الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منصب رئيس الجمهورية و العراق الجديد

حيدر شيخ علي

2010 / 3 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التصريح الذي أطلقه السيد طارق الهاشمي بان يكون منصب رئيس جمهورية العراق للعرب السنة حصرا، والذي كرره السيد أياد السامرائي بطريقة أخرى، أثار الشجون، ليس لكونه جاء بعد يوم واحد فقط من الانتخابات البرلمانية العراقية، التي خاضها الهاشمي تحت عناوين: الوطنية ومناهضة التهميش والانقسام والمحاصصة وعلى أساس ان العراق بلدا لكل العراقيين. وليس بسبب نظرته للمناصب الحكومية وكأنها مغانم توزع بين رؤساء القبائل "المنتصرين"، ولا بمفارقة اللهاث وراء المناصب والتسرع للاستحواذ عليها من طرف سياسي كان يفترض به ان يتحلى بحد معقول من الحكمة والتريث وانتظار ما تسفر عنه نتائج الانتخابات النهائية بصيغتها الرسمية.

انه لأمر مؤسف لسياسي بوزن الهاشمي تسكرهُ نشوة نصر انتخابي سرعان ما ينظر له بازدراء ان استغل بهدف الاستقواء على الآخر. فالتصريح شكل إحباطا لخطاب الشراكة وتحمل المسؤوليات الوطنية كل حسب عطائه واستحقاقه الوطني والانتخابي.

لن أتوقف عند التصريح في تلك الحدود رغم فداحة وحجم خيبة الأمل بالعقلية التي ينهل منها بعض السياسيين أفكارهم السياسية والاجتماعية. ولا أريد ان ادخل في نقاش لمن ستكون أحقية منصب رئيس الجمهورية، فانا من الذين صوتوا على الدستور بوعي وإدراك لمواده خاصة تلك التي تؤكد على المواطنة المتساوية بين جميع العراقيين. كما إنني على اطلاع بما فيه الكفاية على ما جاء به الدستور في ان يتولى منصب رئيس جمهورية العراق من يحصل على موافقة ثلثي النصاب القانوني من حضور أعضاء البرلمان. لذا فإن حسم موقع الرئيس قبل ظهور النتائج وقبل بدأ المشاورات بين الكتل أمر لا يجهله حتى المتابع البسيط. ومن هنا فأن جهل بعض السياسيين بمواد الدستور وأحكامه هو أمر مفزع.

ان القراءة الخاطئة للظواهر الجديدة في الوضع السياسي الكوردستاني، يستنتج منها خلاصات خاطئة عن شكل التنافس وعدد القوائم المتنافسة في كوردستان، ويبدو ان هناك فهم مبسط للغاية عن التعدد والتنوع الذي يعده البعض علامة من علامات الضعف في الموقف الكوردستاني وتراجع عن مواقعه، ولم يعلموا ان تعدد القوائم وتنوع الرؤى السياسية هي علامات ايجابية، وعناصر قوة وثراء، تعكس طبيعة المجتمع الكوردستاني واستعداده للتطور ومسك الظواهر السياسية الجديدة وعدم التخلف عنها، فهو بهذا المعنى ليس تراجعا كما يحلوا للبعض تصوره، وانما مواصلة لتقدم المجتمع السياسي في كوردستان.

فمهما تباينت برامج القوى الكوردستانية، في رؤيتها للأداء السياسي في كوردستان وطبيعته، وكذلك للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، والقضايا المعيشية للشعب الكوردستاني، فهي لا تختلف حول المواد الدستورية والوطنية ولا يمكن لها في كل الأحوال ان تساوم على حقوق الشعب الكوردستاني، وتقرير مصيره. واذا كان هناك خلاف على بعض القضايا ومنها المادة (140) في الدستور فالخلاف في كوردستان لا يدور حول أصل المادة بل حول تأكيد مستويات متابعة تنفيذها، وعدم التفريط بها بأي شكل من الأشكال. كما ان هناك تفهم من قبل الجميع للوضع السياسي العراقي الحالي، وموقع إقليم كوردستان في النظام السياسي العراقي الجديد، وهناك التزامات متبادلة ومسؤوليات اتحادية أعلن ويعلن القادة الكورد مسؤوليتهم الوطنية في التصدي لها.

كما لا اود ولا ارغب مناقشة الأمر من الجانب الشخصي، ومدى كفاءة وقدرة الشخص لتولي هذا الموقع السيادي، سواء من ناحية استخدام الصلاحيات الرئاسية، أو المصادقة على القوانين ونقضها، ومراجعة نقدية بسيطة للأداء الرئاسي، وللقوانين التي تم نقضها وتعطيل او تحريك الحياة السياسية هو كافي للتعرف على حرص الرئيس وكل من نوابه على تعطيل او تحريك الحياة السياسية والتشريعية في البلد.
ولا اعتقد ان الأمر يحتاج مني الكثير كي أبين ان هناك من استخدم موارد الدولة لتقوية حزبه وتعيين اتباعه، وهذه النقطة بالذات تسجل للرئيس جلال طالباني حيث انه عمل في بغداد وأعطى على حساب حزبه بعكس ما فعله الآخرون.

فحتى الأمين العام لمجلس الرئاسة هو ليس من حزب الطالباني، لا بل ان إطلالة سريعة على تركيبة مستشاري الرئيس تجد ان الكورد هم اقل نسبة في هذه التركيبة، في وقت أُتخمت مكاتب المستشارين عند الآخرين بالمريدين والحزبيين والأقرباء.

وإضافة لذلك، لا يحتاج المدقق المالي كثير من الجهد كي يتبين ان نثرية رئيس الجمهورية يتم إنفاقها على مختلف منظمات المجتمع المدني العراقي، وعلى النشاطات الاجتماعية العراقية وللمعوزين العراقيين، وليس للكورد حصة في ذلك، فهل يحتاج الأمر لتدقيق نثرية الآخرين وللكشف عن: كيف ولمن ولأي حساب تصرف ! ؟ .

ان الرئيس جلال طالباني ذو قلب كوردي طيب بروح عراقية وثقافة عراقية. فرغم أصالته وحبه ودفاعه وتضحياته عن حقوق الشعب الكوردي فهو لم ينطلق من تعصب وضيق أفق بل كان دوما مناصرا لقضايا العرب، ويعد ان القضية الكوردية لا تحل الا في عراق ديمقراطي فدرالي تعددي موحد، هذا من جانب ومن جانب آخر كان حريص كل الحرص على قضايا العرب المصيرية، لذا فالشام داره وبيروت مكتبته، والقاهرة مزاره، كما ان عبد الناصر صديقه، والجواهري خله وخليله، والمرحوم ياسر عرفات عزيزه، وجورج حبش رفيقه. وغير هذا وذاك، واذا كان لا بد من إضافة شيء آخر فهو تصريحات الرئيس الصادقة بعدم توقيعه على إعدام أي مدان، رغم كبر الجرح الكوردستاني وما تعرض له من ظلم وتعسف، وهذا التسامح يحسب للرئيس وليس عليه .

لا أريد ان ادخل الموضوع من تلك الأبواب، لكني قبل ان ادخل الموضوع من بابه الفكري والسياسي الصحيح، دعني أقول: قلبي على القوى الديمقراطية، وحجم معاناتها من الكم الهائل من الخراب الذي تركه وخلفه الفكر الفاشي والعنصري الضارب في أعماق الساسة فكيف بالبسطاء.

ويبدو ان هناك من الذين لم يستوعبوا لغاية هذه اللحظة ان العراق الجديد هو غير عراق ضيق الأفق والتهميش والانعزال والكراهية وإلغاء الآخر، هو غير عراق الفاشية والحقد والتعصب الأعمى، العراق الجديد الذي عليه ان يغادر الهويات الفرعية والمحاصصة، نحو عراق لكل العراقيين، وان أي منصب بما فيه المناصب السيادية متاح لكل عراقي كفوء ونزيه وحسب الاستحقاق الانتخابي والوطني، وليست هناك شروط او موانع أمام أبناء القوميات الأخرى والأديان والطوائف، فقد ولى بلا رجعة نظام المحرمات والموانع غير المكتوبة أمام أبناء القوميات المتآخية.

المرعب ان هناك من لا يزال ينهل من مستودع الإقصاء والتهميش والازدراء، و لم يبارح الكراهية والحقد القومي وروح الاستحواذ.

كم سنة أخرى كي يتم استيعاب فكرة ان عراقا جديدا بدا يتشكل على أنقاض نظام الحرب والدمار والحصار والعدوان. وكم درسا يعطيه لنا الحاضر نحن العراقيين كي نفهم المغزى الذي فتحت فيه أمريكا بيتها الأبيض لابن مهاجر من أعماق إفريقيا كي يحكمها، حتى نستوعب ان ابن الجبل الشاهق له حق كأي عراقي آخر بحكم العراق، الذي لم يكن حكرا على ابن العوجة وحدها، وسليلي فكر الاعوجاج؟

هل هناك حاجة لعرض المزيد من الأمثلة: ساركوزي رئيس فرنسا من أصل هنكاري، كارلوس منعم السوري رئيس الأرجنتين السابق. كل هذه الأمثلة والرئيس الطالباني ابن مدينة كويسنجق التي أثرت بعلمائها ومفكريها ثقافة العراق.

يبدو ان هناك ساسة لازالوا بعيدين عن فهم الدولة المدنية واستحقاقاتها، والمواطنة عندهم درجات، والهوية التي يتكئون عليها لازالت هوية فرعية. ويبدو ان الحاجة ماسة لإشغال الفكر في تكوين هوية واحدة وفق الدستور، فهناك من لم يتعض من دروس التاريخ، وتجارب تشكيل الهوية في بلدان العالم التي يبدو انها لم تختمر في مخيلتهم لحد الآن، فما جدوى ان أبين زيف من يفتخر بالناصر صلاح الدين، الذي فتح بيت المقدس. وهل هناك ثمة حاجة لإيراد أمثلة من التاريخ العربي والإسلامي في تبؤ أبناء القوميات غير العربية مناصب سياسية وقضائية هامة، فالتاريخ حافل باللمحات الإنسانية الرائعة التي تؤكد التآخي والتآزر والمساواة. غير انه يبدو أن للبعض تاريخ خاص ينهلون منه.

يمكنني القول ان أي سياسي عراقي يتجاهل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ابسط ما يقال عنه انه لم يتعلم شيئا من التاريخ العربي والإسلامي فكيف يفهم التاريخ الإنساني و يتعض منه ! ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار