الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القارة الافريقية والتنافس الايراني – الامريكي

دياري صالح مجيد

2010 / 3 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


لا نجامل كثيراً و لانبالغ بشكل اكبر اذا ما قلنا انه لا توجد على الاقل في نطاق الشرق الاوسط دولة ما من دول المنطقة استطاعت ان تستثمر الجغرافيا السياسية بطريقة مجدية ستراتيجياً مثلما فعلت ايران التي تسعى دوماً الى الضغط على خصومها وبالذات منهم الاميركان في العديد من المناطق الجغرافية الرخوة في التوجهات الامريكية , الى الحد الذي يبدو معه ان كلا طرفي المعادلة يتبعان ذات الفكرة الرامية الى ابقاء شبح الحرب بعيدة عن اراضيها بشكل مباشر عبر تحويل الدول والمناطق الاخرى ميداناً رحباً لمثل هذا الصراع ودلالات ذلك كثيرة في العراق وافغانستان ومناطق اخرى مهمة في العالم بعد لم تصل فيها حدة التنافس بين الطرفين الى مرحلة الصراع المباشر او بالنيابة .

الوجهة الجغرافية الحالية لنقل المعركة بعيدا عن الاراضي الايرانية ياتي بالتوجه نحو دول القارة الافريقية في ذات الوقت الذي بدات فيه الادارة الامريكية تعزيز توجهاتها الرامية الى احكام سيطرتها على دول القارة وبالذات منها ذات الثقل النفطي من اجل تعزيز رغبة امريكا في ايجاد مزود اخر للنفط يمكن له ان يعوضها عن نفط الشرق الاوسط في حال اندلاع الصراع في هذه المنطقة وما يُهدد به مثل هذا السيناريو من امكانية للتاثير سلباً على الاقتصاد الامريكي واقتصاد بقية الدول الصناعية الحليفة لها خاصة في اوربا . لذا جاء ادراك العديد من القوى الدولية المناهضة لهذا المشروع الامريكي , متزامناً مع التوجه الذي ارسيت اسسه العسكرية الخاصة في عهد بوش الابن الذي عملت ادارته بشكل حثيث في الفترة الاخيرة من ولايته على انشاء القيادة العسكرية الامريكية لافريقيا بعد فصل مهام هذه القيادة التي كانت حتى وقت قريب موزعة بين القيادة العسكرية الوسطى والقيادة العسكرية الامريكية لاوربا .

هذه القوى المعارضة لمثل هذا التوجه كانت اهمها تتمثل في الصين التي استطاعت بشكل كبير ان تمد يدها لدول افريقيا النفطية وتعزيز علاقاتها بها الى الحد الذي وصل فيه الامر الى تفسير الصراع في السودان والخلاف بين قيادته وامريكا على اساس المصالح الصينية التي يُنظر لها على انها احدى اهم الضمانات التي تدعم استمرار البشير في الحكم . مثل هذا الادراك هو الذي دفع ايران , وربما ليس ببعيد عن حوافز صينية – روسية , الى تمديد نطاق فعاليتها وعملها الاستراتيجي الى دول تلك القارة خاصة وان ذلك يعني من جهة استمرار الاعتماد الامريكي على نفط الخليج الذي تحول وفقاً لهذه الرؤية الى احد عناصر الضغط الجغرافية على امريكا في ظل الميزات التي تملكها ايران في هذا الاقليم , ومن جهة اخرى الى ان اي منطقة جديدة لاكتشاف النفط او لوجود ثروات واعدة فيها ستتحول الى منطقة تنافس ستراتيجي بين امريكا والدول المعادية لتوجهاتها الرامية الى خلق الظروف التي توفر في ظلها البدائل التي تخفف عنها الصدمات التي يمكن ان تلحق بها في حالة اندلاع اي صراع عسكري في اي منطقة من مناطق الشرق الاوسط , خاصة وان امريكا اليوم لا تخفي خشيتها وبشكل واضح وصريح وكما يعبر عن ذلك كبار مسؤليها الامنيين والعسكرين , من ان تقوم اسرائيل بعمل ما ضد ايران يهدد كل المصالح الاستراتيجية البعيدة المدى لامريكا في المنطقة , الى الحد الذي يبدوا فيه بان القضية النووية الايرانية لم تعد كما كان يؤمل لها ان تكون مصدر لعزلة ايران بالضرورة , بقدر ما اصبحت احدى عناصر الضعف في العلاقة الاستراتيجية التقليدية التي تجمع امريكا باسرائيل في ظل الخلاف الحالي بينهما في كيفية التعاطي مع الملف النووي لهذه الدولة , والى الحد الذي اضطرت فيه امريكا مؤخراً الى ارسال العديد من المبعوثين المهمين الى اسرائيل ذاتها من اجل اقناع القيادات العسكرية فيها بالكف عن تصعيد لهجة الخطاب العسكري والابتعاد عن التفكير باي عمل طائش يهدد المصالح الامريكية والاسرائيلة معاً , الا ان تلك الرؤية الامريكية المتأنية في التعامل عسكرياً مع الغريم الايراني لم تاتي من فراغ وانما جاءت في ظل عناصر الضغط التي تجيد ايران استثمارها الى الحد الذي حولت معه امريكا الى عنصر كبح لشبح الحرب القادمة في المنطقة على الاقل في الوقت الحالي , ذلك من دون انكار ان هنالك قوة ضغط داخل امريكا لا زالت حتى اليوم تدفع باتجاه الحرب .

هذه الرؤية لا تعني الا ان الاندفاع الايراني البطيء وربما غير المهم في نظر البعض باتجاه دول القارة الافريقية , ياتي في ضوء التاكيد على تفويت الفرصة على امريكا في مجال فك ارتباط عملية اعتمادها على نفط الشرق الاوسط , لانها تدرك بان مثل هذا الامر سيكون مصدر قلق لها في المستقبل , لذا نجد اليوم ان هنالك في ايران من يؤكد على تدعيم هذا التوجه خاصة في ظل الخبرة التي اكتسبتها ايران في مجال الصناعة النفطية . فقد اكد مؤخراً وزير النفط الايراني على هذا الامر في مناقشاته التي اجراها مع وزير الدولة الزيمبابوي للشؤن الرئاسية والخاصة بتعزيز علاقات الطاقة بينهما حيث قال (( ان ايران مستعدة للتعاون في مجال تجديد مصفاة Feruka النفطية في زيمبابوي والعمل على تزويدها بالمواد اللازمة للعمل ... كما اكد بان بلاده تعد واحدة من اكبر الدول المصدرة للنفط في العالم وبامكانها ان تلعب دور مهم في تلبية احتيجات زيمبابوي النفطية )) . بالمقابل عبر الضيف الزيمبابوي عن رغبة بلاده في تنفيذ العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في مجال الطاقة وتشجيع هذا التوجه مع بقية الدول الافريقية .

في الحقيقة هنالك العديد من المؤشرات التي يمكن للمرء في ظلها التاكيد على ان لعبة التنافس الامريكي – الايراني ستتمد الى العديد من المناطق الجغرافية التي تحاول فيها امريكا الاستئثار بالنفوذ من اجل المزيد من القوة في مكانتها الدولية , وبالتاكيد ان مثل هذا التحدي للدور الامريكي من قبل ايران لا ياتي منفرداً بل بالمحصلة النهائية ملتقياً مع توجهات قوى اخرى تعمل بكل جد من اجل عدم استفراد امريكا المطلق بالنظام الدولي الجديد . فاضافة الى الشرق الاوسط الذي يعد قلب المواجهة ما بين التنافس والصراع للقوى الاقليمية والدولية فقد اصبح واضحاً بان دول اسيا الوسطى والقوقاز ساحة جغرافية لمثل هذا التنافس , وبأن الدلائل تشير الى امكانية تحول العديد من دول القارة الافريقية لذات السيناريو .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة