الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهويات القاتلة !

جمعة الحلفي

2004 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الهوية هي ما يجعل المرء لا يتماثل مع شخص آخر سواه، بما في ذلك توأمه، مثلما لا تتماثل طبعات الأصابع. وهذا بالذات ما يجعل كلمة (هوية) مفهوماً محدداً ودقيقاً، يؤكد أنه لا يوجد، على الإطلاق، كائنان بشريان متماثلان. نقول متماثلان ولا نقول متشابهان، فالتشابه قائم و "يخلق من الشبه أربعين" كما يذهب المثل المعروف. فلو جمعنا وقارنّا العادات والميول والأهواء والطباع والنوازع والغرائز، وأشياء كثيرة من هذه العناصر، سنجد أن التشابه سمة أساسية وشائعة بين البشر المختلفين في هوياتهم. فالمسلم قد يتشابه مع المسيحي في الكثير من هذه العناصر، وبالتالي يجده أقرب إليه، نفسياً وروحياً وسلوكياً، من أخيه المسلم الذي يلتقي معه بالهوية الإسلامية، ويختلف معه بعشرات العناصر. وكذلك قد يجد العربي فرنسياً أقرب إليه من أبن جلدته، إذا ما التقيا في هذه المشتركات. فكيف الأمر بالنسبة للعربي والكوردي، أو العربي والآشوري؟
وإذا كان هناك من تصدى، بوضوح وشجاعة، لهذه الإشكالية، التي أخذت منحى ذهب بها بعيداً، عن جوانبها الإيجابية، إثر بروز ظواهر التطرف والتعصب، فهو الكاتب اللبناني الأصل والفرنسي الثقافة واللغة، أمين معلوف، في كتابه المهم (الهويات القاتلة).
وأمين معلوف ليس مجرد باحث موهوب في ميدان عمله هذا، بل هو نفسه، عينة نموذجية على تشابك الهويات وتداخلها، وبالتالي، تمازجها وتآخيها. فهو ولد في لبنان وعاش فيه حتى السابعة والعشرين من العمر، والعربية لغته الأم. وفي قريته الجبلية، قرية أجداده، عرف أفراح الطفولة الأولى وسمع بعض القصص، التي استوحى منها، فيما بعد، عالم رواياته، "فكيف أنسى ذلك كله وكيف يمكنني أن انسلخ عنه" هكذا يسأل في مقدمة كتابه. لكن من جهة أخرى، يعيش معلوف على أرض فرنسا منذ اثنين وعشرين عاماً (تاريخ صدور الكتاب 1999) ويشرب من ماءها ونبيذها، وتلامس يداه أحجارها القديمة كل يوم، ويكتب بلغتها، فهل تكون هذه أرضاً غريبة بالنسبة له؟ إذن، يخلص معلوف الى القول "أنا نصف لبناني ونصف فرنسي(...) أنا لا امتلك هويات عدة، بل هوية واحدة مكونة من كل هذه العناصر" مجتمعة.
ليس أمين معلوف حالة خاصة، بطبيعة الحال، لا بالانتماء لهذه الهوية المركبة ولا بفلسفته الإنسانية لها، فهناك الآلاف والملايين من البشر (منهم بضعة آلاف من العراقيين) ممن وجدوا أنفسهم يمتلكون مثل هذه الهويات. وقبل بروز مظاهر التطرف والتعصب، خلال العقود القليلة الماضية، لم يكن هذا الأمر موضع بحث أو اتهام وتساؤل، أو موضع شعور بالتمزق، لأنه، أصلاً، لم يكن موضوعاً إشكالياً، وهو لا يزال، كذلك، في الجوهر، لو أننا احتكمنا لنصيحة قديمة، كان قد أسداها لنا الإمام علي (ع) قبل مئات السنين، عندما قال: الناس صنفان.. أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق! خلاصة القول ليست الهوية، دينية كانت أم قومية أم طائفية أم أثنية أم جهوية، هي العامل الحاسم في الانتماء، بل هناك الكثير من العناصر الأخرى، الداخلة عليها والمؤثرة فيها، والتي تفعل، ويجب أن تفعل، فعلها الايجابي الخلاق في العلاقة بين البشر، وإلا لما شهد التاريخ تلك الحروب الدموية بين المسلمين وبعضهم البعض، والمسيحيين ضد المسيحيين، والعرب ضد العرب والأكراد ضد الأكراد... الخ.
إذن يمكن أن تكون الهوية، بعناصرها المركبة، قيمة أخلاقية وثقافية ايجابية، حين تخبو الضغائن وتتراجع نزعات التطرف والتعصب والتطوئف، ويمكن أن تتحول، في فترات الحروب والنزاعات وسيادة المصالح الضيقة، الى هويات قاتلة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة