الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-العصا والجزرة- لن تحل قضية الأمن في العراق

يوسف محمد

2004 / 7 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في حديث أدلى به لصحيفة التايمز اللندنية، قال الرئيس العراقي المنصّب أمريكياً، غازي عجيل الياور، أن الحكومة العراقية الجديدة سوف تستخدم سياسة "العصا والجزرة" لحل المشكلة الأمنية في البلاد وذلك عن طريق عرض العفو عن عناصر ما أسماها بـ"المقاومة" مع إعادة عقوبة الإعدام الى النظام القضائي العراقي. وما يستوقفني هنا هو كثرة التصريحات التي أدلى بها الياور وأعضاء الطاقم الحكومي المشكل وفق المسرحية الهزيلة لما أطلق عليه "تسليم السلطة للعراقيين!!" بخصوص حل مشكلة غياب الأمن في العراق دون أن نشهد، بالتزامن مع تلك التصريحات، تحركاً جدياً وسياسةً فاعلة تستأصل جذور هذه المعضلة الكبيرة والتحدي الخطير الذي يواجه المجتمع العراقي ويدفعه يوماً بعد يوم نحو هاوية الانهيار التام.
وبغض النظر عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الكارتونية العراقية بهذا الخصوص، لن يراودني الشك لحظة واحدة في أنها ستعجز عن حل هذه المعضلة الكبيرة والخطيرة لسبب بسيط جداً هي أنها لم ولن تضع يدها على موطن الجرح، ذلك أنها تشكلت في الأساس من أجل التغطية على الفشل والعجز الأمريكي في العراق والفشل في بلورة بديل سياسي وحكومي قادر على الظهور كممثل لعموم ومجمل تطلعات وأهداف البرجوازية في العراق. فلا سياسة "العصا والجزرة" ولا "قانون السلامة الوطنية!!!" تشكل حلاً لغياب الأمن والاستقرار في العراق في ظل بقاء العامل الرئيسي لإنتاج وإعادة إنتاج الجماعات الإرهابية الإسلامية والطائفية والقومية، ونقصد به الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة.
لقد أكدنا دائماً أن حرب أمريكا واحتلالها للعراق هي الرافعة الرئيسية لتنامي وظهور الجماعات الإرهابية التي تجد في "مقاومة الاحتلال" ذريعة مناسبة لبقائها في الساحة وقولبة حركة وتصورات الجماهير بقالب رؤاها وتقاليدها المتخلفة والرجعية. وليس خافياً على أحد أن أمريكا هي من جر أقدام الإسلام السياسي والجماعات الطائفية والعشائرية والقومية الى الساحة في مسعاها لتشكيل بديل يحل محل النظام البعثي المقبور، بل إنها منحتها وزناً أكبر في المعادلة السياسية. وحتى حين انتهى الاحتلال، على الأقل شكلياً بموجب قرار مجلس الأمن وتشكيل حكومة محلية، رغم أنه مازال قائماً بشكل آخر بتصوري الشخصي، فإن ببقاء القوات الأمريكية في العراق تحت مظلة القوة الدولية المكلفة بإعادة الأمن والاستقرار والسيطرة على الأوضاع وبموافقة حكومة توصف بأنها "عراقية!!" مازالت الحجج قائمة لاستمرار المقاومة ضد القوات الأمريكية ووصل الأمر حد أن العلميات الإرهابية تجاوزت علميات التفجير والهجمات المتفرقة هنا وهناك الى اختطاف الرهائن وقطع أعناقهم أمام شاشات التلفزيون في استعراض همجي لوحشية وبربرية الإسلام السياسي وجماعاته السوداء.
وليس التلويح بفرض قوانين الطوارئ وإعادة العمل بعقوبة الإعدام، من أجل الرد على معضلة الأمن وغيابه في العراق الآن، ولن تهدف أبداً الى ذلك، بل تشكل أولى مساعي الحكومة "العراقية!" للتلويح بعصا القمع وفرض السياسات الاستبدادية ومصادرة الحريات السياسية والحقوق الفردية والمدنية بحجة القضاء على الإرهاب وتوطيد الأمن والاستقرار، وللعراقيين تجربة مريرة مع هذه السياسات والممارسات التي مارستها مختلف الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تشكل الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. فقد كانت قوانين الطوارئ هي أول إجراء تتخذه أية حكومة عراقية في مواجهة أي تحرك جماهيري لتغيير الحكومة ومجيء حكومة تمثل حتى ولو الحد الأدنى من مطالب وتطلعات جماهير العراق.
إن "السيد الرئيس!!!" سيستخدم العصا، من غير شك، في مواجهة العامل المطالب بزيادة أجره وخفض ساعات عمله، في مواجهة المرأة التي تطالب بالمساواة مع الرجل، في مواجهة العاطل عن العمل المطالب بتوفير عمل مناسب أو ضمان بطالة، في مواجهة الشيوعي والتحرري والتقدمي المطالب بالمساواة والعدالة والحرية للجميع والساعي لبناء عالم خال من الظلم والاضطهاد. "السيد الرئيس!!" سيستخدم عصاه في مواجهة الجماهير الغفيرة المطالبة بإعادة حرية الاختيار لها وإعادة حقها في انتخاب بديلها وحكومتها وقادتها، أما الإرهابيون فسيظلون معززون مكرمون لأنه يمنحهم حقائب وزارية ومناصب حكومية تجعلهم أكثر قوة من ذي قبل.
حل مشكلة الأمن في العراق وإعادة الاستقرار يبدأ برفض هذه الحكومة بوصفها بديلاً رجعياً مفروضاً بشكل فوقي بمعزل عن إرادة ورغبة جماهير العراق وبطريقة تم فيها تغييب أي دور للجماهير في اختيارها، وتشكيل حكومة مؤقتة من ممثلي الجماهير تؤمن حياة وأمن وحرية الجماهير وتوفر المناخ والظروف المناسبة التي تتمكن في ظلها جماهير العراق من القرار الحر والواعي على نظام وحكومة العراق المستقبلية وتعمل على إخراج القوات أمريكية بوصفها العامل الرئيسي لانعدام الأمن الحالي، وتصون الحكومة المؤقتة بمساعدة قوة دولية غير أمريكا وحلفائها في الحرب الأمن والاستقرار من خلال جملة من الإجراءات تتمثل في: منع كل شكل من أشكال النشاط الإرهابي، منع الهجوم على الحقوق المدنية للجماهير وانتهاكها، صيانة حقوق وحياة المواطنين تحت أية ظروف كانت وليس من حق أي طرف وفي أية ظروف الالتفاف على هذا المبدأ ونقضه، إخلاء المدن من الأسلحة وإبعاد وإخراج كل القوى والمقرات المسلحة الى خارج المدن وبعيداً عن أماكن عمل ومعيشة المواطنين، منع كل الممارسات التي من شأنها خلق وتصعيد الأحقاد القومية والدينية والعشائرية وتشكل أساساً للصراع القومي والديني والعشائري، إلزام كافة القوى والأحزاب السياسية بالأصول والمعايير السياسية في حل ومعالجة المشاكل السياسية فيما بينها وترسيخ الحريات السياسية وحريات التعبير والتظاهر والاحتجاج غير المقيدة وغير المشروطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح