الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إنتخابات العراق... قراءة من الخارج
شاكر الناصري
2010 / 3 / 13ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
لم تكن الأنتخابات البرلمانية التي أجريت في العراق ، سواء كانت الاخيرة منها أم التجارب التي سبقتها خلال السنوات الماضية ، سوى وليدة عقود مريرة من القمع وستبقى قابعة خلف تاريخ طويل من الممارسات اللاأنسانية بحق العراقيين وستتأثر بها في كل مرة . إن الفرح بالتوجه الى صناديق الأقتراع وأقامة مهرجانات الابتهاج هي رسالة مؤكدة من العراقيين لمن يحيط بهم أو لمن مارس بحقهم الأذلال والتهميش ، مفادها أننا بشر نستطيع أن نخوض في الديمقراطية ومظاهرها وتجلياتها ونتائجها وإن مستقبل البلاد أمر يعنينا ، فما نقوم به هو حقنا في التدخل . (نحن ننتخب العراق) حتى لو سرنا على جثثنا من أجل الوصول الى صناديق الأقتراح ، هكذا قالها الكثير من العراقيين من الذين تحولت الأنتخابات والمشاركة فيها الى تحدي كبير يجب أن يمروا به ولم تغيب عن الأذهان حكاية أنهم يسطرون ملحمة من أجل مستقبل البلاد .
ربما هي قراءة بسيطة لما حدث ويحدث من مظاهر هياج ديمقراطي وما يرافقه من أحاديث عادة ما تتحمل الكثير من التضخيم والدعاية والتهييج الشعبي هدفه الاساس دفع الناخب العراقي للمشاركة في أنتخابات توصل كتلة أو عدة كتل سياسية الى البرلمان القادم ثم يعود هو الى منزله وينتظر اربع سنوات أخرى كي يعيد الكرة ثانية ولكنه يحمل معه نفس التمنيات والشكوى أزاء الحكومة وأستغلال السلطة ومظاهر الفساد .
(سيكون هناك تغيير ، هذه أنتخابات من أجل التغيير ، حكومة أغلبية سياسية ، فشل مشروع وتجربة حكومة الوحدة الوطنية ، التوافقية والمحاصصة عطلت المشروع الوطني ، عجز الحكومة السابق بسبب التوافقات والمحاصصة . حكومة تمثل العراق والعراقيين بعيدا عن التدخلات الخارجية . وليتوجها أحدهم بأحد شعاراته الكبيرة ،حكومة تضع حدا للتدخلات الايرانية وأنهاء الاحتلال الايراني ....الخ ). هذه مقتطفات ، علي سبيل المثال لا الحصر ، تختصر مجمل التصريحات التي أطلقها الساسة قبل الأنتخابات وكانت في مجملها تسعى لأعطاء أنطباع يغري الناخب العراقي بأحاديث وبرامج الساسة وكتلهم وبرامجهم الأنتخابية ويدفعه للتوجه الى صناديق الأقتراع والمشاركة في الأنتخابات .
إن هذا هو المسار الحقيقي والطبيعي والمتوقع لأية عملية إنتخابات تحدث في العالم ، فدائما هناك من يسعى لكسب أصوات الناخبين، حزب أم شخصية سياسية ، وإن عليه أن يمارس كل الأدوار التي تظهره بمظهر المنقذ ومحقق السعادة . وفي كل مرة فإن قوى تتصدر لوائح المشهد وأخرى تعود منكسرة وتتأمل بأن يحالفها الحظ في المرة القادمة .
ماحدث في العراق إن أعداد كبيرة من الناخببين وحينما توجهوا الى صناديق الأقتراع كانوا محاطين بمجموعة من الهواجس والضغوط ، تاريخ القمع السابق والخوف من عودته ، الخوف من العمليات الارهابية ، المؤثرات الدينية و الطائفية والقومية والعشائرية ، الخشية من تسلط الأحزاب وممارساتها وعدم تسليمها بنتائج الأنتخابات والعودة مجددا الى دائرة العنف . مارست هذه الهواجس والضغوط دورا كبيرا في تحديد أختياراته ، فأختار من يمثل طائفته وقوميته أوعشيرته بعض النظرعن برنامجه الأنتخابي أو ممارساته خلال السنوات الاربع الماضية وحتى لو كان ، أي الناخب يحمل من المبادىء والافكار البعيدة كل البعد عن النزعات الطائفية والقومية . بمعنى آخر إن الأنتخابات كانت لتبيان القوى بالنسبة لكل طرف .
الأنتخابات بالنسبة للكثير من العراقيين هي أثبات وجودهم وأعلان أنتماءاتهم الى طوائفهم أو قومياتهم وعشائرهم أولا ، على الرغم من المقت الشديد الذي تظهره فئات واسعة من العراقيين لبعض القوى التي أستباحت كل شيء من أجل مصالحها ، فما حدث ويحدث وسيواصل الحدوث حتى فترات طويلة قادمة هو صراع بين هذه الأنتماءات بعيدا عن مصلحة الدولة والمجتمع .
يحدث كل ذلك بتأثير مباشر من القوى السياسية التي تمارس اللعب المفضوح بالعقائد والقيم وتعزيز المظلوميات ونبش كل تواريخها وأستحضارها في كل حين .
الأنتخابات الأخيرة في العراق جرت وسط جو مشحون ، تتنافس فيها قوى وكتل وأحزاب أبسط ما يجمعها فقدان الثقة ببعضها البعض وأستعدادها لممارسة ما هو أبعد من دعايات الأقصاء والتسقيط السياسي وأزاحة بعضها البعض من الوجود . تبادل الأتهامات وتصاعد نغمة حدوث تزوير وتلاعب بنتائح الانتخابات ( البعض وصل الى درجة اليقين المطلق بحدوث التزوير ) حتى قبل البدء بعملية الانتخابات ، كل ذلك يكشف عن مقدار الشكوك التي تحيط بعمل السياسيين في العراق وتبين الهوة الشاسعة التي تفصلهم عن بعضهم وبالتالي عن المجتمع الذي يتصارعون من أجل حكمه أو أحتكار تمثيله .
لم يتم الكشف الا عن جزء ضئيل من عدد الاصوات المشاركة في الأنتخابات حتى ضجت غالبية القوى السياسية بالشكوى من تلاعب مؤكد لم تسلم منه حتى ممثلية الامم المتحدة التي لم تملك سوى تكرار بيانات النزاهة والمصداقية وعلى جميع الكيانات السياسية قبول نتائج الانتخابات مهما كانت النتائج . وفي نفس الوقت فإن جميع القوى الموجودة في الحكم ، تنكرت لكل شعاراتها التي أوردناها آنفا وعادة الى سابق نهجها في الممارسة والسعي وراء مصالحها الحزبية والطائفية أو القومية وباتت تطرح من جديد (أن لاسبيل لحكم العراق الا التوافق وإن العراق لايمكن أن يحكم من رجل واحد وإن القوى الخمسة الأساسية هي من يشكل الحكومة القادمة ...الخ ). القوى المذكورة باتت تتصارع من أجل المناصب الاسياسية في الدولة وسرعان ما تحول الموضوع الى حملة تراشقات أطلق كل طرف فيها ما بجعبته من ألقاب وجملة أتهامات لعله يطيح بخصمه .
من المؤكد إن تجربة الأنتخابات في العراق ومنذ سقوط النظام البعثي في العراق ، تشكل مرانا حقيقيا على تعلم أصول المشاركة وممارسة حق الأنتخاب ، بإعتباره أحد حقوق المواطنة ،بشكل سليم ودون ضغوط وإن لكل فرد صوت أنتخابي يمتلك أهمية كبيرة وإن عليه التصرف به بمسؤولية وحكمة ، كما يحدث في الكثير من بلدان العالم المتحضر ، بغض النظر عن أن الانتخابات البرلمانية أو مجالس المحافظات في العراق جرت وتجري في ظل وجود قوى أمريكية مسلحة تمارس عملية أحتلال البلاد وتطلق الوعود بالأنسحاب حالما يتمكن العراقيين من تعلم أصول الحياة والديمقراطية وممارستها ...!!!!.
بلا شك فإن الأنتخابات التي يتم أجرائها كل اربع سنوات ويتم من خلالها تحديد الحكومة والبرلمان والهيئات العليا في البلاد ، تشكل منعطفا هاما ومصيرا بالنسبة للعراق لو تم العمل على أن تمتلك هذه الأنتخابات كل متطلبات النزاهة والثقة وأن تكون بعيدة عن المؤثرات الكثيرة التي تعمل على توجيهها الى مواضع ومنعطفات بعيدة كل البعد عن النتائج التي ترتجى من ممارسة عملية كهذه . وأن لاتتحول الى مناسبة للثار والتهديد والأقصاء .
قد نحتاج الى سنوات طويلة وربما دورات أنتخابية كثيرة حتى تتحول الأنتخابات الى ممارسة سلمية لتدوال السلطة وبصورة حقيقية وواعية يتمكن خلالها الناخب العراقي من منح صوته للجهة التي يجد إنها تمثله وتستجيب لمتطلبات حياته ومعيشته وتعزز من قيم التحرر والارتقاء بقيم كرامة الأنسان دون ضغوط أو مخاوف أو تهديد .
في نفس الوقت فإن للقوى السياسية وممارساتها وتأريخها دور جدي في أنجاح أو افشال مشروع الانتخابات أو النتائج المتحققة من ذلك . غير إن حاجة المجتمع العراقي الى جيل جديد من السياسيين وقوى سياسية جديدة تبقى قائمة ويجب التفكير فيها بشكل جدي من قبل الشباب والنساء والعمال والمثقفين في العراق ، جيل يزيح الكثير من الوجوه والقوى التي اصبحت رمزا للفساد والتطرف وأثارت النعرات واستغلال السلطة وأحتكار تمثيل فئات واسعة من العراقيين . جيل قادر على العمل وفق معطيات العصر والحداثة ومصلحة البلاد وأهلها وان تتحول الأنتخابات الى ممارسة بعيدة عن الضجيج والمخاوف المتواصلة وأن تكون البرامج الأنتخابية هي الحكم في تحديد من يمكنه أن يقود البلاد وأهلها لمدة أربع سنوات قادمة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - حظوظ ضئيله للأحزاب البعيده عن السلطه
زهراء
(
2010 / 3 / 13 - 16:16
)
كانت هذه النتيجه هي الأسوء التي خرج بها المراقب لما يحصل ، لقد مارست الأحزاب التي تدير الحكومه أسلوب الترغيب والترهيب مع العراقيين فخشي ملايين الموظفين من حصول تغيير حقيقي قد يؤدي لتهميشهم أو حرمانهم من وظائفهم وذات الشيئ بالنسبه لمنتسبي الجيش والشرطه ، من جانب آخر أثار الأستغراب أنتقال مرشحي دولة القانون والأئتلاف الى محافظاتهم الأم في جنوب العراق قبل شهر من الأنتخابات وأطلاقهم الوعود بحل مشكلة البطاله لملايين من العاطلين وأستقبالهم طلبات وشكاوى مواطنين لم يلتفتوا لمعاناتهم خلال الأربع سنوات الماضيه .وكان لعودة صبي أيران ثانية أثره في أستذكار مسلسل القتل المليشاوي الذي طال الشيعة والسنه على حد سواء وما أغتيال الدكتور عمار الصفار الأ مثالاً بسيطاً على فوضى أجتاحت حتى وزارة الصحه . فيما داعبت القائمه العراقيه مشاعر من أستبعدتهم مرحلة مابعد التغيير لأسباب موضوعيه أو طائفيه بالأضافه لوجود شخصيات ليبراليه كفوءه ضمتها القائمه . وبهذا لم يختر المواطن أحزاباً على أساس برامجها وأنما ليحافظ على مكاسب جناها أو وعود بمكاسب أو للأحتفاظ بحالة الأمن وعدم العوده للمربع الأول ، شكراً للكاتب
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر