الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأصيل حق الأمان في منظومة حقوق الإنسان

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 3 / 14
حقوق الانسان




عرفت التشاريع الوضعية ، ما اصطلح على تسميته بحقوق الإنسان وهي المعروفة عند بعض المفكرين باسم الحقوق الطبيعية ، وقد جاءت ضمن إجماعات من أطراف المجتمع الدولي ، وهي منطلقة من فرضية ، قوية صارت في عداد المسلّمات ، تلك الفرضية هي المصرِّحة بأن كل إنسان له حقوق ، وعليه واجبات . وصارت هذه الجملة مسلّمة قانونية ، وأخلاقية ، ودينية ، ودنيوية .
وفي سياق الكلام على حقوق الإنسان ، تسنح تفصيلات ، وتعرض تفريعات ؛ تقود للكلام على كل من حقوق المرأة ، وحقوق الطفل ، وحقوق المعوقين ، وحقوق الأقليات ، وحقوق الزوجة ، وحقوق الحيوان . صارت الكتابات القانونية والاجتماعية مليئة بصنوف الحقوق وأقسامها ، وقديماً ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الله ، وحقوق العباد ، وحقوق أهل الذمة. ومقابل كل حق من تلك الحقوق ظهرت واجبات تتعلق بذمة صاحب الحق ، فبقدر ما له حق في حقه ، فهو مطالب بأداء ما استوجبته ذمته من واجبات .
الإرهاب وحقوق الإنسان:
في مدينة(فيينا) سنة 1993 صدرت وثيقة عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان . وقبلها في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة 1992 م، وكلتاهما صرَّحَتَا بأن الإرهاب هو انتهاك لحقوق الإنسان وتقويض لأمن الدول .
فيما تعلق بمفهوم الإرهاب نرى أن الخلاف منحصر في تبرير العمل المؤدي إلى عملية إحداث العمل الموصوف بكونه إرهاباً و إرعاباً ، فحين يطلق حزب الله صواريخه علي حيفا -مثلاً- من رأى أنه يدافع عن نفسه ويرد كيد عدوه ؛لم يعدَّ ذلك إرهاباً ، ومن رأي أن الموقف ليس موقف دفاع عن النفس وأن لا كيد للعدو ؛ عكس الحكم ورآه إرهاباً . فالحكم على كون فعلٍ ما إرهاباً أو لا ، منوط بمبررات اجتراح ذلك الفعل ، فالغايات هي الحاكمة على المنطلقات والإجراءات .
حين يقفز رجل لبيت جاره ليسرق مال جاره ، هذا إرهاب ، وحين يقفز ليسترد مالاً سرقه منه جاره ، هذا ليس بإرهاب . فالفعل واحد لكن الحافز والدافع الموجه للحكم متباين ، وحسب تباينه تتباين الأحكام.
أواخر القرن الثامن عشر ، قصد بالإرهاب ، الأعمال والسياسات الحكومية الهادفة لتأمين طاعة المواطنين بالقوة والإخافة.( ) لكن تعريف الإرهاب لم يستقر على ذلك بل تعددت تعاريفه حتى صار يقال إن من المستحيل وضع تعريف جامع مانع له .ولا يخفى أن هذه الاستحالة غير مستندة إلى أساس موضوعي ن بل هي قائمة على منازع ذاتية تحكمها أغراض وأطماع وأهواء وتبريرات كل طرف على حدة .
إن الصياغات القانونية والتنظيرات لحقوق الإنسان هي ذات جذور قديمة ، وأخرى حديثة .
أما الجذور الحديثة فهي أكثر وضوحاً ،وهي ماثلة في النصوص التقليدية الصادرة أواخر القرن 18 م ، منها الإعلان الأمريكي للاستقلال ، وإعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن ، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/1948 م وقبله إعلان روزفلت عن الحريات الأربع في خطابه بتاريخ 06/01/1941م وهي : حرية التعبير ، والتحرر من العوز ، ومن الخوف ويرجع Rechar Bauman أصل الفكرة الحديثة لحقوق الإنسان ، إلى الرومانية القديمة.
حق الأمن :
حق الأمن يمتد إلى ثلاثة مستويات :
1. المستوى الفردي : هو مستوى وجد (( للحد من الصلاحيات الممنوحة للسلطات العامة في الدولة )) ( ) ويسمى الشخصي (Personal security ) حيث يأمن الإنسان على شخصه وذاته .
2. المستوى الاجتماعي : حيث يتعدى الأمن الشخصي ، إلى الأمن على ساحة المحيط الاجتماعي بما يضمه من أقارب وجيران .
3. المستوى الدولي : وهو المجال الذي يجاوز النطاق المجتمعي ، أو المديني ، لينسحب على أشخاص المجتمع الدولي من دول وكيانات سياسية.
وقد أشارت المادة 23 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان إليه ( International security ) بصيغة الحق الجماعي .
إن ما نعنيه بالأمن الدولي يتجاوز مفهوم أمن الدولة بصفتها كياناً سياسياً ومكوناً من بين أشخاص وكيانات المجتمع الدولي . فالأمن الدولي هنا هو ما يرادف الأمن العالمي الذي وجد له صياغة نظرية في فكرة ( الأمن الإنساني ) التي صاغتها كندا وجعلتها في مقدمة أولويات سياستها الخارجية بعد 1994م . وقد باشرت العمل في هذا عدةٌ من الدول تحت عنوان ( شبكة الأمن الإنساني ) ضمن المفوضية العليا للأمن الإنساني التي ترأسها البروفسور الهندي أميراتي سين ، وتلاها حراك عالمي بحثيٌ وأكاديمي ،و سياسي في صدد مناقشة وتفعيل هذا المفهوم(2) .
لقد ظهرت مبادرات دولية في نهج تحقيق الأمن الدولي من أهمها :
1. التوقيع على بعض المعاهدات لإزالة الأسلحة النووية أو التقليص منها ، وخطر بعض أنواع الأسلحة والمواد المهلكة كالفسفور الأبيض والقنابل العنقودية .
2. مبادرة القيادة الليبية إلى التخلي عن المشروع النووي ، في خطوة جريئة ورائدة كان لها صدىً عالميٌ ، بوصفها تطبيقاً عملياً لمساعي تحقيق الأمن العالمي .
عوائق تحقيق الأمن :
تقف بعض المعوقات أمام هدف الوصول إلى حالة تحقيق الأمن ،بصفته حقاً إنسانياً . تلك المعوقات أهمها :
1. سيادة القطب الواحد ، وافتقاد توازن القوى عالمياً ، أسهم هذا الوضع منذ أواخر التسعينيات من القرن العشرين في تزعزع مساعي الوصول إلى الأمن العالمي .
2. الأداء الواهن لمجلس الأمن ، وافتقاده القوة على تفعيل قراراته .
3. إعراض كثير من الدول عن التنمية الداخلية ، وعن تحسين ظروف عيش سكانها . هذا العائق متعلق مباشرة بالأمن الفردي و المجمعي.
لقد اقترن الأمن بأطراف ظهرت معه في تراكيب شائعة أهمها :
1. الأمن السياسي .
2. الأمن الغذائي .
3. الأمن الثقافي .
4. الأمن الاجتماعي .
5. الأمن الحيوي ، ويشمل البيئة وحمايتها .
إن مما يميز منظومة حقوق الإنسان أنها (( ليست مغلقة وإنما تتميز بانفتاحها وحركيتها وظهور مفاهيم جديدة ثرية فيها مثل الحق في التنمية ، ومثل الحقوق الثقافية ))(1) .
الأمن الزائف :
ولا يفوتنا التنبيه إلى أن من الأحوال الخادعة ما يتحقق فيه نوع من الأمن –في بعض الدول- لا يعدو كونه أمناً ظاهرياً ، صورياً ، قد ينخدع به الغريب والزائر لكنه لا يمكن أي يخدع المواطن العائش في تلك الدول المكتفية بتحقيق الأمن الصوري لرعاياها ومواطنيها . من هنا لا يمكن إنكار وجود نوع من الأمن الزائف حيث يمكن (( إن يستتب الأمن دون أن تحترم حقوق الإنسان نتيجة القمع الشديد لكن هذا الأمن يكون ... مزيفاً أو مؤقتاً كالرماد فوق الجمر .. أما العكس فلا يكاد يوجد ))(2) .
إن غياب الأمن -بوصفه حاجة فردية ،ومجتمعية ، ودولية- يشكل عائقاً مؤكداً أمام فرص التطور و الرقي الذي تتمناه الدول ، ويتمناه المواطن ؛ فلا يمكنه للمواهب أن تنتج ، ولا للإمكانات البشرية أن تثمر في حالة غياب الأمن عن أصحاب تلك المواهب والإمكانات . لذلك لم ولن نسمع عن شعب تطوراً أو دولة تحسن اقتصادها في ظل الاحتلال ، أو في حالة حرب تخوضها أو أثناء فترة وباء يجتاحها . كل هاته الحالات المفقدة للأمن هي كاتمة وكابتةٌ للتقدم والإبداع حتى لو كانت بوادره موجودة في المجتمعات ، وعروقه حية في الناس ، فهي تظل في حاجة إلى ماء يسقيها لتنمو وتثمر، ذلك الماء هو الأمن .
لقد حقق الأمن أوصافا توجب علينا تأصيله في ذروة العناصر المكونة لمنظومة حقوق الإنسان ، إن من مؤكدات أهمية الأمن أنه تأهل ليُنظر إليه بالأوصاف التالية :
1- بوصفه حاجة بشرية ،فهو ليس من الكماليات ولا التحسينات ، بل هو في مرتبة الحاجة كالطعام ، والهواء ، من حيث اشتراطه لحياة إنسانية طبيعية . أما الحياة غيرالطبيعية فشأنها شأن آخر.
2-بوصفه ضماناً لاستقرار الفرد ،والمجتمع ، والدولة .
3 – بوصفه حافزاً للرقي الاقتصادي على مستوى الدول.
4- بوصفه حافزاً للرقي السلوكي والحضاري على مستوى الأفراد والمجتمعات .
كل هاته النقاط توكِّد أن عنصر الأمن أصيل ، ومتجذر في منظومة الحقوق الطبيعية التي صارت تسمى بحقوق الإنسان .

----------------------------
المراجع:


-{: الإرهاب وحقوق الإنسان ، سحر الياسري ، صحيفة الصباح ، http://www.alsabaah.com }.

- جدلية الأمن وحقوق الإنسان في عالم الإرهاب – رائد سليمان – موقع الحوار المتمدن ، العدد 1685

- الترابط بين الأمن الإنساني وحقوق الإنسان ، . الطيب البكوش ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و