الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الانتخابات عيد العراقيين الوحيد
علي بداي
2010 / 3 / 12اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يحكي لنا اباؤنا عن ايام سالفة ،لم يتبق منها شئ في ذهن الاجيال اللاحقة ، حين كان الشعب العراقي كله يحتفل بيوم 14 تموز، ولكن ابائنا سرعان ما يستدركون ان الفرح اخذ بعد السنة الاولى للثورة بالانحسار مع تخبط قادتها وصراعاتهم ، ثم سنكتشف بانفسنا ان ثورة تموز كاية ثورة في التاريخ، لايمكن لها ان تنال تاييد الجميع لها ، فالثورة تاتي عادة لتصحيح مسار، وينفذها الطرف المتضرر على حساب الطرف الاخر الذي كان مهيمنا، اضافة الى ان الثورات غالبا ما لاتكون بيضاء بل مضمخة بالدم .
وباستثناء هذا الادعاء ، يكاد العراقيون يفتقرون بالمطلق ليوم فرح وطني يجمعهم على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم، ويميزهم عن غيرهم من الشعوب المجاورة بسمة عراقية خالصة، وبالرغم من كون التعدد القومي والديني والمذهبي لاية أمة هو عامل غنى ، الا انه يشكل في الوقت ذاته عقبة امام وجود مناسبة كهذه التي ننشد ، مناسبة يفرح بها طرف ليس منفردا وليس على حساب طرف أخر بل معه ومع باقي الاطراف، فعيد نوروز مثلا هو عيد جميل مكتنز بالفرح وتوحد الانسان مع الطبيعة ، لكنه يظل بطبيعته عيدا قوميا مرتبطا بتراث وفولكلور وبيئة خاصة، وكذلك باقي اعياد الشعوب التي تشكل العراق الحالي.
ان المناسبة التي نحن بصددها لابد ان تكون مناسبة غير مختلقة، نابعة من عمق الفرد والمجتمع في آن واحد، يشعر كل فرد في المجتمع باهميتها في حياته، وكذلك باهميته كفرد ودوره في صنعها ، هكذا مناسبة هي كالعلم الوطني ان لم يجد كل فرد في الوانه ورموزه انعكاسا لتراثه وقوميته سوف لن يكون بمقدور احد حمله على احترامه. ومناسبة كهذه لابد وان تشكل نقيضا للمعاناة الطويلة التي عاناها العراقيون بفرادة اضحت تميزهم عن باقي شعوب الارض، فاذا كانت الارض مثلا هي محور النضال الفلسطيني فان مناسبة يوم الارض في 31 آذار التي تجمع الفلسطينيين على اختلاف مللهم هي مايمكن ان يشكل اليوم الوطني الذي يشعر كل فلسطيني بقدسيته، وليس مولد اي جبهة فلسطينية مهما كانت قيمة تضحياتها النضالية.
عملت قبل ايام في تنظيم انتخابات عراقيي المهجر ورأيت كيف حضر العربي والكردي، العربي الجنوبي والعربي ابن الرمادي، التركماني والاشوري، المندائي والايزيدي والشبكي، ورأيت كيف تحقق شرط اساس للعيد الوطني هو وجود الجميع ، هناك كان هم الجميع ان تنظم عملية الاقتراع بنجاح بغض النظر عن اية نتيجة تاتي بها، وبهذا تحقق أمامي شرط اخرللعيد هو وحدة الهدف. كانت الصورة تتشكل بتلقائية وصدق ، الكل منهمك بوضع اخر اللمسات على تشكيلة محطات الاقتراع وفي دقائق الاستراحة يتحرك المشهد امامك بانسيابية: زميل تركماني انهمك يشرح لاخر عربي شيئا عن اصل تركمان العراق ويؤكد فاصلا بين التركمان والاتراك، زميلة كردية تشرح لاخرعربي ان اسمها "نشتيمان" يعني في العربية وطن وهو يعتذرلها لانه لم يتعلم من اللغة الكردية خلال اربع سنين من دراسته في الجامعة بكردستان سوى " جوني كاكا باشي؟" اي " كيف حالك؟" فترد عليه :" الذنب ليس ذنبك أخي، كلنا تربينا خطأ والان يتوجب علينا جميعا تصحيح الخطأ"، وعلى مقربة يتداول تجمع مختلط تعريفا للكوتا، في حين تفاجؤك الاحاديث احيانا بما هو مضحك، زميل من تكريت يسأل اخر مندائي بخجل: اين يدفن الصابئة موتاهم؟ ولا ادري كيف خطر هذا السؤال في ذهنه ، أخر لايعرف ان كانت العمادية تابعة "للسليمانية او اربيل"!! ، يجيبه زميل يقف قبالته بسخرية : "لو كنت معلمك لما جعلتك تنجح من الثالث الابتدائي" ..كل هذه الاسئلة تدل على حقيقة ان العراقيين لايعرفون بعضهم ، اعمتهم مدارس السياسة الدامية ودروسها التسطيحية عن الالتفات لانفسهم وضاعوا في زحمة الشعارات، وها هم يجدون أنفسهم ثانية عبر هذا التجمع الذي لايمكن لاية مؤسسة سياسية او أجتماعية أن تأتي بمثله.
بالانتخابات، انطلق العراقيون بقفزة هائلة من دهاليز المؤامرات العسكرية المعتمة الى فضاء الديموقراطية الرحب ، وباتوا يمارسون حياتهم ويبنون مستقبل بلادهم تحت الانوار الكاشفة، والانتخابات رغم كل الزوابع التي تثار حول جدواها، واصلها ونزولها على العراقيين بمركبة فضاء امريكية هي عملية تطور هائلة .
فبعد ان كان قرارمصيري مدمر كاحتلال الكويت يتخذ بلامبالاة من قبل شخص واحد تسلط بالنار على الناس ، ارتفعت قيمة الفرد العراقي الى الحد الذي يجعل ربع مليون مواطن مغترب ينتظرون ساعات في اماكن مختلفة للوصول الى صندوق الاقتراع وهم لايشكلون بمجموعهم وبعد كل هذا التعب سوى ثلاث مقاعد في البرلمان. أنها قيمة الانسان التي تتجسد في دوره في عملية صنع القرار وهي قيمة يتعرف عليها الشعب العراقي لأول مرة، وعلامة فارقة بيضاء ستفرقه عن غيره من الشعوب المجاورة، ومن اجل ان تبقى هذه العلامة بيضاء ناصعة لابد من الاحتفاء بها كل عام لكي تنبه كل من يخوض غمار الترشيح الى خطورة العمل الذي سيقدم عليه وقدسية صوت المواطن.
مارأيته اثناء عملي في تنظيم الانتخابات الاخيرة ، كان حافزا وملهما لكي اتبنى فكرة ان يكون يوم الانتخابات هو كرنفالنا الوطني المتحرك من سنة لسنة الذي سيشير لنا كامة متحضرة لها الحق ان تفخربماضيها وتراثها، فلا عيد الجيش يجمعنا ولا عيد تاسيس الجمهورية ولا تاريخ اي من الانقلابات التي مرت علينا مهما كانت نيات قادتها ، لا يوم جلاء البريطانيين ولا التأسيس الرسمي لدولة وقفت بوجه ابناءها كالشرطي طيلة قرن من الزمان، أفراح العراقيين شحيحة، وايامهم الوطنية كلها مفبركة اما الانتخابات فهي يومهم الوطني الحقيقي الوحيد!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - اسألوا اللي يثرد
نصير
(
2010 / 3 / 12 - 21:56
)
على الجهة الأخرى من هذا الفرح الوطني وقف المئات من النساء والاطفال والشيوخ خلف السياج الحديدي ينتظرون في البرد والتعب دورهم في التصويت ولكنهم مع الاسف لم يوفقوا في ذلك وعادوا إلى بيوتهم والخيبة والتعب باديان على مشيتهم في اتجاه محطة اونريخت التي عجت بالعراقيين الذين لم يوفقوا في الانتخاب، الأمر الذي اكدته المفوضية العليا للأنتخابات والتي قالت أن أقل من ربع العراقيين بالمهجر شاركوا بالأنتخابات، فهل هذا ياصديقي يستدعي الاحتفال أم الحزن؟؟؟
2 - لنحتج على المفوضية وطريقة عملها
علي بداي
(
2010 / 3 / 13 - 09:34
)
انا قصدت الانتخابات كممارسة جديدة لازالت تخطو خطواتها الاولى اما المفوضية فلدي مليون سؤال عن اصلها وفصلها ومن الذي انتخبها ولماذا استوردوا لنا هؤلاء من بين محاصصات الداخل ؟ الا يوجد في الخارج من هو اكثر اهلية للتنظيم من هؤلاءالذين لايعرفون للوقت قيمة ويتعاملون بعقلية العريف ؟
الذي جرى مع الناخبين معيب جدا وقد لمسناه نحن خلال عملنا حين كانت التعليمات تتغير خلال دقائق
مما ادى الى شطب اصوات كثيرة بعد التدقيق من قبل المفوضية في اربيل لعدم استيفائها شروط اثبات الهوية تحياتي لك واتمنى ان نوفق جميعا في اخراج بلدنا من عنق الزجاجة بين الدكتاتورية والتخلف
.. فقدت زوجها بسبب إرهاب الأسد.. سوريون يتأملون الخسائر -التي ل
.. هل يقود طموح الجولاني سوريا إلى مرحلة جديدة من الفوضى؟ | #ال
.. كيف تحولت الحواجز العسكرية من مسميات الرعب إلى التعاون بين ا
.. نازحون من الفاشر وزمزم يترقبون شتاء قاسيا بلا مأوى
.. مراسل الجزيرة من داخل فرع فلسطين الأمني يرصد شهادات مروعة عن