الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصاصة

طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)

2010 / 3 / 13
الادب والفن


أيقظني سعال صديقي المدخِّن.. ربما المريض..!! قبل صراخ المفاتيح في الأبواب الحديدية..
كان صباحاً وردياًَ، عندما حرقت يدي..
بكيت حتى احمرَّت عيناي..
طيف ألم عبر وجهها الأحمر..
ـ يا حيف..!!
قالت, وهي تستند على بقايا صبر في دمها...
ـ "جدَّك اختصر كفّو، وأبوك وقع عن الثقالة وما فتح تمّو إلاّ حتى يشرب.."
فتحت عينيها الخضراوين، عندما سقط جوابي وتناثر على أرض الدّار:
ـ "إي هنِّي كبار.."
ـ وإنتِ كبير... روح ماما غسِّل وجهك قبل مايشوفك حدا..روح..
دفنت رأسي بين كتفيّ خجلاً، وانزويت...
اخترق ربيع رأسي أمام المرآة، ومدّني بالخضرة.
عدت إليها بمشاعري الوليدة تلك، وقبل أن تراني، رأيتها...
كانت تبكي، وتمسح دموعها بتنورتها الفضفاضة السوداء، ولم يكن والدي قد ضربها ساعة ئذٍ...
عدت إلى سريري، وبمخدتي التي طرّزت عليها بأصابعها الخشنة "صباح الخير" كتمتُ بكائي..
لم تكن قدمي تؤلمني.. أبداً..

قالت حبيبتي عنّي "أناني" ثم رحلتْ ..
بكت جدران غرفتي ,والدرجات الثلاث والثمانون، وأصيص حبق، ورفيقة كانت تحلم بنا منقوشين بجوار "صباح الخير"...

جبان.. قال صديقي عنّي..
قيّدتني جرأته...مراوغته وجبنه أنقذاه من السجن..وأشياء أخرى أيضاً..
بقيت لوحدي في المسرح الرطب ..
غادر هو... غادر ليمارس جرأته والأشياء الأخرى..
أمّا أنا فقد مارست العدّ.. أتقنت ممارسة العدّ...
أعدُّ بلاط الغرفة.. ثقوب الجدران.. الذباب الطائر.. أوقد صمتي، وأعانق الحديد البارد، وأتساءل:
ـ ماذا بعد... ماذا بعد...؟

قالت صديقتي: عطشانة!!
ركضتُ..
ملأت كأساً، وعدت أترجرج، فيتدحرج القطر فوق الحواف، لكني لم أجدها...
فوق قصيدتي، كتبت بخطها الجميل.." غبيّ.."
نسفتُ الكأس حتى الثمالة، وفجّرتُ قصيدتي بعينيّ الضائعة..

بين برودة المشاعر، وسخونة السياط، نزفتُ صوتي ..
شتمتُ أصدقائي ... سالت شتائمي لزجةً فوق الوجوه.. والوطن..
وعندما عدت إلى زنزانتي مستنداً على بقايا جسدي, وندب الجدران, شعرت أني وحيد... متروك.. مهاجر... شعرت بالوحدة...
غطيتُ وجهي بيدي... بكيتُ..
لم تكن جروحي تؤلمني... أبداً...لقد كان قلبي محطّماً....

تلقفني "الكردور" الخالي الذي يطلّ على المهاجع النائمة..
وقفت على الكراسي المصنوعة من كراتين البيض، أراقب قضبان النافذة العالية..
خيال مدينة تبعد كل يوم, وصفارٌ يغطيّ هذا الابتعاد...
تستقبل سياط الجلادين ظهوراً جديدة هذا الصباح..
صراخٌ يمتدُ كاللبلاب.. يعرِّش في أذنيّ، فأعرف أنهم يضربون حتى نتألم...
صرخ سجّان بعيد:
ـ "انزل من عندك ولاك..."
كان الصباح يحبو مكافحاً...
سقطتُ، وطار عصفور كان يغطّ قريباً, ومضت ضجةٌ تخاف...
ارتعشت نسمةٌ كانت تسرِّح جديلتها على أسطر ورقةٍ تركت تغازل الجدار....
تركتُ لهم خيال المدينة، وصراخ السياط, وقطرتي ندى, نضجتا للتوّ..
تركت لهم كل شيء يملكه صباح ورديّ...
عدتُ إلى مهجعي.. إلى عتمة زاويتي.. أتزيّن بضوء خفيف أحمر من مصباح نصبَتْه يداي...
أرسم ظلاً نام تحته سؤالي التائه:
تُرى... لماذا كانت أمّي تبكي يومها؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب