتخيل أن تكوني في موقع متميز بين صديقاتك. تضع يديك في جيبك لتشتري ما تشتهي التلميذة الصغيرة، دون أن تحس بالخصاص أو بالدونية تجاه أي كان. لم أشرح لك هذا قط. لكن الحب/الأخوة التي/الذي كنت أشعر به تجاه كان يقترح علي سلوكي تجاهك. ولربما تسبب حبك في تشكيل طبعي مع الناس. فكما أحببتني، أو على الأقل فهمت ذلك، شعرت أن سلوكي معك كان نموذجيا ومنتجا للمحبة. فأنا اليوم ما زلت كما سلكت معك. تقودني الطيبوبة نحو قلوب الناس. ورأسمالي في الحياة هو أن أحس أن لي مكان في قلوب الآخرين. لذلك، لا يحتاج جيبي أن يحرص على ما فيه. إن الزاد الذي احتفظت به من علاقتي بك مبكرا، هي نوع من الاشتراكية التي تقتسم بين الناس ما يملكون ليقووا على اقتسام الصبر فيما بينهم ساعات الشدة. فلا يجرأ لسانهم على مخاطبة الآخرين بما يجرحهم. ولأن المدرسة علمتني بعض تلك العبر والحكم من خلال أساتذة خاطبوني بمودة ودافعوا عني بعدما كنت على شفى ظلم، لم أتردد أن أطلب من أبيك أن يسلمني عنوانك بعد اقتلاعك من وزان، لأطالب الحاجة بالحرص على إبقائك في المدرسة. وموضوع رسالتي إلى الحاجة كان فيه هذا الطلب. ومن خلاله كنت أتحايل على المجتمع لأعبر عن حبي الشديد لك عبر طلب نبيل. فلولم أكن شديد المحبة لك لما تشبثت بالحرص على الاتصال بك. أنا مدين بالجواب الذي أجابتني الحاجة. ولم أكن أعرف من كتب لها الرسالتين أو الثلاث التي توصلت بها قبل القدوم رأسا عندك/عندكم إلى المنزل بمساعدة الرجل الطيب الذي مكنني من تفاصيل العنوان حتى وصلت وعثرت عليك من جديد أواخر 1973/أوائل 1974.
مرت سنة على عثوري عليك. كنت أعتبر نفسي محظوظا، عندما ساعدتني الحاجة على القدوم إليك والعيش معك سويعات قليلة نهاية الأسبوع. لم أكن أعرف شعورك. لم أقترح عليك الخروج وحدنا الاثنين. لأنني كنت واضعا مشاعر أخويك الطيبي وأحمد في الحسبان. وفعلا، توصلت من الحاجة ساعتها بالتطمين الكافي كضامنة لسلامتي وأنا أستمر في الإتيان إليك...لكن ما لم يكن في الحسبان هو ذلك التغييب المفاجيء يوم 13مارس1975. في سيارة سيمكا1000 زرقاء. من حسن الحظ أنني لم أتلق التعذيب في مركز شرطة بلاص بيتري.
من قال أن يوم اعتقالي سيوافق يوم ذكرى ميلادك! من قال! من قال أن الزمن سيتحايل على العراقيل والسموم التي تقتل أنواعا وأشكالا من الحب، ليعيد زرع جذور الحب التي لم تمت في أي قلب من قلبينا، ليضعها في تربة جديدة منذ ستة أشهر...ستة أشهر....لم أخفيك من قبل، أنني وضعت نفسي وحبنا المتجدد ضمن مختبر زمني. لأميز، بل لنميز بين النزوة وبين الحب المتجذر في أعماق كل واحد منا.
يوم 8مارس، عندما شاركتك في تخمين فردي...ضمن احتمالات الزمن المقبل،....لنفرض أن تفاصيل الشنآن تكاثرت بيننا، هل أفكر في التوقف عن الارتباط بك؟
السؤال المؤرق الذي كتبته مخيلتي أمام عيني: إن تركتُ سعاد، فلمن أتركها؟! ليس لسعاد أحد! وليس لي أحد.
هذه الخلاصة جديرة بتتويج اختبارنا المشترك في ظروف حبنا الصعبة، لنعتبره ليس فقط قابلا للحياة أبد العمر، مما يتركنا الآن من الآن نشقى بتخيل وفاة الواحد منا والحال أنني كاسب 6سنوات، لذلك، من العدل أن أتركك بدل أن تتركيني...ساعتها سيصبح السؤال أكبر مني. أما أن أتركك وأنا حي أرزق، فلا أملك سوى تكرار التساؤل: لمن أترك سعاد!؟ لا يمكن...لن أتركك،إلا ميتاً...فحتى مصابا بجنون لن أتركك.
سألتك عن الهدية التي يمكنني أن أحمل إليك؟وكان جوابك فوريا، بلا تلعثم ولا تردد، من فرط الصدق الذي منه يتشكل جوابك:لا حاجة لي بأية هدية. الهدية أنت. أنت أكبر هدية بالنسبة لي.
وأنا أجدد لك: أنني لم أعش قط هذه المشاعر الصادقة بهذا الوضوح. لذلك، لن أتقن أي حب إلا حبك. فكما أرغب تخاطبينني بلا مواربة ولا تكلف. فلن أعيش إلا لك. أما ما دون ذلك، فلك أن تفعل بي الأفاعيل، إذا ما زلت قدمي لترشدني إليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال