الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة ولعنة الإبداع.. بين إشكالية اللحظة والموقف الإنساني

غسان سالم

2010 / 3 / 14
الصحافة والاعلام


تمتلك الصورة القدرة على تجاوز اللحظة الجامدة التي تحجرت عند ومضة (الفلاش)، فهي بقدرة الفنان (المصور) تعبر حدود المكان وتمتلك تدفقها الزمني، إنها تصنع موقفها الذي يسعى أن يكون محايدا، وينقل اللحظة متجاوزا الأبعاد الثلاثة.
عندما تكون الصورة راصدة لمشهد أنساني عميق، فإنها تكون فجوة سارترية قلقة، او تحدب زمكاني، فهي تعطي للمتلقي برهة تستمر، وتبقى نظرة المتلقي معلقة في البعد الرابع لزمن اينشتاين، نعم إنها لا تمتلك الاستمرارية (الشكلية) ولا تكون متواصلة فهي عبارة عن (كمات) تتناوب في سرد الحكاية (اللحظة) التي أبدعها المصور! إنها لحظة هاربة من عمق المأساة التي يرصدها المصور في غفلة من انحطاط المشهد، الذي يعبر عن إرادات فاعليه القذرة، لتكون جزءا من تاريخ المصور، بل يتحول ذلك المصور (المصاب بلعنة الإبداع) إلى فاعل، ولربما قاتل!
* * *
ما الذي دعا (كيفن كارتر) أن يستمر في رصده لتلك اللحظة القاسية، التي كشفت مقدار بشاعة هذا الكائن المسمى إنسان، كيف استمر متسمرا في مكانه؟ لقد تدفق الأدرنالين في جسده، كقاتل يرصد الضحية، تتزايد نبضاته، وأنفاسه تلهث، وهو يسعى ليطبق تلك الأنفاس، للحصول على اتزان كي يدع كاميراته (بندقيته) تجهز على الطفل الهارب من قدر صنعته الحروب.. الجوع، وصراعات الإنسان المتعالي عن عمق المأساة.
* * *
في فلم (مدينة مجنونة) من بطولة (دوستن هوفمان وجون ترافولتا) ويوبخ هوفمان (الذي يعمل مراسلا صحفيا) مصورة قناته لأنها تركت الكاميرا لتساعد شرطي أصيب بطلق ناري، قائلا لها "لقد تركت لقطة كان يمكن أن تكون أهم لحظة في حياتك، أنت مصورة ولست مسعفة".
حينما تركت الكاميرا لتقوم بدورها الإنساني، سرقت حق الآخرين في المعرفة، هذا ما حاول قوله لها. تناقض إشكالية الموقف الصحفي تدفعنا إلى التفكير مليا بـ(الموقف الصحفي) وإنسانيته، والحق الحضاري للآخرين بالمعرفة، معرفة ما يجري، فدور الصحفي نقل الحدث، انه واجبه الإنساني، والمهني الذي يحتم عليه نقل الحدث وليس شيئا آخر.
وترى الفيدرالية الدولية للصحافة ان هذه القسوة التي تظهر بها الصحافة يجب تغليفها بالأخلاق، فأطلقت مبادرة (الصحافة الأخلاقية).
* * *
لقد انتحر(كيفن كارتر) تاركا لحظته البشعة تستمر، لقد قرر في تلك اللحظة مع ومضة (الفلاش) ان يكون صحفيا وأدرك حينها ان واجبه نقل مأساة الجوع والحرب عبر تلك الفجوة الزمكانية لذلك الطفل الذي يحبو نحو معسكر اللاجئين الذي يبعد بضعة أمتار! لكنه في لحظة أخرى، وبالتحديد في شقته اللندنية، صنع (لحظة انعكاسية) لمشهده القاسي في جنوب السودان، ولم يحتمل ان يستمر كونه صحفي يعمل باجر (دون أخلاق) فقرر في تلك اللحظة ان يكون أنسانا!
كما انتحر بطل فلم (مدينة مجنونة) الذي كان يريد ان يعود إلى عمله، تاركا الصحفي أمام مشهد اشترك في صناعته، أو حاول ان يكون جزءا من ذلك الحدث! لكنه فشل، ونقل للعالم تدفقات (كمية) سمرت المشاهدين في مقاعدهم، وتركتهم يحملون أسئلة عديدة، أسئلة تعجز مهنة الصحافة عن الإجابة عنها، فتتركها هكذا معلقة في استمرارية المهنة، المهنة الأكثر إشكالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا