الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمجمتي…وأنا…

عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)

2010 / 3 / 14
الادب والفن


جمجمتي…وأنا…
قصة بقلم عبد النور إدريس


لما استفقت ذات صباح ماطر…اتجهت مباشرة إلى المرآة المصلوبة على الجدار ..وضعت أصبعي تحت الجفن الأسفل لعيني اليمنى فتعرفت على عينيّ الذابلتين..وتذكرت للتو قطتي الصفراء اللون عندما تنتعل وجودها مع قط جارتي فاطمة التي تأتيني يوميا وهي تحمل ابتسامتها بين يديها لتأخذ حفنة صحف لتعبر بها الممرات المهترئة من نهار ماطر …
لم يكن قلبي يوحي بالدفء إلا لمن جرب وحدة طرقات المدينة…ولم تكن تساؤلات فاطمة لتوقظ فيّ أي شعور بعدم الوحدة….كان عندما يقع نظرها على جمجمتي تبرق عيناها فزعا ..وفي العديد من المرات..كنت أتجه إلى مؤخرة الدكان وأفتح أحد الأدراج وأنتزع منه صورة كنت قد كتبت خلفها يوما ما ..جملة مازلت أذكر كل تلك المشاعر الجميلة التي أخرجتني من نفق نفسي” إليك يا فتاة قوس قزح”
لست أدري لماذا كانت هذه الجملة تحمل اتجاهاتي الأربعة وبعض الحنين إلى صوت المطر وهو يتقاطر على سقف قصدير منزلنا القديم…
نظرت إلى صورتي ثم اتجهت توا إلى المرآه…
صحت بكل قواي في وجه المرآة المندهشة من خِلقتي…
- هذه ليست جمجمتي من هشّمها…لا شك أنها ضربة فأس عميقة..أو ربما ثقبتا رصاصتين ترحلان في اتجاه وعاء الأبجدية ولغة العشق..
آه تذكرت الآن…كنت أشعر قبل قليل كأن قردا قد قشّر موزة داخل جمجمتي ..وبعثر نصفيها …واستدرجني لمعاقرة الأحلام..
لالالا لاشك أنني أحلم …فمن عادة العشاق أن يحلمون بأنصاص الدوائر..سأخرج لملاقاة فاطمة …وأطلب منها أن تغرز دبوس ضفيرتها المخملية في جلدي…أكيد سأصيح…وألمّ الموضوع كأنه نكتة حلوة…وتشتهيني بعدها المرآة…
كانت فاطمة شتائية الدفء والحنان …كانت تصر على أنني كنت من ضحايا المجزرة وكنت أصيح من ألم الدبّوس المغروز في معصمي…يا لها من فتاة …ربّما تأكدَت الآن أن جمجمتي غير مثقوبة ولا ينفذ منها الضوء…
كانت تناديني بالرجل المطري وهي التي تعرف شغفي بصوت قطرات المطر على سقف الدكان …
فجأة صرخت في وجهي:
“أنا تعبانة يا عبد النور”..صمتتْ برهة ثم أردفتْ: أنت خائن ولا تقدر حبي لك …حبّي لصحفك التي كنت تجمعها لي كل صباح…فكنت أحتضنك بين دراعي وأذهب بك إلى البيت وأقرأ في كل صفحاتك …كنت عاشقة لرائحة ورقك ومدادك…أما الأقلام التي أشتريها منك …فقد فكرت بأن أقيم لها معرضا أمام مدرسة ” ابن العميد” للبناة….
كيف تدخل للمنتديات الالكترونية وتهجرني من أجل فأرة بئيسة يسيل منها الضوء الأحمر ولا تعرف سوى أن تطلق سهامها على الكلمات!!!!!؟
وقفت عيني مسمّرة على فم فاطمة وهي تغيّر من لهجتها …لحظات خلت نفسي في خط الاستواء نائما تحت سيل من قطرات المطر…كان المطر هناك بدون صوت…لكن يمكن أن تراه تحت الأضواء الليلية الخافتة….
استدارت فاطمة فجأة ناحية الشارع المرعب واصطدمت بحافة الدكان
وصرخت بهستيرية حزينة…قبل ذلك سمعت صوت رصاصتين اخترقتاني …شعرت بعطش شديد…ثم عاد صوت قطرات المطر إلى مسامعي..تهمس حياتها القاسية …فابتسمتُ وتهاوى جسدي …ولم أنم في حضن فاطمة كما جاء في قصّتها…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل