الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات بعنوان : لقاء افتراضي معهم

بديع الآلوسي

2010 / 3 / 14
الادب والفن


الإهداء : إلى الموتى الأحياء باهر* وعفاف* وسلوان* الذين قاسموني مدافن الأفكار الحائرة .

المصائب تهيج الذاكرة واللغة أيضا ً ، لذلك في حضرة العدم أقول : ربما تكمن قوة الموت في معجزة التوازن ؟
الرثاء يطول ويقصر حسب مزاج كاتبه ، و يبدو مؤثرا ً او غير مؤثر حسب مزاج قارئه أيضا ً .
في اغلب الأحيان نرثي العظماء او نمجد ابطالا ً يتشابهون وإن اختلف ضجيجهم ، اليوم احاول ان أرثي نماذج من البشر المجهولين الصامتين وهم من لحمي ودمي وأحلامي .
دعونا نتخيل ولو مرة ً واحدة ان الموتى أحياء بيننا ويذوبون بين تفاصيل مأساتنا التي تشبه الملهاة .
******************************************************************
لا شيء يصدمني أكثر من العدم ، قلت : ماالموت ؟ لم اجد جوابا ً شافيا ً، فكما تعلم يا باهر اني أؤمن بأن الموت ضرورة منطقية ومعه يتزايد الفيض وفيه الراحة وهو خاتمةالمعنى لحياتنا الهشة وهو تكامل التراجيديا ،وهو الغموض السري الجميل وهو الجدوى لمصائرنا المهلهلة ،وهو صورة الطقوس الحزينة ، وهو الخروج الى الخلود الأبدي وهو هدفنا الوحيد .وهو حلمنا الذي ننتصر فيه .وهو القطب السالب الذي يبعث الحركة ،هو ضرورة الكون الموزون ، وهو المجاز لصقل أرواحنا،وهو جادة الصواب الواضح لضبط الإيقاع وهو ..........الخ .
أشكر الموت الطيب فانه ذكرني بك َ يا باهر يا مَن كنت تننفس الموهبة والخيال .
لكن لم اقتنع ولا أرضى بكل ما يقال ياعفاف عن الموت أو العدم وكما تعلمين اني من عشاق الكينونه الحية بمعناها الفضفاض والمريح ،وأرىأن لا منطق في الموت ، فهو المجهول ونفي النفي ، والتناقض الصارخ وهو العدم الشامل و المتلاطم ، هو صدمة الوعي الحائر وهو اللا جدوى ، وهو أللا عدل، هو علقة الكابوس الذي ابتلانا بها الله ، وهو مذبحة الزمان ،هو الشتاء الذي يخنق شمسنا .وهو انتحار اجسادنا في فضاء الضباب ، وهو الجسر النحيف الى العدم المبهم وهو رحلة الخوف الفردي........... الخ . نعم اني لا أكن للموت الجارح المودة لأنه غرس الألم في قلبك يا عفاف يا مَن كنت في هدنة مع الحياة ، باغتك ِ وأنت تتأملين الخلود كفكرة لا تحتاج الى برهان .
لكني في اغلب الأحيان يا سلوان وكما تعلم لست بالمتفائل ولا بالمتشائم ،،واني ما بين بين مستسلما ًلحقيقة الموت المطلقة لذلك تراني اردد : تجليات الموت اكبر من تجليات الوعي ، هكذا أحاول ان أعيش بسلام مع الموت وبلا مقاومة لسبب بسيط هو إيماني ان الحياة أشبه بالشهيق وما الموت سوى الزفير وأن ازدواجية الكون بنيت على هذا التناقض الأعمى العجيب.
بعد خمسة عقود أتقاسم معك أيها الموت وبأدب عجزي وخميرة روحي ومعنى حقيقتي التي تحاول ان تكون سوية ً طاهرة .
تساءلت ساخرا ً :من يميت الموت ؟
قلت : الموت هو ، هو ، لا داخل ولا خارج ، لا قاتل ولا مقتول ،لكنه يهزنا ويقتلعنا كالعاصفة وفي الوقت المناسب ،فها هو الآن يذكرني بك يا أبن عمي سلوان يا من دخلت المتاهة من دون أن تنسى بوصلة الله واعني الأيمان .
أرهف الحواس أصغي الى الموسيقى النرجسية للموت المقدس .. تصطدم روحي بأصواتكم المشحونة بالعاطفة ، كنتم بيننا تبحثون على قيمة السلام المتوج بالأمل الضروري ،، كنتم ضيوفا ً على الحياة وطحنتكم رحى النداء الغامض ،، الغريب إنكم ذبتم في الحدود الأخرى للمطلق ، كنتم كالقديسين لم تتركوا لنا من شيء سوى المحبة ، انكسرت أرواحنا بعد فراقكم المر وفاض المد والجزر في عيوننا وأختلطت الدماء في وعينا .
نعم نزلتم على نحو ٍ إضطراري الى رحم الأرض وبلا جلجلة وأخذتم الطريق المختصر الى ذلك العالم الذي لا يرى له من أثر ،، رحلتم طاهرين ،غير مثقلين بالكراهية او الضغينة أو الخيانة .
الوقت يمر كعادته يا باهر ، خرجت من ثقل الزمن وبقينا ننتظر .
لم أتناول عشائي الروتيني يا عفاف هذا المساء لأن الموت حط على كتفي وأرهقني . لم ابرح المكان يا سلوان لأني أتأمل آخر صورة لك معي .
أحبتي، كبرنا معا ً، لعبنا معا ً حلمنا معا ً، وشكرنا الحياة لأنها جمعتنا معا ً.
أحاول أن أنسى يا باهر لكن جيوش الذكريات تغزوني .
أحاول ان اهرب من نفسي يا عفاف لكن الألم يتطفل علي َ .
أحاول ان اعيش الحياة كفارس يا سلوان لكن لعبة الفراق تهزمني .
أيها الغائبون الحاضرون : تركتم في بغداد ،في تكريت ،في آلوس، في مستشفيات عمان و دمشق ، أثرا ً خاصا ً من الذكريات ، محملة ً بالفرح ، بالبكاء ، بالقلق ، بالإنتظار ، بالربح ، بالخسارة ،بالأمل الرهيف ، كنتم رغم الداء صابرين مؤمنين بالقضاء كخيط رحم بيننا وبين الله.
مررتم على عجل في طيف الزمان ، وتركتمونا نحترق بالدمع .
تساءلت بحيرة صوفية : لماذا هذه الفوضى العدمية ؟ .
تخترقون خاطري ، أ لمح صوركم تمر على قلبي ، اشعر بالفرح لأنكم تخصونني بالزيارة وترسلون لي دفء الإشارات .
تقولون لي : عجل خذ طريق العودة ولا تبق َ في بلاد الغرباء .
أقول لكم محاولا ً الإيجاز : لا أعرف متى أعود ،لكني متيقن من ثقل وحدتي وحزني في ليل المنفى المتشظي الأبعاد .
أدركني الليل يا باهر ،، كيف لي ان أغفو يا عفاف واليوم سلوان ألتحق بالسنونو المهاجر إلى فضاء النشيد وتلاشى وراء طيف الفكرة البيضاء كالثلج . .
أسأل : لماذا جاذبية الهباء تشمل كل العناصر وتسلمها للفناء ؟
أترك كلماتي تصرخ في وجه الموت الذي غافلنا وتجاهلنا وأغرقنا في حوض الخصائص المليئة بالألغاز .
تقولون : الموت يطهرنا من وحشة الألم المخبوء .
ـ نعم ... لكنه يغرس القلب بوسواس الصوت المذبوح .
أحبتي ، قلبي يغلي بالسخط والإحباط ،،غيابكم المجازي أدخلني في الفراغ المحتوم .
راجعت الصور وقلبت الذكريات عشرات المرات ،، كنتم حاضرين ، مبتسمين ، نعم كنتم بيننا ولم تخدعني الألبومات . ابحث عنكم الآن في الشعر في اللوحات ،،في الحكايات المنسية ،في الطرقات ،،ابحث عن وجودكم الحي في دنيا الحواس .
أكثر ما أحزنني أنكم رحلتم متعبيين ، عطاشا لحلم الماء المفطور على الرجاء.
ها انتم قد قفزتم النهر ، ألضفة الأخرى غامضة الأسرار بالنسبة لنا ، ربما اكتشفتم اللعبة الآن ، ربما وصلتم ودخلتم رحم البسملة ،،وربما أرواحكم بعدها هائمة تبحث عن ارض الهناء أو طريق الراحة المسالمة .
رحلتم ،، نعم تحررتم من الجسد لكن تركتمونا نواجه موتنا المحتوم في المرآة .
أحبتي أثركم لا يُرى بالإشارات المعهودة الآن ،، كل شيء تغير لكن حبنا لكم وحنيننا وإحترامنا لم يتبدل رغم تفكيرنا بالعدم المطعم بالمجهول .
تقولون لي : ماذا تكتب الآن يا أخانا ؟ .
اني اليوم مكسور القلب وأكتب شيئا ً عنكم وأعزي نفسي وبعض الأحياء .
أيها الغائبون الحاضرون: الحب والمودة يتكثفان في دورات المعلوم وغير المعقول ،هكذا يرتعد قلبي كورقة إنفصلت عن الشجرة لكنها تنتظر جوابا ً او معنى للسر المعطوب .
وفي هذا الفضاء الموحش أحاول ان أعيد فهم الأشياء ،أحاول ان أفهمها بالتأمل والتأويل ،، بالصمت والخشوع أيضا ً .
اقبع معزولا ًفي مكتبي وحيدا ً غير مصدق رحيلكم الأبدي عني ، وأسألكم : مَن اذا ً سيعيد لي معادلة الفرح حين يغير الهباء المعدني بلاغته في هذا المساء ؟
باهر ، عفاف ، سلوان ، ناموا مطمئني البال فهذه الدنيا معنى في اللا معنى يسكنها سأم الإعجاز . ناموا بسلام في قاع محيط الروح ، مثواكم باحة المستحيل وحديقة الخلود المطعمة بالأساطير.
ناموا الى أن ينبلج النور ، وأعلموا انه لم يبق لنا غير التباريح التي تسأل : ما معنى نجاة سفينة نوح ؟ .
قلت : ربما لقائي السري معكم كان إطلالة على طوفان الموت اللاذع ، وإن موعدنا الخاص خاطرة لا تريد الأجوبة .
أودعكم بسلام وأهديكم شيئا ًمن إيقاع الحياة ( في الكون هاجس ، وفي الهاجس كرى / في الأرض جب ، وفي الجب ردى / حاضر هو الهوى ،متداخل بين تجاعيد المنى / تقولون : هل نأتي اليوم أم غدا ؟ / أقول : تعالوا متى شئتموا ، ولكن لا تتركوني نهبا ً للنوى .
*************************************************
حين تعود أرواحنا إلى فطرتها العذراء نقول : موتانا يحتاجون الى صدى كلماتنا ودعائنا السري .. إلى الأرواح البريئة الصلوات ............ آمين
*************************************************
*أخي المهندس باهر : غادرنا في زهرة الشباب بورم في الدماغ
* أختي عفاف : فارقت الحياة وهي على مشارف الأربعين بسب مرض السرطان
* ابن عمي سلوان : وهو الأخر مات بسبب السرطان وهو في عز الشباب . 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا