الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرض التسوية و -الأيقونة المقدسة-

ماجد الشيخ

2010 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


فرض التسوية و"الأيقونة المقدسة"

التحرر الوطني الفلسطيني
ومهمة إسناد الحقوق التاريخية


في مجرى الصراع التناحري مع الحركة الصهيونية، يستحيل على إدارة الصراع في الجانب الفلسطيني – تحديدا – التكيّف مع وقائع التعارض القائمة اليوم من جانب الأطراف العربية، وبعض الفلسطينية كذلك، في سعيها نحو إتمام مسيرة التسوية السياسية، خاصة وهي تعني في العديد من حلقاتها وسلسلة إخفاقاتها، أنها أمست عصية على اختراق الجدران التي يجري تشييدها، وبالتالي لم تعد قابلة للمضي أكثر مما مضت، حتى النهايات المنطقية الممكنة، نظرا لاستنفاذ "الإجماع الصهيوني" كامل إمكانات وقدرات أي حكومة يمكن أن تقوم في المستقبل في إسرائيل، في شأن ما يمكن تقديمه من "تنازلات مؤلمة" على حد توصيف بعض الزعامات الصهيونية. تلك "التنازلات" التي يمكنها تلبية، ليس كل بالطبع، بل بعض طموحات أطراف التسوية في الجانب الفلسطيني، بحيث تمكّنه من الوصول إلى حل يمكن تكييفه لحيازة بعض الرضا أو القبول الشعبي، من قبل أغلبية مواطني الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967.

في سياق هذه العملية – المفترض أنها تاريخية، لا مرحلية؛ في منظور ورؤية أطراف التسوية – فإن تحويل تناقضات الصراع إلى مجرد تعارضات، يمكن إيجاد حلول لها على طاولة التسويات، إنما هو مجرد وهم آخر من أوهام بعض أقسام الحركة الوطنية الفلسطينية، التي لم يعد التحرر الوطني يشكل رافعتها التاريخية، في تجديد أو إعادة إنتاج ذاتها، كضمانة لتحقيق أهداف واستعادة الحقوق الوطنية التاريخية لشعب ساد على أرضه، ولو لم يمتلك سيادته الوطنية على وطنه؛ لا أيام الحكم العثماني، أو ما قبله، ولا أيام الانتداب البريطاني الذي سلم الوطن لعصابات الحركة الصهيونية، عشية الخامس عشر من أيار (مايو) 1948، ضمن مخطط "تجديد" الواقع الكولونيالي يومها، استجابة لوعد تحويل الوطن الفلسطيني إلى "وطن قومي" لشعب موهوم وأمة مزعومة، ولحق تقرير مصير أشتات من شعوب وأمم على امتداد خريطة العالم.

إن الفشل الراهن للثورة الفلسطينية المعاصرة في تحقيق أهدافها، لا يمكنه أن يُعزى إلى فشل التحرر الوطني ومنظوراته الناظمة لتحقيق أهدافه، أو إمكانية إفلاس وإجهاض الوطنية الفلسطينية وحركتها المكافحة، مرة وإلى الأبد. ذلك أن هذه الأخيرة هي مجموع قوى الشعب الوطنية، وجماع قوتها؛ القوة التي في استعادتها من براثن القوى المهيمنة والشعاراتية، يمكن للحركة الوطنية أن تستعيد أفق تجديدها لذاتها، لا تبديد طاقاتها على مذبح التفريط بمفاهيم ومنظورات التحرر الوطني، كونها المهمة الوطنية المركزية الراهنة على الدوام، طالما لم يتحقق للحوامل الفاعلة السياسية والإجتماعية والشعبية العامة، إنجازها لشعاراتها – الأصل، وأهدافها التاريخية التي تعود إلى منظورات أو مفاهيم الصراع التناقضي، لا التعارضي مع الحركة الصهيونية، غير القابلة للتجدّد أو التكيّف، للإقرار بمنظور للتسوية الممكنة والمقبولة من بعض الفلسطينيين والعرب والعالم.

لقد حوّلت معطيات الواقع الوطني الفلسطيني الذي هيمنت عليه "مؤسسات الثورة" كنوع من الوصاية الأبوية، إلى حد نيابتها عنه، والقيام بتمثيله حصريا في كل المحافل المعنية، حوّلت حيوية المجتمع الوطني في الداخل، كما في الخارج، إلى هلام مجتمعي، بدل أن تصلّب من عود وحدته، ها هي تمضي إلى كسر هذا العود، حتى غدا غير قابل لعودته موحدا حتى وفق الصيغ الهلامية السابقة، ليضاف إليها انقسامات جديدة، لم تنجُ منها "قوى الثورة" ذاتها، ما أفسح المجال واسعا للصراعات السلطوية، والدخول في معمعان أولوية التعارضات الداخلية التي حوّلتها النوازع السلطوية الأبوية والانقلابية إلى تناقضات على مستوى الصراع التناحري، في استبدال وقلب للصراع مع الاحتلال والحركة الصهيونية، إلى أن تحتل قلب الواقع الوطني – داخلا وشتاتا – حتى بتنا أمام أكثر من مشروع وطني، بل مشاريع سلطوية، ومشاريع وهمية. والأدهى والأمر أن وضعا كهذا أخذ يعمل لتفريخ مشروعات تتغذى من نسغ أوهام "خلاصية" و "قيامية" لقوى الأدلجة الدينية، شديدة التطرف والعداء لكل ما عداها من قوى في المجتمع/المجتمعات المحلية، في تسييد لمنطق التكفير على التفكير في كيفية تخليص الشعب الفلسطيني من قبضة احتلال وإحلال استيطاني استعماري، يحتل كامل الوطن الفلسطيني. وغزة ليست استثناء طالما هي تحت مرمى الانقسام، كما وتحت مرمى الاحتلال كذلك.

هذا بالتحديد يعود إلى الفراغ الكبير، الذي خلّفته الحركة الوطنية الفلسطينية عبر مسلكياتها، وخروجها من منطق الصراع إلى فرض منطق ومنظور للتسوية، صار هو "الأيقونة المقدسة" والشعار الأعلى لارفضاض أشكال الصراع والانفضاض عنها، ورفضها، ولو على سبيل ممارسة الضغوط البديلة، في حال فشل جهود التسوية السياسية. وها هي تفشل وتصل إلى الجدار المسدود، دون أن يتوافر أو يجري توفير بدائلها المحتملة – فلسطينيا وعربيا – وفي ذلك قمة الاستهانة والاستهتار بنضالات وتضحيات الذين مضوا، معتقدين أنهم ضمانة الحفاظ على الأمانة!؛ أمانة الكفاح الوطني واستمراريته من أجل تحقيق أهداف التحرر الوطني من الاحتلال. لنجد على الضد من ذلك أن "الكفاح السلطوي"، بات "تميمة" وطوطم متذوقي السلطة المنذورة لهم و/أو الطامحين لها، من قبل أولئك الذين جسّدوا في سلوكهم اليومي السياسي والاجتماعي والديني والثقافي الأيديولوجي؛ نزوع الأبوية الوصائية للهيمنة، وإبقاء نفوذهم داخل الحركة الوطنية، حتى وهي تتحول إلى شئ آخر بفضلهم، وإلى البقاء عند تخوم التحرر الوطني، حتى وهو يتحول إلى ما يُضاد أهداف التحرر الوطني.

وإذا كان لمسيرة أوسلو من "أفضال" التأسيس لنظام سياسي فلسطيني، فقد أبرزت وقائع سنوات التعاطي مع هذا النظام، ما أريد له أن يكون بديلا لحركة وطنية فلسطينية لم تنجز بعد مهام تحررها الوطني، في ذات الوقت الذي بدأت العديد من القوى المستفيدة من شكل وجوهر ذاك النظام، و"مكاسبه" السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية، بالتعاطي معه كونه كذلك: نظام سياسي سلطوي مرجعيته في ذاته ولذاته، ولا تعود للأصل؛ أي لمنظمة التحرير كونها المرجعية الأولى والأخيرة، صاحبة المشروع الوطني ببعده الأكثري الجامع، غير القابل للقسمة والاقتسام.

ولهذا جرى ويجري إهمال المنظمة ومؤسساتها، إلى الحد الذي باتت فيه عاجزة عن استرداد ما لها من ماهية كونها المظلة الوطنية الجامعة، من براثن نظام سياسي هو ذاته تعرّض للانقسام، ولم يعد موحدا. وربما كان هذا أو يكون دافع أطراف أساسيين في صفوف الحركة الوطنية، للعمل باتجاه استعادة ألق التحرر الوطني كبرنامج سياسي، بعد أن لعبت أوهام نهج التسوية الذي لم يفلح في إنجاز برنامجه التسووي، أدوارا لا يُستهان بها في الوقوف كعقبات كؤود، أمام عدم استطاعة الحركة الوطنية إعادة إنتاج أو تجديد ذاتها، وإعادة الاعتبار لأهدافها التحررية، بعيدا عن نزوع ونزعات البعض المترعة بسلطوية وتسلط الوصايات الأبوية؛ السياسية منها والدينية، يُضاف إليها اليوم تلك الأشكال الأكثر تخلفا، وهي ترفع من ذاتها كونها الأعلى وصاية، سواء تلك التي ارتدت وترتدي ألبسة "خليفية" أو تلك "السلفية" القاعدية منها وغير القاعدية، وهذه كلها أشكال تديّن مغرقة في عدميّتها وبرامجها الحاضّة على القتل، إن لم يكن القتل البيولوجي فالقتل المعنوي.

إن معاناة التشريد والتطهير العرقي والعدوان وسلسلة المجازر المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، باتت اليوم وأكثر من أي وقت سبق، تستدعي إسناد الحق التاريخي الفلسطيني من قبل الفلسطينيين أنفسهم، قبل غيرهم من أشقاء وأصدقاء متضامنين، وذلك بالاقتراب أكثر من جوهر هذا الحق، كحق وطني ثابت. وكما كافح الفلسطينيون من أجله، من داخل إطارات الحركة الوطنية ومن خارجها طوال سنوات الصراع، فإن حركة وطنية فلسطينية تقوم على أنقاض القسمة والتقاسم التي أضاعت بوصلة التحرر الوطني، وسط انحيازاتها لبوصلات إقليمية وإسلاموية، لا ولن تلبي طموح وتطلعات الكل الوطني؛ هذه الحركة الوطنية الجديدة/المتجددة النابعة من قلب الضرورات الكفاحية الراهنة للتجدّد التحرري، هي المآل والمرتجى في هذا الوقت الذي أفشلت فيه مسيرة أوسلو، وما أفرزته من نظام سياسي عاجز، مسار التسوية والتفاوض، تماما كما هي تُفشل الآن مسار المقاومة والممانعة، لا سيما وهي تتحوّل إلى مجرد شعارات لفظية تخفي بين ثناياها تحولات طبقية وسلطوية تعادي، أو هي في عدائها للتحرر الوطني أقرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات