الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضة الثالثة: حاجة ذاتية ودوافع موضوعية

ماجد الشيخ

2010 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



الانتفاضة القادمة في فلسطين، إما ان تكون شعبية، أو أنها لن تكون. وذلك على الضد من انتفاضات سابقة محدودة، كانت توجه عبر "الريموت كونترول" الفصائلي أو الفئوي الضيق. والانتفاضة المنتظرة.. وإن كانت بعيدة من إمكانية حيازتها تأييد الأغلبية للزج بإمكانياتها في معمعانها، فلأن استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، ما انفكّ يفعل فعله في تقسيم حتى الهدف الوطني الواحد. وإذا كانت الانتفاضة الأولى قد جلبت اتفاق أوسلو إلى "الكرم الوطني"، وما عنته تلك العملية للكثيرين من ثمن بخس مقابل تضحياتها، فإن الانتفاضة الثانية، وإن كانت أكثر كلفة نتيجة اختلاط ما هو شعبي بما هو مسلح من فعالياتها، فقد انتهت إلى إحباطات دفعت بالمزاج الشعبي للانزواء، في محاولة للملمة جراح وندوب عميقة، تركها التكتيك الفصائلي، وحتى الوطني عموما؛ فريسة تآكل ذاتي، جرّاء عدم استثمار فعالياتها سياسيا، بما يعود بالربح الصافي لصالح الوضع الوطني، وبما كان مؤملا منها من طموحات كبرى، تحطمت وسط طريق لم يعد واضحا؛ أهو طريق الانتفاض الشعبي وتطوير فعالياته مرحلة وراء أخرى، أم القفز على تلك المراحل، والانتقال إلى طريق آخر، عماده خوض عمليات مسلحة وسط جموع الجماهير المنتفضة، أو قريبا من أماكن الانتفاض الشعبي، وما جرّته، ويمكن أن تجرّه مستقبلا من ردود فعل إنتقامية وإجرامية، ليس من قبل جيش الاحتلال، بل وقطعان المستوطنين كذلك؟.

بالطبع تختلف فعاليات الإنتفاض العام، عن فعاليات كفاح شعبي سلمي غير متواصل، محدود الأهداف والبرامج الآنية، كتلك التي تجري أو يجري التعاطي معها كفعاليات مؤقتة، تستهدف ممارسة ضغط على كيان الاحتلال، للعودة إلى طاولة المفاوضات ليس إلاّ. وهذا ما تشجع عليه أطراف في السلطة الفلسطينية، أما فعاليات انتفاضة شعبية، فهي تسند أو تستند حتمية حدوثها إلى عديد من عوامل أفعال وفعاليات احتلالية واستيطانية، أضحت تتراكم وتُراكم معها مسببات ردود أفعال شعبية قوية، من جانب وضع وطني فلسطيني عام؛ أضحى هو الآخر يراكم تداعيات غضبه، وهو يرى إلى القدس تهوّد، ويجري أسرلة سكانها على حساب مواطنيها الفلسطينيين، كما وهو يرى إلى الخليل وبيت لحم، حيث "يقامر" نتانياهو وائتلافه الحكومي اليميني المتطرف بالاستيلاء على مواقع دينية أثرية في محاولة لسرقتها وأسرلتها، وأسرلة المزيد من المواقع الآثارية الخاصة بأرض فلسطين التاريخية.

وما يجري في بلعين ونعلين ومواقع أخرى شبيهة، من فعاليات أسبوعية ضد الجدار والاستيطان، وعلى امتداد الفترة السابقة، وصولا إلى لحظة الانفجار الانتفاضي القادم، كل هذا يُضاف إلى الانسداد السياسي الحاصل أمام استئناف مسيرة المفاوضات، يؤسس أو هو قطع أشواطا باتجاه التأسيس لإحداثيات انتفاضة قادمة، يجري إنضاج عواملها ذاتيا من قبل بعض نخب شعبية فصائلية وغير فصائلية، إضافة إلى قطاعات واسعة من أبناء القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وموضوعيا من قبل العدو نفسه، وهو يمضي عامدا متعمدا نحو تصعيد إجراءاته الاحتلالية، لا سيما الاستفزازية منها، كالاستيلاء على مزيد من المواقع الأثرية، وإدراج العشرات منها كمواقع أثرية، وإضفاء طابع إسرائيلي مزعوم عليها، إضافة إلى موقفه من المفاوضات وإمكانية استئنافها، في ظل الاستمرار بالخطط الاستيطانية التي لم تتوقف، على الرغم من قرار التجميد المؤقت (عشرة أشهر) الذي كانت الحكومة المصغرة اتخذته في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

وربما تعيد الانتفاضة الثالثة للوضع الوطني الفلسطيني المفكك والمنهك، بعض عافية كفاحية افتقدها منذ ما بعد الانتفاضتين، وها هي فرصة جديدة لا ينبغي أن يجري تفويتها، حتى يمكن للانتفاضة المنتظرة أن تنتج معادلة وضع جديد؛ قوامه إعادة بناء الوضع الوطني الفلسطيني على أسس أكثر تماسكا وانسجاما مع الأهداف الوطنية العليا. وهذا دونه إنهاء انقسام الحركة الوطنية، وإعادة إنتاجها لذاتها ولبرامجها الكفاحية على أسس ديمقراطية تشاركية، يجري وفقها استبعاد منطق المحاصصات وكوتا الأوزان والادعاءات والاستعراضات الفصائلية والفئوية الضيقة، واعتماد قانون النسبية في كل المحطات الانتخابية البلدية والتشريعية، كمخرج مشرّف من عبث الصراع غير المشرّف على السلطة المرسومة على ورق أوسلو، حيث تحوّلت وقائع الاحتلال والاستيطان والجدار ومخططات الأسرلة والتهويد، إلى وقائع مادية مجسدة على الأرض.

ولأن الوضع الوطني الفلسطيني ليس بكامل لياقته وعافيته الكفاحية، بقدر ما انهكته عوامل الصراع على السلطة، في إطار النظام السياسي، وفي إطار السلطة ذاتها التي أنتجتها اتفاقيات أوسلو، لا بد من وجود الروافع الحافزة لاستعادة تلك العافية المُفتقدة. وليس أقل من انتفاضة شعبية واسعة، تقوم بدور تلك الروافع، وتعيد خلق الحوافز والروابط الضرورية؛ إلى ما تفكّك طوال سنوات الضياع الأوسلوي، بما فيها سنوات التفاعل أو التقاتل السلطوي، وصراعاتها التي أفقدت الوضع الوطني بوصلته الموجهة، ووضوح أهدافه الآنية والنهائية. هذه الانتفاضة القادمة التي تستدعيها أسباب موضوعية أكبر، وأهم من مسببات ودوافع الانتفاضتين الأولى والثانية، ربما ترقى بمسبباتها ودوافعها الذاتية، لتكون القيمة المضافة العليا، الكفيلة بدفع الوضع الوطني الفلسطيني إلى إعادة تصحيح اختلالاته، على رغم الإرادات الخارجية الإقليمية والدولية، حيث لعبت أدوارا لا يُستهان بها للحفاظ على تلك الاختلالات، طوال السنوات الثلاث أو الأربع التي مضت؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه