الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الدينية في المجتمعات الديمقراطية

سامية نوري كربيت

2010 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية كنظام من نظم المجتمع، تعني ذلك المجتمع الذي تسود فيه روح المساواة والحرية والإخاء , وهي بمعناها الواسع موقع سياسي ، وتصور أخلاقي، وحالة اجتماعية وقيم الفرد الشخصية , والديمقراطية تعكس حركة تطور المجتمع بأسره ومن ثم فأنها بقدر ما هي آليات يسهل التثبت من وجودها بقدر ما هي مثل عليا ومبادئ وقيم مطلقة قد يتفق او يختلف حول مضمونها وحدودها من مجتمع الى آخر , وهي ليست مجرد مؤسسات وإجراءات وانتخابات بل إنها مجموعة قيم واتجاهات تشجع الممارسة الديمقراطية الفاعلة ويتوقف مقياس الديمقراطية في المجتمعات على مدى توفر الحريات السياسية والمدنية من خلال قياس مدى استقلال وسائل الإعلام وحرية البحث وحرية التعبير الفني وحرية المؤسسات الدينية وحرية التعبير الديني الخاص والعام وحرية الاجتماع والتظاهر وحرية المؤسسات السياسية وحرية اتحادات التجارة والمنظمات المدنية وحرية الأحزاب السياسية واستقلال القضاء وسيادة القانون ومدى السيطرة المدنية المباشرة على الشرطة وحماية المواطنين خاصة المعارضين لنظام الحكم من الإرهاب السياسي والسجن الجائر والنفي والتعذيب , وحرية الأفراد في المناقشات العامة والخاصة وحرية السفر والتنقل وحرية الملكية الخاصة والمشروع الخاص والحريات الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والمشاركة الحقيقية في موارد الدولة .
وتتأسس الديمقراطية على مبدأين هما الحرية والمساواة , والحرية في الديمقراطيات الغربية تسمى بالديمقراطية الحرة وتنقسم الى نوعين الأولى حرية الشعب بوصفه الجماعة صاحبة السيادة المطلقة في الدولة والمجتمع ويمكن ان نسميها الحرية السياسية , أما الثانية فهي حرية أفراد الشعب بوصفهم أفرادا وهذا يعني ضرورة الاعتراف للفرد بحريات وحقوق فردية تجب حمايتها إزاء سلطة الجماعة او إزاء سلطة الحكام الشرعيين الممثلين لجماعة الشعب , وحرية الأفراد تعتبر حجر الأساس في الديمقراطية لان الفرد نواة المجتمع , وبدون حرية الأفراد لا حرية للشعب بكامله .
ويقدم الدين في أحيانا كثيرة صوتا نبوئيا الى الخطاب العام فبإمكان القيم الدينية إتاحة الفرصة أمام القيم الثابتة والسامية لولوج الحوار الديمقراطي وتمكين الأقليات من التعبير عن وجهات نظرهم , وهذه وظيفة مهمة في الأنظمة التي يشكل فيها الرأي العام السلطة النهائية حيث ان طرح وجهات النظر البديلة يعزز عملية تداول الآراء السياسية , وكون المبادئ الدينية تنبثق من المعتقدات التي لا تقوم على أساس التصورات الاجتماعية والسياسية الآنية فهو يسمح لتلك المعتقدات بان تخدم كمصادر مستقلة لانتقاد الاتجاه السياسي السائد وفي كتاب ( الديمقراطية في أمريكا ) اعتبر ألكسي دو توكفيل التعاليم الدينية إحدى العوامل التي تخفف من استبداد الأكثرية في الولايات المتحدة بصفتها مصادر للقيم السامية التي تتضمن العديد من الواجبات الإلزامية الأخلاقية المرتبطة بالسياسة العامة لان التقاليد الدينية غير المرتبطة بالأنظمة الحاكمة توفر كبحا هاما لميول رفض الامتثال و الخروج عن المركب في الثقافات الديمقراطية .
ويشير صموئيل هنتنغتون في كتابه ( صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي ) انه في النصف الأول من القرن العشرين افترضت الصفوة المثقفة في الدول التي تؤمن بالديمقراطية والعلمانية عموما ان التحديث الاقتصادي والاجتماعي سوف يقود الى تلاشي الدين كعنصر هام في الوجود الإنساني , كما ان المحافظون القلقون حذروا من كارثة اختفاء المعتقدات الدينية والمؤسسات الدينية وأكدوا على الهداية الأخلاقية التي يزود بها الدين الأفراد والجماعات في سلوكهم . ولكن في النصف الثاني من القرن العشرين ثبت ان هذه المخاوف ليس لها أساس حيث ان التحديث الاقتصادي والاجتماعي أصبح عاليا في نطاقه , وفي نفس الوقت حدث إحياء ديني عالمي وهذا الإحياء انتشر في كل قارة وفي كل حضارة وفعليا في كل دولة وكان الهدف منه استعادة الأساس المقدس لبناء المجتمع ولتكييف الدين مع العلمانية .
ان للديمقراطية شروطا أخلاقية وهذه الشروط تقوم على فهم ان الأخلاق أسمى من ان تكون مجرد اختراع إنساني لأنها نتاج نظام طبيعي او ترتيب سماوي او كلاهما , فالنظام الأخلاقي يكتشف او يوحى به بالنسبة للمتدينين ومن ثم ومع تغير الظروف يتولد فهم تفسيرات جديدة بحيث لا يتغير الاعتقاد بان جوهر الحياة الأخلاقية ينبع من الطبيعة وخالقها ومن الصعب تصور أنها مجرد خيار لنمط الحياة , والقيم الشخصية المتغيرة لا يقيدها سوى الخيارات الفردية التي تدعم قيام نظام مدني وأنساني .
وفي الديمقراطيات الغربية نجد ان القواعد الأخلاقية في مفاهيمها تكبح وبشكل أساسي التوجهات السلبية والأنانية وتشجع في الوقت نفسه النظرة الطيبة الحافلة بالمعاني الجميلة للحياة , ومن الواضح ان الذين لا يخضعون لضوابط أخلاقية أي الذين ليس لديهم أية كوابح في حياتهم الخاصة لن يكبحوا في حياتهم العامة وهذا سيفسح بسهولة الطريق أمام النفعية والأنانية فلا معنى للحديث عن الحرية السياسية من دون معايير أخلاقية في الدول الديمقراطية , ان المسؤولية الأخلاقية تفترض الحرية في إصدار أحكام أخلاقية لذلك فان تلك الحرية شرط ضروري لقيام حياة أخلاقية ومن الضروري ترك الكثير للخيارات الشخصية لكن من واجب مؤسسات المجتمع افتراض ما هو صائب للتمسك بثقة بمعايير معينة من السلوك والنظام الاجتماعي الذي يحمي المجتمع , وفي النظام الديمقراطي نستطيع ان نشجع الحرية المسؤولة عن طريق الثقافة والتعليم ولقد أدرك أرسطو ان المرء يكتسب العادات الفاضلة بممارسة الفضيلة حيث أكد ان الإنسان يتعلم العادات الأخلاقية بممارستها والتي تتطلب قوة تتبع ودعما اجتماعيا فإذا لم تتمسك المؤسسات الرئيسية بمبادئ الفضيلة او الحياة الأخلاقية وتؤكدها فان المجتمع ينهار .
ومن هنا نجد ان المجتمعات التي يسود فيها النظام الديمقراطي جعلت قضية الدين مسالة شخصية ليس للدولة او المجتمع أي حق بالتدخل فيها وفي خيارات الإنسان الدينية والعقائدية عندما لا تسبب ضررا للحقوق المدنية
كما يؤكد فرانسيس فوكوياما في ( كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) انه لا يوجد أي صراع دستوري بين الدين والديمقراطية الا عندما يكف الدين عن كونه متسامحا ومسا واتيا , ان اغلب الديمقراطيات الحالية تعيش من خلال موروث ديني سليل المسيحية وهكذا قد يظهر الدين بطريقة ما لا كعائق بل كمحرك للديمقراطية وعلى الرغم من ذلك فان الدين لم ينشئ بذاته مجتمعات حرة وبمعنى ما فانه كان على المسيحية ان تلغي ذاتها بعلمنة أهدافها قبل ان تتمكن الليبرالية من الظهور .
ولقد كان المسؤول عن حركة العلمنة في الغرب بحسب الرأي السائد هو المذهب البروتستانتي عندما جعل الدين مسالة شخصية بين المؤمن وربه , ومن ثم تجاوزت البروتستانتية الحاجة الى طبقة مستقلة من رجال الدين او بمعنى آخر الحاجة الى تدخل الدين في الشؤون السياسية وبصفة عامة الى تدخل الدين في الشؤون السياسية , ومن الملاحظ ان بعض الأديان الأخرى قد عرفت في أرجاء مختلفة من العالم تطورا مشابها نحو العلمنة فلقد اقتصرت البوذية والشنتوية مثلا على المجال التعبدي الخاص الممركز في العائلة كما ان الهندوسية والكنفوشية هما على حد سواء مذهبان تسامحيان نسبيا حيث اثبتا تطابقهما التام مع العديد من النشاطات العلمانية وعلى العكس من ذلك فان اليهودية الأرثوذكسية، والإسلام السياسي، يريدان تقييد الحياة الإنسانية العامة والخاصة بما في ذلك مجال الحياة السياسية , بالرغم من انه يمكن للاديان ان تكون متطابقة مع الديمقراطية، فالإسلام بصفة خاصة، يقر مثله مثل المسيحية مبدأ المساواة الكلية بين كل البشر ولكن يستحيل تقريبا ان يتلائم مع الليبرالية والاعتراف بالحقوق الشمولية , ان تأسيس الديمقراطية الليبرالية هو فعل سياسي جد عقلاني بواسطته تتمكن الجماعة في كلتيهما من التقرير يشان طبيعة الدستور ومجموع القوانين الأساسية التي تحكم الحياة العامة .
ان المسؤولية الأخلاقية تفترض الحرية في إصدار أحكام أخلاقية على قيم ومفاهيم الآخرين لذلك فان تلك الحرية شرط ضروري لقيام حياة أخلاقية , لهذا يجب ان يكون لدينا في مجتمعاتنا العربية حرية الاختيار لأنه لايمكن عيش الحياة الإنسانية بشكل كامل وطبيعي ومتزن في غياب التعاون الاجتماعي والقبول بالآخر المختلف دينيا او فكريا والمجتمع العربي يجب ان ينظم بحيث يشجع ممارسة الحرية المسؤولة من اجل خير الفرد والمجتمع ولا يمكن تنصيب الحرية الفردية المطلقة كقيمة عليا تسمو على المؤسسات المدنية في المجتمع والتي تشكل التوجه القانوني والسياسي في مجال الأخلاق والسياسة , لقد فطرنا لنكون مخلوقات أخلاقية ثقافية بدافع من الضرورة البيولوجية والكثير من السلوكيات تكتسب بالتعليم.
ومن هنا يقع على عاتق الطبقة المثقفة في المجتمعات العربية، ومن واجبها الأخلاقي ان تعمل على نشر ثقافة الحرية المسؤولة ،وثقافة تقبل الآخر وحقه في اختيار عقيدته واختياراته الأخرى التي تمس حياته الشخصية والتصدي لكل أنواع الإرهاب الفكري والديني وبخلاف ذلك فان المجتمعات العربية في طريقها الى ان يسود فيها قانون الغاب وقانون البقاء للذي يستطيع البطش بالآخر المختلف وهذا ما لانتمناه ولا ينبغي أن يكون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلفادور تنقل 2000 سجين إلى معتقل ضخم جديد


.. حاج مصري: جئت لأدعو لغزة فهي جرحنا النابض




.. نفاد الوقود يهدد بتوقف محطة الأكسجين الأخيرة بمدينة غزة وشما


.. مسؤولون أمريكيون: إدارة بايدن تشعر بقلق بالغ من العنف المتصا




.. نار هبّت بعد انفجار 12 صهريجا.. حريق هائل في مصفاة نفط بأربي