الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العملية السياسية في ظل الاحتلال:العراق نموذجاً

محمد سيد رصاص

2010 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لم تأت العملية السياسية في العراق المحتل من قبل الأميركان عام2003نتيجة لتوازنات فرضها المحلي على الأجنبي،كماحصل في عراق1921إثر ثورة العشرين أوفي سوريا1928مع انتخابات نيسانإبريل للجمعية التأسيسية بعد ثورة1925وماأعقبها من اضطرابات،وإنما بسبب إرادة واشنطن في انشاء أوضاع سياسية عراقية ملائمة للأميركي على المدى الزمني الطويل،كماجرى في ألمانية ويابان مابعد1945.
وعملياً،فإن تأسيس العملية السياسية،عبر انشاء بول بريمر ل"مجلس الحكم"بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد،كان مؤدياً إلى تحديد خريطة القوام السياسي لهذه العملية من خلال القوى المشاركة،وأيضاً عبر ماحصل في الجهة المعاكسة من اقصاءات واستبعادات واجتثاثات من خلال ماسبق هذا المجلس من حلِ حزب البعث ومعه جهازي الجيش والأمن،من دون ذكر أن من وضع نفسه في مقاومة الاحتلال قد كان خارج قوسي هذه العملية.
هنا،يلاحظ أن القوى المشاركة في "مجلس الحكم"كانت موزعة بين قوى أيدت سياسياً الغزو والاحتلال وقامت بجهد عسكري من أجل ذلك،مثل الحزبين الكرديين و"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"وقوته العسكرية المنضوية في"فيلق بدر"،أوقوى لم تعارض الغزو والاحتلال وإنما سكتت عنهما ثم رأت المشاركة في تلك العملية السياسية،كماهو حال حزب الدعوة أوالحزب الاسلامي(=الفرع العراقي لتنظيم الاخوان المسلمين)أوالحزب الشيوعي،فيماالبعض الآخر كان مؤيداً للغزو والاحتلال ثم اختلفوا حول المضامين الخاصة بالعملية السياسية مثل"المؤتمر الوطني العراقي"بزعامة الجلبي المؤيد لإجتثاث البعث أو"حركة الوفاق"بقيادة علاوي المعارضة لإجراءات بريمر تجاه البعث وأجهزة الجيش والأمن.
خلال السبع سنوات الماضية،لم تخرج مضامين العملية السياسية عن تلك المحتويات التي جسدَتها الكيانات السياسية المذكورة،وإذا كان هناك من جديد،لاحقاً،فقد كان انضمام التيار الصدري إلى العملية السياسية عبر دخوله في (الإئتلاف العراقي الموحد)في انتخابات2005،ثم بروز ظاهرة"الصحوات"في عام2007ومحاولتها تعديل تمثيل السنَة العرب في العملية السياسية،إضافة إلى ظهور قوة سياسية عبَرت بشكل غير مباشر عن حزب البعث والتيار القومي العروبي ضمن الوسط السنِي العربي مثل"جبهة الحوار الوطني"بقيادة صالح المطلك،فيمايلاحظ اختفاء كلي أوشبه كامل لقوى سياسية كانت قوية في عراق1958-1968مثل الناصريين أوحركة القوميين العرب.
أولاً،كانت تلك العملية السياسية العراقية،التي أنشاها بريمر،ذات حراك سلس أثناء فترة الوفاق الأميركي- الايراني،الذي كان المظلة الأساسية لعمليتي الغزو والاحتلال الأميركيين في ظل مناخات المعارضتين الدولية(باريس- برلين-موسكو)والإقليمية(أنقرة- الرياض- دمشق)لماقام به جورج بوش الإبن في بلاد الرافدين،ولكن عندما بدأت أجواء الإنشقاق الايراني-الأميركي في شهر آبأوغسطس2005،مع استئناف طهران لبرنامج التخصيب النووي، فإنه بدأت معها مفاعيل تعثر العملية السياسية العراقية بالظهور،وخاصة في ظل سنتين شهدتا نشاطاً قوياً لقوى المقاومة العراقية كسنتي2005و2006،وهو ماانعكس على المشهد العراقي الداخلي ليتجسد في حركة انزياحات عن مشهد2003-2005،مثل تباعد رئيس الوزراء المالكي(في منصبه منذ أيارمايو2006)وحزب الدعوة عن "المجلس الأعلى" بزعامة آل الحكيم و عن "الصدريين" ،ثم افتراقه عن الأكراد في موضوعي كركوك والفيدرالية،ثم ليتجسد في اتجاه الأميركان نحو ايجاد توليفة عراقية جديدة تبتعد عن فكرة التحالف الرباعي بين الحزبين الكرديين و"المجلس الأعلى"و"الدعوة" باتجاه مشهد عراقي يكون فيه للسنَة العرب حصة مؤثرة،مايسحب أرضية اجتماعية عراقية مرموقة القوة من تحت أرجل قوى المقاومة،ويضعف القوى الموالية لايران،ويرضي دول اقليمية مؤثرة لم تكن راضية عن العملية السياسية العراقية بالأساس،كالسعودية وسوريا وتركية.
خلال عامي2009و2010،قاد هذا الحراك العراقي،الذي تداخلت فيه العوامل المحلية والاقليمية والدولية،إلى انشقاق شيعة العراق بين "الإئتلاف الوطني العراقي"(=آل الحكيم والصدريون وقوى منشقة عن"الدعوة"مثل الدكتور الجعفري،إضافة للجلبي)وبين"ائتلاف دولة القانون"بزعامة المالكي وحزب الدعوة،وإلى اضعاف الحزب الاسلامي لصالح ائتلاف قائمة"العراقية"العابر لطائفتي الشيعة والسنَة بزعامة علاوي والمطلك والدكتور الهاشمي المنشق عن الحزب الاسلامي،فيمايلاحظ في المشهد الكردي،الذي تداخلت فيه وقائع انخفاض توقعات الأكراد من"العراق الجديد"مع طريقة وأسلوب حكم الحزبين الكرديين في الشمال،بروز"قائمة التغيير"بزعامة أنوشروان مصطفى،القيادي المشارك مع الطالباني في تأسيس"الاتحاد الوطني الكردستاني"عام1975.
أيضاً،يلاحظ،في عام2010،انخفاض نفوذ ايران في المشهد العراقي قياساً إلى فترة 2003-2005،وارتفاع نفوذ الرياض ودمشق وأنقرة،مع حفاظ واشنطن نسبياً على قوتها. في هذا الإطار،لايمكن عزل قرارات الإجتثاث التي شملت أساساً المطلك عن صراع ايراني- أميركي حاولت من خلاله طهران (عبر القوى الموالية لها ) التأثير على نتائج العملية الإنتخابية مسبقاً من خلال اضعاف ائتلاف"العراقية"عبر منع المطلك من الترشح للإنتخابات واحداث شرخ بينه وبين علاوي،وذلك خوفاً عند الايرانيين من أن يؤدي بروز"العراقية"إلى تشكيل مشهد جديد مع نتائج الانتخابات يكون عنوانه الرئيس هو اضعاف وتهميش القوى الموالية لطهران في "الإئتلاف"واستبعادها من السلطة لصالح وضع (احتمالي) يجبر فيه المالكي على خيارات محددة ،مثل تشكيل ائتلاف حاكم مع علاوي،بكل مايعنيه هذا من معاني عراقية واقليمية،يكون طرفه الثالث الأضعف هو الأكراد.
عند هذا الحدث،كان ملفتاً تباين مواقف واشنطن وطهران من قرارات الإجتثاث الأخيرة في عام2010عن موقفهما الموحد حيال قرارات بريمر في 2003،حتى وصول الأمر إلى حدود اتهام قائد القوات الأميركية بالعراق لرئيس"هيئة المساءلة والعدالة"التي اتخذت تلك القرارات بأنه "يأتمر بأوامر" فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني:كان هذا المشهد عاكساً لتغير مواقع واشنطن وطهران عماكانت في سنوات الاحتلال الأولى حيال بعضهما البعض،ولتبدل رؤيتهما للمشهد العراقي،و في الوقت نفسه يعطي صورة عن مدى كون انتخابات7آذارمارس2010 البرلمانية العراقية هي انعكاس للصراع الأميركي- الايراني،ولمجمل الصراعات حول العراق،إضافة إلى المدى الذي ستساهم فيه نتائج هذه الانتخابات في التأثير على المشهد العام لإقليم الشرق الأوسط برمته.
عراقياً،أعطت نتائج الانتخابات، وفق نتائجها المتسربة من مصادر غير رسمية،مؤشرات تدل على انكسار أوتراجع قوة العصبيات الثلاث في "المكوِنات"العراقية الثلاث الرئيسية لصالح قوى الإعتدال فيها:عند الشيعة على حساب القوى الموالية لايران في"المجلس الأعلى"و"الصدريين"لصالح المالكي وحزب الدعوة الذي كان منذ تأسيسه عام1959من أكثر الحركات الشيعية السياسية اعتدالاً،ولدى الأكراد لصالح"قائمة التغيير"التي تقترب مع الاسلاميين الأكراد من نيل ثلث المقاعد التي حصل عليها الأكراد على حساب الحزبين الكرديين وخاصة حزب الطالباني(الآن:25%من مقاعد "التحالف الكردستاني" فقط)،وأيضاً لدى السُنَة العرب على حساب الحزب الاسلامي وأولاً على حساب قوى المقاومة العراقية والشيخ حارث الضاري لصالح اعتدالية سنيَة صبَت أصوات السنَة العرب بنسبة70%عند قائمة عابرة للطائفتين يتزعمها شيعي(أي :علاوي) كانت أصواتها ممتدة من الموصل حتى البصرة،في طريقة تعبيرية اختار من خلالها السنة العرب العراقيون مافعله مسلموا الهند بعد انفصال باكستان لماكانوا يصوتون لحزب المؤتمر (وللشيوعيين)وليس لحزب اسلامي من أجل التعبير عن اندماجيتهم المجتمعية ولأجل انشاء حاجز هندي جامع أمام صعود الأصولية الهندوسية.
هل يدلُ هذا على عبور العراق لنهر الإنقسام المجتمعي بإتجاه الوطنية الجامعة؟....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن