الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عيدي وعيدكن.. قد يبدو الشكل بريء

فاديا سعد

2010 / 3 / 10
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة



جاءت رسالة بعنوان: "كيف يتم تخريب الجسد والذوق" في إحدى المواد المرسلة وبما أن الجهة المرسلة مأمونة المصدر وإذ توقعت من العنوان أن هناك دراسة ما أو بحث جدير بالاهتمام بدأت استعراض المادة، فوجدت عددا من الصور عن رسم التاتو فوق الجسد، بأشكال غريبة رسمت فوق منطقة العانة، وبصدق أني لم أستوعب بداية الصور "شوفوا الهبلنة" كون الرسوم والأشكال جاءت بطريقة غير متوقعة عن تصوري حول المادة وبين ما هو مرسل كما أن سيقان الفتيات اللواتي وشمن الرسوم كانت في كل صورة متقاربة بحيث أنه عليك أن تمعن النظر لتفهم إلى ماذا تنظر داخل الصورة، و لتدرك بعد وجيز فترة أنك أمام عانة مخفية أحيانا وواضحة أحيانا أخرى وتحت الفارق بالتوقعات وما تراه تقوم بعملية تركيب تأخذ بعض الوقت، فيثبت بصرك بداية على الشكل واللون ثم تدرك بعد قليل اللوحة كاملة.
ومع ذلك وبمتابعة مستمرة للصور المنظمة تحت بعضها، تجد صورة مختلفة النمط فيها وضع جنسي كامل لشاب وفتاة في مشهد سكسي، فينطبع بدماغك من بين الصور جميعها الصورة التي هي بالوضع الجنسي.
هذا ما حدث بداية، وقبل اتهامي: "يعني بدّك تفهمينا إنك كل هالقد بريئة؟! وما فهمتي من الصورة الأولى شو طبيعة المادة؟!" سأجيب: " أنني لست بريئة إلى هذه الدرجة لكن من الصدق القول أني لم أفهم".
فمن المعتاد على الأقل وفق المسئولية الفكرية أن ترسل مادة يتم فيها الشرح عن جملة من الظواهر وكيفية استخدام وسائل ذكية كانت أم سطحية تُمارسها جهات إجتماعية مختلفة المصدر وبشكل منظم لتؤثر على ذهنية المستهلك في تخريب أفكاره عن الجسد والذوق، ويمكن للباحث أن يتناول وله الحق باستخدام جميع الوسائل لفضح مثل هذه الجهات أو الظواهر أو المسئولين عن انتشارها، ابتداء من الصور مرفق بالشرح انتهاء بفيديو، كالحديث مثلا عن الفن وكيف يتم ابتذاله في بعض الأفلام ليهبط الفن بالذائقة الفنية لدى مستهلك السينما، وهنا يجب التوضيح بأن السبب ليس السينما وإنما نوع الفن المقدم.
أو تتناول الدراسة الجنس في إحدى الروايات العربية ويتم توضيح أن المشكلة ليست بالفنون الأدبية وإنما بالنوع المعروض على مستهلك الأدب، وأين تمّ ابتذال الإبداع، أو هل وُظف الجنس فيها لصالح الإبداع، أم أن الإبداع هو من كان الضحية فوظفت أدواته لصالح الجنس بطريقة هبطت بذائقة المستهلك.
في هذا الميزان يعرض يتم فرز الجيد من الرديء، ويبدو الميزان عادلا بين كفتين واحدة حمّلت الإبداع إحساسا نابعا من حقيقة إنتاج الشخص، لننظر إلى الجنس كمشهد ثانوي من مشاهد متكاملة في الحياة الخاصة والعامة، وفيها اختلاطات النفس والروح والظروف لسنا ببعيدين عن العيش فيها، كرواية الكاتب المصري علاء الأسواني في عمارة يعقوبيان، حين تناول الحياة بعمومها، ومن داخلها المتنوع قضية مثل المثلية، وأوصلها إلى نهايات مقنعة، أو مثل رواية بديعة كرواية: "عشيق الليدي تشارترلي" وهي من الروايات التي تناول فيها الكاتب الجنس بأبعاد الثلاثية لتجعل منه مشهدا للحب قلّ أن استطاع كاتب التعبير عنه، مما يجعلك تعيد قراءتها مرة وثانية وثالثة ليس لأن الجنس فيها فقط ممتع وإنساني ولكن ولأن حقيقة تداخله مع حالة عامة مشتركة بين بني البشر يدعى لحب، بالمفهوم الصحي، و لأن الجنس بكل تلوناته يمارس سحرا إنسانيا يفرض عليك احترامه كجزأ من تكوينك الطبيعي والثقافي، مع عدم فقدان العنصر المهم وهو المتعة.
وبين كفة أخرى في الميزان يصور ويرسخ في ذاكرة المستهلك الجنس كطريقة حياة لا ضير من تقبّل تشوشها أو حتى استساغة تشوشها مع الاعتياد على استهلاك قراءتها ومشاهدتها، والتعثر بها، وهذا يحيلني للحديث عن روايات وقصص المثلية فالقصص والروايات التي تحدثت عن هذا الميل نوعان نوع يجعلك تتعاطف مع المثليين لأن الراوي حمّل في روايته إحساسه العميق بحق هؤلاء في الدفاع عن عنصر البقاء، لتفترض أن القمع العام والخاص مرفوض لكونك قد تكون أنت أيضا مختلفا ولكن الموقع هو الذي اختلف، مما يدفعك لتقف موقفا أخلاقيا عادلا وحقه ككيان بشري في البقاء.
إنها أمثلة كثيرة تلك التي جعلتني مرة أتعاطف مع صاحب التجربة ومرة أتخذ موقفا مناقضا، وحين قرأت لمثليين عرضوا ودافعوا عن الموضوع فما وجدت ضيرا من متابعة روايات بعضهم، فيما لم أستطع متابعة قصص وروايات أخرى لرداءة الشعور الذي انتقل إلي، أو عدم مقدرة الكاتب على الاجابة عن سؤال بسيط وعميق: إلى أي حد كان الناقل أمينا في ردم الفجوة التي هي بين الحيوانية فينا وبين الارتقاء البشري فينا.
أو إلى أي حد استطاع الراوي الابتعاد عن مسألة النفاق؟
غالبا هنا نستخدم منسوب الحسبة العاطفية والشعور الذي انتقل إلينا فيما يخص مصداقية المتحدث، وهو وحده ما يدفعك للدفاع عن حقه بالبقاء، وبين إحساسك بأن الناقل أو الراوي يقوم بعملية نفاق ما ويمارسه عليك، فلا تستطيع إلا أن تأخذ في أفضل الأحوال موقف الحيادية، وإذ ذاك تكون الرسالة قد وصلت حقيقة عبر الدراسة.
و بعمق هذه الفكرة ومقياسها يمكننا أن نتقبل رأي شخص علماني، و أن نرفض رأي آخر من نفس الفكر، وهنا لا يمكنني أن أتجاهل مفكر وكاتب بحجم فرج فودة الذي كان لشدة إيمانه ومقدرته العظيمة على توضيح أن العلمانية لا تتعارض مع الدين وبالحجة وقوة إيمانه شكّل خطرا على أصاحب الفكر الديني المنغلق، وغالبا وضعهم تحت نور الشمس عارين من فكرهم الظلامي، وكيف يشوهون الدين والقرآن ورسوله أكثر من أي فكر علماني، مما استدعوا الرصاص لينجيهم منه.
ودائما أسأل نفسي لماذا أتقبل داعية مثل سحر أبو حرب السورية، ولا أتقبل متدينة أخرى من نفس الفصيل، ولماذا يمكنني أن أتقبل امرأة تدافع بكل هذا الإيمان عن حقها في المساواة، لأرفض أخرى تدافع عن نفس القضية، وعلى نفس المنوال لماذا يمكنني تقبّل سياسي ما لأرفض آخر من نفس التوجه السياسي.
إنه ذاك الإحساس الرائع في داخلي ودواخلكم، الذي ننصت إليه حين لا تكون لدي ولديكم وسيلة أخرى واضحة تدفعنا لاتخاذ موقف معين من قضية معينة، وهذا الإحساس بالذات هو ما جعلني أشعر أن وراء الأكمة ما وراءها، بموضوع الصور، فالصور لم تكن تدافع عن الذائقة الجيدة بقدر ما كان لها رسالة مخفية جعلتني أقوم بحذفها ومراسلة الجهة المعنية بألا يرسلون لي مثل هذه المواد للدفاع عن الذائقة الجيدة، ولكني أجد نفسي الآن نادمة لأني فعلت ذلك، فمن أين كان ليجيء هذا المقال والحديث بأعمق من الصور لولاها؟!
أعود لتأكيد هذه الفكرة: إن شئتم أرسلوا لي ولكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من رد الأمور إلى نصابها حسب وجهة نظري فأرجو أن نحتمل بعضنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ


.. هبة المُقلي 25 عاماً من بلدة ميس الجبل وسكان بيروت




.. سارة المُقلي إحدى مؤسسات المقهى


.. نهروان رفاعي 26 عاماً من مدينة زحلة




.. -عيد العمال يوماً للنضال من أجل الكادحين في العالم-