الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً... رابعاً
رياض الحبيّب
2010 / 3 / 9عالم الرياضة
شهد القرن الثامن عشر انتقال مراكز حياة الشطرنج من بلدان جنوبيّ أوروپا إلى مَقاهٍ شهيرة ودواوين في مدن أوروبية كبرى كپاريس ولندن، لعلّ أبرزها في تلك الفترة مقهى ريجنسي في الأولى Café de la Régence وديوان سِمپْـسُن Simpson s Divan في الثانية. ذلك في حقبة زمنيّة حظيَت فرنسا خلالها بأستاذين شطرنجيّين كبيرين؛ الأوّل: فيليدور، فرانسوا-أندريه 1726–1796 François-André Philidor الذي كان مؤلّفاً موسيقيّاً وأحسن لاعب شطرنج في عصره، مكتشف أهميّة البيادق في ستراتيجيّة الشطرنج. وقد وُصِف كتابه "تحليل لعبة الشطرنج" Analyse du jeu des Échecs بكتاب القرن إذ كان دليلاً شطرنجيّاً هامّاً. أمّا الثاني- فيما بعد- فهو أستاذ الشطرنج المحترف لوي-شارل بوردُنيه 1795–1840 Louis-Charles Mahé de La Bourdonnais الذي ربح سلسلة شهيرة من مباريات ستّ صيف عام 1834 أمام أستاذ الشطرنج الإيرلندي ألكسندر ماكدونيل ( بلفاست 1798 – لندن 1835) Alexander McDonnell الذي كان يمتهن التجارة، تلك التي اعتبرت بطولة عالميّة غير رسمية، لأنّ البطولات الرسميّة لم تكن مقرّرة آنذاك ولا متفقاً على اللقب الشطرنجي الذي يُحرزه بطل دورة ما ليكون عالميّاً. واعتبر بوردنيه بطلاً (غير رسمي) للعالم منذ تغلّبه سنة 1821 على مُعلّمه الفرنسي ألكسندر دوشابيه 1780– 1847 Alexandre Deschapelles الذي أصبح الأقوى في العالم منذ بداية القرن التاسع عشر حتى العام 1820 والذي يُروى عنه أنه طلب إلى أحد خصومه أنْ يتراهن وإيّاه على الشطرنج، ردّ الخصم: (إنّ ديانتي تحرّم عليّ اللعب من أجل المال) فعلّق دوشاپـيه ساخراً: (أمّا ديانتي فتمنعني من أن أكون سخيفاً!) علماً أنّ دوشاپـيه كان جنديّاً في جيش ناپـوليون بوناپـرت. وبالعودة إلى بوردنيه، لقد عاش محتفظاً بلقبه حتى مرضه سنة 1838 وتالياً وفاته مُفلِساً- في لندن- بعدما اضطرّ إلى بيع جميع ممتلكاته، حتى ملابسه، لإرضاء دائنيه. ويذكّرني فوز بوردنيه على مُعلّمه بحادثة وقعت في الجاهليّة بين سُليمة وأبيه الملك- مالك بن فهْم* الذي قال- من بحر الوافر: أعلِّمُهُ الرماية كلّ يومٍ ** فلمّا اشتد ساعِدُهُ رَمَاني
ويمكن الإطّلاع أخيراً على مباريات بوردنيه المُسَجّلة وعلى شيء من سيرته عبر الرابط التالي
http://www.chessgames.com/perl/chessplayer?pid=31596
وقد تطوّرت مؤسسة الشطرنج سريعاً مع تقدم القرن التاسع عشر؛ إذ قامت أندية عديدة للشطرنج وصدرت كتب شطرنجيّة وصحف ودارت بواسطة المُراسَلة رحى مباريات عدّة بين المدن- فلعِبَ مثالاً نادي لندن مقابل نادي أدنبرة سنة 1824 وأصبحت المسائل الشطرنجية جزءً دوريّاً منتظماً في صحافة ذلك القرن. وفي سنة 1843 قام أستاذ الشطرنج الألماني فون دير لاسا Von der Lasa 1818 – 1899 بإصدار «مفكّرة الشطرنج» التي اعتُبرت أوّل دليل شامل لنظرية الشطرنج؛ وُلـِدَ فون دير لاسا في برلين ودرس القانون فيها وفي بون Bonn وعمل في السلك الدبلوماسي في دول عدّة، منها پروسيا وستوكهولم وكوپنهاگن وريو دي جانيرو ابتداءً بالعام 1845 حتى تقاعد عام 1864 فكرّس حياته لعالم الشطرنج. كان أستاذاً شطرنجيّاً مهمّاً؛ مؤرّخاً شطرنجيّاً ومُنـَظِّر القرن التاسع عشر وعضواً في نادي برلين للشطرنج ومؤسّس مدرستها الشطرنجيّة.
أمّا أولى دورات الشطرنج الحديث فتمّ انعقادها في لندن سنة 1851 وفاز بها اللاعب الألماني أدولف أندرسن Adolf Anderssen 1818 – 1879 الذي نسبيّاً لم يكن معروفاً وسط أساتذة الشطرنج حتّى عُدّ فوزه مفاجأة الدورة! فتمّت الإشادة به كأستاذ متقدّم ومتألّق بأسلوب هجومي اعتـُبـِرَ أنموذجيّاً على رغم ضعفه ستراتيجيّاً ممّا تبيّن في وقت لاحق، لكنّ الريادة الشطرنجيّة عالميّاً أصبحت من نصيبه بين العامَين 1850 و 1860 بغض النظر عن قيام الأمريكي باول مورفي Paul Morphy بخلعه منها مؤقتاً سنة 1958 وما أدراك مَنْ مورفي! سيأتي دور الحديث عنه في الحلقة القادمة، لكنّ قمّة التألّق في فنّ الشطرنج حتى ذلك الحين قد ظهر في مباراة {خالدة} وتحديداً في 21 حزيران- يونيو 1851 فاز بها أدولف أندرسن أمام الأستاذ الأستوني ليونيل كيسرتشكي Lionel Kieseritzky 1806 – 1853 الذي قضى معظم حياته في فرنسا. سأتركك أخي القارئ الكريم وأختي القارئة الكريمة لتستمتعا بمتابعة المباراة الخالدة بمجرّد الضغط على الرابط التالي
http://en.wikipedia.org/wiki/Immortal_game
* تنويه: لا شكّ في أنّ كتابتي أسماء اللاعبين (واللاعبات فيما بعد) باللاتينية وكما هي ستسهّل على القرّاء الكرام البحث في سيرة كلّ لاعب-ة سواء في ويكيپـيديا أو في قائمة الإتحاد الدولي للشطرنج.
_____________________
* مالك بن فهْم الأزدي- نقلاً بتصرّف عن ويكيپيديا: من الملوك القدامى، أصبح مَلِكاً لعُمَان واٌتخذ من قلهات عاصمة لمُلكه، كان له من الأولاد تسعة فاٌتخذ منهم حرّاساً يتناوب كلّ منهم على حراسته ليلاً. كان مالك يحبّ أصغرهم سُلَيمَة ويخصّه بالعناية ويعلّمه الرماية، فغار منه إخوته وكادوا له عند أبيه كيداً قائلين: (إنّ سُليمة ينام أثناء حراسته لك) فحاول مالك التأكد ممّا زعم أبناؤه عن سليمة، حتى سار إليه ذات ليلة متخفّياً، فأحس سُلَيمَة بصوتٍ ما فرمى سهْماً صوب مصدر الصوت فأصابه فصرخ مالك وعرفه سليمة فقال: أنا سليمة! فقال مالك: أحسبك والله قد قتلتني فاٌدنُ واٌحملني فحمله ثمّ اٌنصرفا. ولم يزل مالك متوجعاً من تلك الرمية حتى مات... وهو القائل في قصيدة [ربّما كان] مطلعُها:
ذرِيْ عَذلي فشانُكِ غيرُ شاني ** ولا تتملّكي طرفـَيْ عِنانـي
ورُدّي يا اٌبنة السّلميّ قلبـيْ ** فقد قارفتُ قلبـِيَ مـا كفانـي
لَهان عليّ ما ألقى ولكـنْ ** تعالي فاٌنظري بمَنِ اٌبتلانـي
ويا عَجَباً لمَنْ رَبَّيـتُ طِفلاً ** أُلَقِّـمُـه بـأطـرافِ البَـنـانِ
جَزاهُ اللَـه مِنْ وَلَـدٍ جزاءً ** سُلَيمَـةَ إنَّـهُ شَـراً جَزانـي
أُعَلِّمُـه الرِّمايَـة كُـلَّ يَـومٍ ** فلَمّـا اٌستـدَّ ساعِـدُهُ رَمانـي
قال الجوهري في «لسان العرب» وأَما السَّداد- بالفتح- فإِنما معناه الإِصابة في المنطق أَن يكون الرجل مُسَدَّداً.
ويُقال: إِنه لذو سَداً في منطقه وتدبيره، كذلك في الرمي. يقال: سَدَّ السَّهْمُ يَسِدُّ إِذا استقام. وسَدَّدْتُه تسديداً.
واسْتدَّ الشيءُ إِذا استقام؛ وقال: أُعَلِّمُه الرِّمايَة كلَّ يومٍ، فلمّا اشْتَدَّ ساعِدُه رَماني- قال الأَصمعي: اشتد، بالشين المعجمة، ليس بشيء؛ قال ابن برّي: هذا البيت ينسب إِلى مَعْن بن أَوس قاله في ابن أُخت له، وقال ابن دُرَيْد: هو لمالك بن فَهْم الأَزْدِيِّ، وكان اسم ابنه سُلَيْمَة، رماه بسهم فقتله فقال البيت؛ قال ابن بري: ورأَيته في شعر عقيل بن عُلَّفَة يقوله في ابنه عُميس حين رماه بسهم، وبعده: فلا ظَفِرَتْ يمينك حين تَرْمي، وشَلَّتْ منك حاملةُ البَنانِ.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. متطوعون بأزياء الأبطال الخارقين ينشرون الفرح بين الأطفال الم
.. بيومي فؤاد وليلى عز العرب شاركوهم المسلسل.. ذوي القدرات الخا
.. الملاعب والمدن.. تفاصيل ملف السعودية لتنظيم كأس العالم 2034
.. البرازيلي نيمار يطمح للمشاركة في مونديال 2026 مع منتخب بلاده
.. كيف سيستفيد المغرب من تنظيم مونديال 2030؟ • فرانس 24 / FRANC