الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات واقعية من بلاد الأغتراب 2 فنزويلا

فاضل فضة

2004 / 7 / 15
الادب والفن


حدث في أوباتا
تبعد أوباتا حوالي ألف كيلومتر عن العاصمة كراكاس. كان لابدّ لسامر أن يزور أبناء عمومته هناك. لذا كان على أخوه رفيق أن يصحبه إلى تلك المدينة البعيدة.
استقل الإثنان الطائرة، من مطار الغويرا، على شاطئ بحر الكاريبان. بعد فترة زمنية لم يحسبها، حطت الطائرة في مدينة بورت أورداز الصناعية في اواسط فنزويلا.

في إلانتظار، كان بالإستقبال، حامد، زوج أبنة العم. استقّلوا السيارة جميعاً بإتجاه مدينة الهجرة النائية. عرّجوا في طريقهم على منتزه، يخترقه شلاّل جميل المنظر.
قال سامر: لماذا لون المياه اسود، ثم عقب، هل نستطيع السباحة هنا،
أجاب حامد: كيف، الاتعرف أن سمك البيرانيا يعيش في مثل هذه الأنهار،
تذكر سامر المسلسلات الوثائقية التي كان يحبهّا ويتابعها بشغف،
وتذكر كيف أن سمك البيرانيا يمكن أن يقضم لحم حيوان بحجم الهرة بخمس دقائق، كما تذكر أن هذا السمك قادر على قرض فيل كامل بساعة من الزمن فقط، كونه يهاجم بجماعات وبوتيرة سريع جدّاً.
قال لحامد: هل سمك البيرانيا موجود فعلا في هذا النهر،
رد حامد: ليك أنا بخاف، لكنني أعلم أن السمك يعيش في مناطقنا وفي هذه الأنهار.

بعد فترة وصلت السيارة إلى أوباتا.
عند الغروب، خرجوا للسير في مشوار المساء، ليلتقوا، مجموعة من المغتربين لاتقلّ عن خمسة عشر شاب سوري، معظمهم من قرية عيون الوادي السورية.

جلس البعض يحادث القادم الجديد حول البركة، ثم في القهوة التي يمكلها احدهم،
سألوا طبيعة العمل في كندا والفوارق مابين بلد وأخر .
امتدّ الحديث حتى مابعد الثانية عشرة ليلاً.
كان الهدوء وضوء القمر حكاية ذكرى من ليل الصيف او الخريف في الجبال السورية.

في اليوم التالي، قال له رامي: سنذهب اليوم لنزور احدى البصارات، تساءل سامر بدهشة، ومالنا بذلك؟
قال له رفيق: هذه المدينة تعيش على كتابة الاحجية والحجابات، ويقولون أنهم شطّار، لذا، لن نخسر شيئاً إذا قمنا بزيارة أحداهن، اعتبرها تسلية أو زيارة سياحية.

عند البصارة الفنزويلية: دهش من عدد الأصنام والتماثيل، منها ماله علاقة بالثقافة المحلية وغيرها عديد من رموز الديانة المسيحية.

قالت له البصارة وبذكاء فطري: أنت تعمل بالأوراق، لكن حظك قليل بالمادة، عندك مشكلة لايمكن أن تحلّ ابداً، ثم اضافت بعض البهارات التقليدية عبر ردِّ الفعل الذي كان يصدر عن سامر، إما بحسرة، أو ضحكة أو أنه لم يفهم شيئاً.

قال للمهاجرين إلى أوباتا، لماذ هذه المدينة البعيدة الفقيرة والتي لايوجد بها إلاّ البصارات؟
أجاب البعض، محل مابترزق بتعلق، وقال الأخر، لك هون افضل، وأريح، وكأننا في قرانا الأصلية، والشعب طيب، لكن المشكلة، اصبح بعضنا يغار من الأخر، ويذهب ليكتب الأخرين....
ومتل ماالله بيريد...

عاد بعد أن ودّع أبن عمه صلاح، وأبنة عمه هالة، عاد إلى العاصمة وملايينها وقلقها.
مازال صلاح الذي لم يغيّر من لهجته القروية، يتصل بسامر بين حين وأخر، ليسأله: متى ستعاود زيارتنا في أوباتا.
وكان يجيب عليه مازحاًَ: عندما نحتاج إلى حجاب جديد للسياسة في بلاد العالم العربي.
***
في سوق البيتاري الشعبي في مدينة كراكاس كان عليه أن يمضي الأسبوع متنقلاً بين محلٍ تجاري وأخر، إذ لايوجد احد يملك الفراغ اللازم لإصطحابه خارج البلدة، الكل مشغول في عمله، الأهل والأصدقاء، خاصة في شهر كانون الأول " ديسمبري" ،
حيث يمكن للتجار ان يعوضوا تجارة السنة كلها فيه،
كما لايمكن لهم تركه أن يذهب لوحده، خوفاً من وقوع حادث لاتحمد حسباه، فالأمان قليل في المدينة، خاصة للغرباء مثله الذين لايتكلمون الاسبانية
الأفضل ألإنتظار لنهاية الأسبوع، حيث يمكن قضاء يوم أو يومين في أحد الأندية المنتشرة في الجبال خارج العاصمة، أو على البحر.

تصفح إحدى المجلات على سطح المكتب، كانت المجلة عربية، وإسمها الجبل!
سأل صديقه تامر، أين تصدر، اجاب تامر هنا،
هل يمكن الإتصال بالناشر: أجاب الصديق، اعتقد أنني أخبرته عنك، دعني اتصل به،
واتفق سامر مع الناشر على اللقاء في اليوم الثاني.

في الموعد المحدد وصل فايز إلى المحل التجاري في البيتاري،
مرحباً مرحبا،
غادر سامر مع فايز، إلى أحد الأسواق العديدة في العاصمة،
فوجئ سامر بعمر فايز الذي يتجاوز اكثر من من ستين عاماً.
أمضى سامر مع الرجل الوقور نصف النهار في أحد الأسواق الشعبية، حيث عرفه على بعض الأصدقاء. ثم غادرا إلى مكتب مجلة الجبل.

دخل المكتب المتواضع، الذي يشبه احد دكاكين القرى الجبلية النائية في سورية.
لم يكن به غير طاولة وبعض الكراسي وألة كاتبة قديمة، حتى الشمس تتباطأ في الدخول.
سأله سامر: كيف يمكن لك أن تصدر مجلة من مكتب كهذا ياعم فايز؟
ألا يساعدك أحد هنا؟
قال العم فايز: كلا، لايساعدني أحد، إذ أنني لاأستطيع أن أدفع له، وأنا اطبع حوالي ألف عدد، أرسلهم إلى عديد من دول أمريكا اللاتينية، إلى البرازيل، والبيرو، والباراغوي والأرجنتين، كما يوجد لدي عدد كبير من المشتركين في المدن الفنزويلية.
هل لديك أولاد ياعم فايز: نعم
أين هم،
في سورية،
ولماذا ليسوا معك!

قال العم فايز: لاأريدهم هنا ابداً
لاأريد لأولادي أن يفقدوا لذة العيش!!! دعهم في وطنهم فهذا أسعد لهم،
لقد حكم عليّ الزمن بالهجرة، ولاأستطيع العودة بدون بعض المقومات! وأنت بعد هذه الزيارة أدرى بها،
عند المساء، اصطحب العم فايز سامر إلى حيّ البيتاري بإمان وسلام.
أخذ بعض من أعداد مجلة الجبل، ترك له عنوانه لكي يرسل له بعضها في المستقبل.

في بلاد الهجرة الثانية، ومازال صدى العم فايز يدوّي في اذناه،
لن احرمهم لذّة العيش،
دعني أعيش محروماً منهم، لكنني مطمئن أنهم بين اهلهم وأقربائهم.
وهذا أفضل.
هل أخطأ العم فايز، أم أننا حرمنا من لذه العيش ببساطتها، في قرانا النائية،
في أوطان لاتعرف الهدوء والإستقرار.
ومازال سامر يحتفظ ببعض أعداد مجلات العم فايز في مكتبته التي لن يقرأها بعده من أولاده احد.
إنهم لايقرأون العربية!!
هل حرمهم لذة العيش، أم أنه أنقذهم!!
قد يكون المستقبل شافياً، أو قد لايكون...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات